Thursday 7 August 2025
منبر أنفاس

عبد العزيزالحطابي: إعادة تشكيل الفكر العربي.. من النخبوية إلى الشمولية في عصر التحولات

 
عبد العزيزالحطابي: إعادة تشكيل الفكر العربي.. من النخبوية إلى الشمولية في عصر التحولات عبد العزيزالحطابي

عتبر المجتمعات العربية في القرن العشرين مسرحًا لتغيرات فكرية وسياسية عميقة، حيث تزامنت هذه التغيرات مع تحديات معقدة تعكس واقع التأخر والتبعية. في خضم هذه التحولات، برزت أصوات فكرية تسعى إلى إعادة تشكيل العقل العربي، ومن بين هذه الأصوات يأتي عبد الله العروي كأحد أبرز المفكرين الذين تناولوا قضايا التحديث والثقافة. يمثل فكر العروي دعوة إلى ثورة ثقافية تتجاوز الحدود التقليدية، مما يثير تساؤلات حول دور النخبة والمجتمع في عملية التغيير.

شهد القرن العشرون بروز حركات فكرية وثقافية في العالم العربي، حيث سعت هذه الحركات إلى التغيير من خلال نقد الفكر التقليدي واستيعاب مكاسب الحداثة. ومع ذلك، فإن هذه المحاولات غالبًا ما اصطدمت بواقع معقد من التحديات السياسية والاجتماعية. فالأزمات السياسية والحروب الأهلية، بالإضافة إلى تأثير الاستعمار، أدت إلى ظهور أنظمة قمعية ترفض أي دعوة للتغيير. إن فهم هذا السياق التاريخي يتطلب منا النظر في كيفية تأثير العوامل الخارجية والداخلية على تطور الفكر العربي. فبينما كانت بعض الدول الغربية تشهد تحولات فكرية واجتماعية، كانت المجتمعات العربية تتخبط في أزمات متعددة، مما جعلها في وضع يتطلب إعادة التفكير في مساراتها.

يعتبر عبد الله العروي من أبرز المفكرين الذين تناولوا قضية التحديث في الفكر العربي. فقد اقترح العروي ضرورة إعادة النظر في الإيديولوجيات السائدة، وأكد على أهمية الثقافة كوسيلة للتغيير. في هذا السياق، دعا إلى ثورة ثقافية تُسهم في بناء فكر عربي جديد يواجه التحديات المعاصرة. لكن دعوته قوبلت بانتقادات تتعلق بنخبوية طرحه، حيث اعتبر البعض أن تركيزه على المثقفين يعكس تجاهلًا للفئات الاجتماعية المستغلة.

 

لقد اعتبر العروي أن النخبة المثقفة هي القوة المحركة للتغيير، ولكن هذا التوجه يثير تساؤلات حول كيفية تفاعل هذه النخبة مع الطبقات الشعبية ودعم قضاياهم. إن التفاعل بين المثقفين والجماهير يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق أي شكل من أشكال التغيير الفعّال.

تتجلى العلاقة بين النخبوية والثورة الثقافية في مساعي العروي لنقد الفكر التقليدي. حيث يرى أن النخبة المثقفة هي القادرة على إحداث هذا التغيير، لكن هذه النظرة تعرضت للانتقادات بسبب إغفالها دور الطبقات الشعبية. إن هذا التوجه يتطلب منا مناقشة دور المثقف في المجتمع ودوره في العمل السياسي. إن الفكر العربي بحاجة ماسة إلى نموذج شامل يتجاوز النخبوية ويركز على إشراك جميع فئات المجتمع. يجب أن يكون هذا النموذج مرنًا وقادرًا على التكيف مع الظروف المتغيرة، مما يستدعي إعادة النظر في الأسس التي يقوم عليها الفكر العربي.

تواجه المجتمعات العربية تحديات عديدة على صعيد الفكر والسياسة. فالتبعية الاقتصادية والثقافية، بالإضافة إلى الانقسامات السياسية، تؤثر سلبًا على قدرة المجتمعات على تحقيق التغيير. في هذه البيئة، يصبح من الضروري البحث عن طرق جديدة للتفكير والتفاعل مع التحديات القائمة. إن هذه التحديات تتطلب من المفكرين العرب أن يتجاوزوا حدود نقد الإيديولوجيات السائدة ليشملوا نقدًا ذاتيًا يعزز من قدرتهم على الفهم العميق لمشكلات المجتمع. إن هذا النقد الذاتي يُعدّ خطوة أساسية نحو بناء فكر عربي جديد يتفاعل مع التحديات الراهنة ويعزز من قدرة الشعوب على تحقيق تطلعاتها.

إن الحاجة إلى نموذج فكري جديد يتجاوز النخبوية التقليدية أمر ملح. يتطلب هذا النموذج دمجًا بين الفكر الثقافي والسياسي، حيث ينبغي أن تكون الثقافة وسيلة لتحقيق التغيير الاجتماعي. كما يجب أن تشمل الدعوة إلى التحديث جميع فئات المجتمع، وليس فقط النخبة المثقفة. تُظهر التجربة العربية ضرورة الربط بين الفكر السياسي والثقافي كوسيلة لتحقيق التحديث المنشود. إن التركيز على الثقافة كوسيلة للتغيير يقتضي إدماج جميع الفئات الاجتماعية، مما يعكس حاجة المجتمع العربي إلى إعادة التفكير في مساراته وتحقيق تطلعاته.

تظل دعوة العروي للتحديث ورقة عمل مهمة في سياق الفكر العربي، لكن من الضروري إعادة النظر في مساراتها. إن التفاعل بين النخبة والفئات الشعبية، والبحث عن نموذج فكري شامل، هو الطريق نحو تحقيق التغيير المطلوب. إن فهم هذه الديناميكيات سيساعد على بناء مستقبل أفضل للمجتمع العربي، مستقبل يتجاوز التحديات ويعزز من قدرة الشعوب على تحقيق تطلعاتها. من خلال هذا المقال، استعرضنا دور الفكر العربي في مواجهة التحديات المعاصرة، مع التركيز على أفكار العروي ودعواته للتحديث. إن استمرار الحوار حول هذه الأفكار يُعتبر ضرورة في عالم متغير، حيث يجب أن تُبنى الجسور بين المثقفين والجماهير لتحقيق التغيير الفعّال.