سيكولوجيا الإنسان المرقمن وواقع الطفولة المغربية في شهر شتنبر .
مع كل دخول مدرسي يتجدد الأمل في أن تكون المدرسة فضاء للتعلم وبناء القيم، لكن واقع الطفولة اليوم يكشف عن أزمة تأقلم مع أجواء القسم والانضباط، خصوصا في شهر شتنبر حيث يواجه التلاميذ صعوبة الانتقال من العوالم الرقمية المفتوحة إلى فضاء تربوي منضبط.
في كتابه "سيكولوجيا الإنسان المرقمن"، يوضح الباحث المغربي الدكتور المصطفى شكدالي أن الرقمنة لم تعد مجرد وسيلة، بل تحولت إلى بيئة نفسية ومعرفية جديدة تعيد تشكيل الإدراك والهوية والانتباه.
فالإنسان المرقمن يعيش تحت ضغط الشاشة: إيقاع سريع، تحفيزات لحظية، وتشتت ذهني مستمر. هذه السمات تترجم مباشرة في سلوك الأطفال داخل المدرسة، حيث يظهر ضعف التركيز والعزوف عن القراءة الورقية، إضافة إلى نزوع نحو العزلة أو فرط حركة دائم.
غير أن ما يزيد الوضع تعقيدا هو البعد الاجتماعي والاقتصادي المرتبط بالدخول المدرسي. فالآباء الذين يُفترض أن ينشغلوا بمواكبة أبنائهم تربويا ونفسيا، يجدون أنفسهم غارقين في همّ توفير مستلزمات العطلة الصيفية، ثم مباشرة بعدها مواجهة مصاريف المأكل والملبس وأدوات الدخول المدرسي التي تعرف ارتفاعا متواصلا في أثمنتها. ويُضاف إلى ذلك عبء واجبات التسجيل وأقساط المؤسسات الخصوصية التي تفاجئ الجميع بزياداتها السنوية، مما يجعل فكرهم منكب نحو الانشغال المادي على حساب الانشغال التربوي.
اليوم أصبح المجتمع والمدرسة معًا يقفان أمام معضلة مزدوجة: طفولة محمّلة بآثار الرقمنة، وأسر مثقلة بالهموم الاقتصادية بما في ذلك تحمل تكاليف الأنشطة الموازية في ظل فراغ وفاعلية أنشطة دور الشباب.
في هذا السياق، تبدو المدرسة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تتحول إلى فضاء للمناعة التربوية، لا مجرد مؤسسة لنقل المعرفة. وهنا يبرز دور إدماج التربية الرقمية كرافعة لتوجيه استعمال التكنولوجيا، إلى جانب الأنشطة الفنية والجماعية التي تعيد الاعتبار للتفاعل الإنساني المباشر.
إن شهر شتنبر، بما يحمله من توترات اجتماعية واقتصادية ونفسية، يكشف أن الطفولة المرقمنة ليست فقط إشكالية بيداغوجية، بل هي رهان مجتمعي. وإذا لم تُبادر المدرسة إلى خلق توازن بين الرقمي والإنساني، وبين المعرفي والاجتماعي، فإننا نخاطر بجيل يعيش بين ضغطين: ضغط الشاشة وضغط الغلاء.