Thursday 4 December 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: هل شكّل "فرانكنشتاين" الجزائر هاجس لقاء القاهرة الثلاثي؟!

محمد عزيز الوكيلي: هل شكّل "فرانكنشتاين" الجزائر هاجس لقاء القاهرة الثلاثي؟! محمد عزيز الوكيلي
مرة أخرى، يجد المرء نفسه منجذباً بقوة صوب الحديث، من جديد، عن الجارة الشرقية، التي من فرط عدائها وعدوانيتها تجاهنا صار مجرد ذكرها يثير القلق، حتى لا أقول القرف والاشمئزاز!!
قبل يومين، علّق أحد المصريين خلال إحدى الحلقات، بقناته الخاصة، على لقاء جلالة الملك وأمير دولة الإمارات والرئيس المصري، رابطا هذا الحدث المفاجئ والسريع والسري، بمستقبل "الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية"، التي يبدو من ظاهر أحوالها، فبالأحرى من الجوانب الخفية لتلك الأحوال، أنها على وشك الانفجار والانفصام، ثم الانقسام إلى كيانات صغرى ضعيفة ومرتبكة وفاقدة للمقومات القانونية والمادية والمعنوية للدولة!!
 وبطبيعة الحال، فذلك ناشئ من جراء الضغط المفرط الذي ظل النظام العسكري بالجزائر يمارسه على كل المكونات الإثنية لدولته، من شعوب متميزة ومنفصلة عن بعضها، يُذكَر منها على سبيل الاستئناس: شعب القبائل؛ والأزواد؛ والطوارق؛ والشاوية؛ وأهالي الجغرافيا المُقْتَطَعَة من خريطة المملكة المغربية أيام الحماية الفرنسية، الذين لم يقبلوا أبدا ضمهم إلى ذلك الجار، ولذلك ظلوا معتزّين بمغربيتهم... وربما ظهر مستقبلاً مكوِّنٌ آخر أو أكثر، مادامت دولة الجزائر، كما نعرفها، صناعة فرنسية متشكّلة من خليط متشابك ولكنه غير منسجم وغير متكامل، وإنما بقي رَمادُه خامداً بقوة الحديد والنار، وبضغط في قمة الإفراط من لدن نظام لم يجد حرجا، قبل عقدين ونصف من الزمن، في إشعال عشرية سوداء عمل فيها بكل الوسائل غير الإنسانية وغير الأخلاقية على إبادة نحو ربع مليون نسمة، لمجرد الإبقاء على زمام السلطة، ومقاليد الحكم، في يده الملطخة بدماء لم تُرِقْها حتى قوات فرنسا الاستعمارية طيلة تنكيلها بشعوب تلك البقعة على امتداد اثنتين وثلاثين ومائة سنة !!
والحال أن أي انقسام كهذا يمكن أن يحدث على مرمى حجر من حدودنا الشرقية، وقرببا من أوروبا، وعلى بُعد نسبي من باقي بلدان الشمال الإفريقي، من شأنه أن يقضّ مضاجعنا جميعاً، وبلا استثناء، لأنه سيفتح المجال على مصراعيه لنشوء كيانات سرعان ما ستهيمن عليها الجماهات الإرهابية المتربصة بالمنطقة، خاصة وأن النظام الجزائري مَدّ مع بعضها جسور التلاقي نكاية في جاره الغربي، المغرب!!
 إن هكذا احتمال، لا يحتاج المرء إلى كثير بيان ليصف خطورته على شمال إفريقيا، والغرب العربي من آسيا، وعلى كل المجال المتوسطي، ولا أعتقد أن في العالم، في الوقت الراهن، مَن سيسمح بنشوء هذا الخطر المحدق، فبالأحرى أن نستسيغه نحن المعنيون الأوائل به لقُربه منا، وكذلك شركاؤنا من الأشقاء والأصدقاء !!
 مِن هنا، يبدو صاحب هذا التحليل مصيباً، ولو نسبياً، ويبدو الخطر السالف ذكره قائماً، ويتحدى منطق السياسة والدبلوماسيا، ويتحدى كل الصيغ التي نتجت عن التراكم المعرفي الإنساني في مجال العلاقات الدولية... وفي هذا السياق حَدِّثْ ولا حرج !! 
 الجماعات الإسلاموية المتطرفة متغلغلة على حدود مختلِف بلدان الساحل الإفريقي، وكذلك بالموازاة معها توجد جماعات تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، والمد الإيراني العدائي والعدواني يتحيّن الفرص ليجعل منها، جميعها، أذرعاً يستغلها لضرب المنطقة بالكامل، ليس لتوسيع الخريطة الفارسية باتجاه شمال إفريقيا، فذلك لن تستطيعه إيران مهما علا شأنُها، وعَظُمَ شأوُها، وإنما ستجدها فرصة سانحة لإحراق الأخضر واليابس بمنطقتنا، ولزرع الفتنة والبلبلة حتى يغرق العرب والأمازيغ بالشمال الإفريقي في قلاقل لا أول لها ولا آخر، فيتسع المجال لها لتمارس ضرباتها على بلدان الغرب الأسيوي، وفي طليعتها مصر والسعودية والإمارات، لأن هذه هي رؤوس الحراب المانعة للتوسع الإيراني بمجموع شرق المنطقة العربية والخليج العربي!!
إذا أخذنا الأمر من هذا الجانب، فلن يسعنا إلا أن نضيف هذا المنظور من التحليل إلى ما سلف قوله في المقال السابق، لتتسع بذلك دائرة التوقعات التي علينا أن نضعها في الحسبان، في محاولتنا لفهم الحمولة السياسية والأمنية، ولِمَ لا أيضاً العسكرية، للقاء القاهرة بين القادة الثلاثة المذكورين، بوصفهم الأكثر انشغالاً بكل ما سلف ذكره !!
إن الذي وصف دولة الجزائر بالسرطان المغاربي والشمال الإفريقي لم يُجانب الصواب، وأعتقد أن هذا كله قد أحس النظام الجزائري بقرب وقوعه، ولذلك صعّد من إيقاع رقصاته وبهلوانياته بإزاء قرار مجلس الأمن رقم 2797، لأن هذا القرار بالذات يسحب الحصير من تحت أقدامه، وينزع عنه غطاءه المرقّع بمختلف الألوان والقوميات والمكوّنات، ولأن ذلك يعني تجريده من علة وجوده وبقائه كنظام عسكري مهيمن !!
إن سكان الموراديا موقنون تمام اليقين بأن ساعة سقوطهم قد أزفت، وأنه سيكون سقوطاً مدوياً، وانفلاقاً مُهْوِلاً ستتناثر من جرائه شظايا ذلك البلد، الذي رغم كل الجهد الذي بذلته فرنسا من أجل صناعته وجمع شتاته فإنه ظل دائما ذلك الكائن/"الفرانكنشتايني" الممسوخ، نسبة إلى "فرانكنشتاين"، ذلك الشخص الذي تحكي أسطورته عن تكوين سريري لشخصٍ اختلطت فيه أعضاء موتى مختلفين، ثم زرعت فيه طاقة كعربائية فانتصب بفعلها وتحرّك، إلا أنها لم تلبث أن انطفأ وهجُها وانتهى تأثيرُها، فَتَحوّل ذلك الشخص المركَّب إلى مسخ عدائي قاتل لا بَوْصَلةَ له ولا وجهَ ولا قسمات... عجبي !!!    
____________
* إطار تربوي متقاعد.
هل شكّل "فرانكنشتاين" الجزائر هاجس لقاء القاهرة الثلاثي؟!
محمد عزيز الوكيلي*
مرة أخرى، يجد المرء نفسه منجذباً بقوة صوب الحديث، من جديد، عن الجارة الشرقية، التي من فرط عدائها وعدوانيتها تجاهنا صار مجرد ذكرها يثير القلق، حتى لا أقول القرف والاشمئزاز!!
قبل يومين، علّق أحد المصريين خلال إحدى الحلقات، بقناته الخاصة، على لقاء جلالة الملك وأمير دولة الإمارات والرئيس المصري، رابطا هذا الحدث المفاجئ والسريع والسري، بمستقبل "الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية"، التي يبدو من ظاهر أحوالها، فبالأحرى من الجوانب الخفية لتلك الأحوال، أنها على وشك الانفجار والانفصام، ثم الانقسام إلى كيانات صغرى ضعيفة ومرتبكة وفاقدة للمقومات القانونية والمادية والمعنوية للدولة!!
 وبطبيعة الحال، فذلك ناشئ من جراء الضغط المفرط الذي ظل النظام العسكري بالجزائر يمارسه على كل المكونات الإثنية لدولته، من شعوب متميزة ومنفصلة عن بعضها، يُذكَر منها على سبيل الاستئناس: شعب القبائل؛ والأزواد؛ والطوارق؛ والشاوية؛ وأهالي الجغرافيا المُقْتَطَعَة من خريطة المملكة المغربية أيام الحماية الفرنسية، الذين لم يقبلوا أبدا ضمهم إلى ذلك الجار، ولذلك ظلوا معتزّين بمغربيتهم... وربما ظهر مستقبلاً مكوِّنٌ آخر أو أكثر، مادامت دولة الجزائر، كما نعرفها، صناعة فرنسية متشكّلة من خليط متشابك ولكنه غير منسجم وغير متكامل، وإنما بقي رَمادُه خامداً بقوة الحديد والنار، وبضغط في قمة الإفراط من لدن نظام لم يجد حرجا، قبل عقدين ونصف من الزمن، في إشعال عشرية سوداء عمل فيها بكل الوسائل غير الإنسانية وغير الأخلاقية على إبادة نحو ربع مليون نسمة، لمجرد الإبقاء على زمام السلطة، ومقاليد الحكم، في يده الملطخة بدماء لم تُرِقْها حتى قوات فرنسا الاستعمارية طيلة تنكيلها بشعوب تلك البقعة على امتداد اثنتين وثلاثين ومائة سنة !!
والحال أن أي انقسام كهذا يمكن أن يحدث على مرمى حجر من حدودنا الشرقية، وقرببا من أوروبا، وعلى بُعد نسبي من باقي بلدان الشمال الإفريقي، من شأنه أن يقضّ مضاجعنا جميعاً، وبلا استثناء، لأنه سيفتح المجال على مصراعيه لنشوء كيانات سرعان ما ستهيمن عليها الجماهات الإرهابية المتربصة بالمنطقة، خاصة وأن النظام الجزائري مَدّ مع بعضها جسور التلاقي نكاية في جاره الغربي، المغرب!!
 إن هكذا احتمال، لا يحتاج المرء إلى كثير بيان ليصف خطورته على شمال إفريقيا، والغرب العربي من آسيا، وعلى كل المجال المتوسطي، ولا أعتقد أن في العالم، في الوقت الراهن، مَن سيسمح بنشوء هذا الخطر المحدق، فبالأحرى أن نستسيغه نحن المعنيون الأوائل به لقُربه منا، وكذلك شركاؤنا من الأشقاء والأصدقاء !!
 مِن هنا، يبدو صاحب هذا التحليل مصيباً، ولو نسبياً، ويبدو الخطر السالف ذكره قائماً، ويتحدى منطق السياسة والدبلوماسيا، ويتحدى كل الصيغ التي نتجت عن التراكم المعرفي الإنساني في مجال العلاقات الدولية... وفي هذا السياق حَدِّثْ ولا حرج !! 
 الجماعات الإسلاموية المتطرفة متغلغلة على حدود مختلِف بلدان الساحل الإفريقي، وكذلك بالموازاة معها توجد جماعات تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، والمد الإيراني العدائي والعدواني يتحيّن الفرص ليجعل منها، جميعها، أذرعاً يستغلها لضرب المنطقة بالكامل، ليس لتوسيع الخريطة الفارسية باتجاه شمال إفريقيا، فذلك لن تستطيعه إيران مهما علا شأنُها، وعَظُمَ شأوُها، وإنما ستجدها فرصة سانحة لإحراق الأخضر واليابس بمنطقتنا، ولزرع الفتنة والبلبلة حتى يغرق العرب والأمازيغ بالشمال الإفريقي في قلاقل لا أول لها ولا آخر، فيتسع المجال لها لتمارس ضرباتها على بلدان الغرب الأسيوي، وفي طليعتها مصر والسعودية والإمارات، لأن هذه هي رؤوس الحراب المانعة للتوسع الإيراني بمجموع شرق المنطقة العربية والخليج العربي!!
إذا أخذنا الأمر من هذا الجانب، فلن يسعنا إلا أن نضيف هذا المنظور من التحليل إلى ما سلف قوله في المقال السابق، لتتسع بذلك دائرة التوقعات التي علينا أن نضعها في الحسبان، في محاولتنا لفهم الحمولة السياسية والأمنية، ولِمَ لا أيضاً العسكرية، للقاء القاهرة بين القادة الثلاثة المذكورين، بوصفهم الأكثر انشغالاً بكل ما سلف ذكره !!
إن الذي وصف دولة الجزائر بالسرطان المغاربي والشمال الإفريقي لم يُجانب الصواب، وأعتقد أن هذا كله قد أحس النظام الجزائري بقرب وقوعه، ولذلك صعّد من إيقاع رقصاته وبهلوانياته بإزاء قرار مجلس الأمن رقم 2797، لأن هذا القرار بالذات يسحب الحصير من تحت أقدامه، وينزع عنه غطاءه المرقّع بمختلف الألوان والقوميات والمكوّنات، ولأن ذلك يعني تجريده من علة وجوده وبقائه كنظام عسكري مهيمن !!
إن سكان الموراديا موقنون تمام اليقين بأن ساعة سقوطهم قد أزفت، وأنه سيكون سقوطاً مدوياً، وانفلاقاً مُهْوِلاً ستتناثر من جرائه شظايا ذلك البلد، الذي رغم كل الجهد الذي بذلته فرنسا من أجل صناعته وجمع شتاته فإنه ظل دائما ذلك الكائن/"الفرانكنشتايني" الممسوخ، نسبة إلى "فرانكنشتاين"، ذلك الشخص الذي تحكي أسطورته عن تكوين سريري لشخصٍ اختلطت فيه أعضاء موتى مختلفين، ثم زرعت فيه طاقة كعربائية فانتصب بفعلها وتحرّك، إلا أنها لم تلبث أن انطفأ وهجُها وانتهى تأثيرُها، فَتَحوّل ذلك الشخص المركَّب إلى مسخ عدائي قاتل لا بَوْصَلةَ له ولا وجهَ ولا قسمات... عجبي !!!    
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد.