Friday 7 November 2025

كتاب الرأي

الصديق معنينو: قرب جدار الموت.. خطب ملكية (الجزء الثالث)

الصديق معنينو: قرب جدار الموت.. خطب ملكية (الجزء الثالث) الصديق معنينو
في شهر واحد سيلقي الحسن الثاني خمسة خطب استجابة لضرورة ملحة للتعريف بموقف المغرب من الأحداث... خلال هذه الفترة الزمنية أبان الحسن الثاني عن قوة تواصلية مثيرة.
 
الانطلاقة
كانت الانطلاقة بخطاب 16 أكتوبر 1975 والذي أعلن فيه عن تنظيم المسيرة الخضراء... كان «الخطاب القنبلة.... في مذكراتي وصفته بـ «القنبلة السياسية لأنه فاجأ الجميع ... الأصدقاء والخصوم.
 
تحدث الملك في البداية عن الجانب القانوني للرأي الاستشاري المحكمة العدل الدولية وعلق على ما ورد في ذلك النص قائلا... قالت محكمة العدل... هناك روابط قانونية أولا وروابط بيعة بين المملكة المغربية والصحراء... وأعلن بأن القانون الإسلامي الدولي هو أول قانون نظم الحياة بين الأفراد والجماعة وبين الحاكمين والمحكومين».
 
روابط البيعة
بعد هذا المدخل ذي الصبغة القانونية تساءل.. ماذا بقي علينا أن نعمل... بقى لنا أن نتوجه إلى أرضنا... الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا... والعالم اعترف لنا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط لم تنقطع
تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار».
 
وهنا أعلن عن تنظيم المسيرة وقدم التفاصيل وقال ... لم يبق إلا شيء واحد... علينا أن نقوم بمسيرة خضراء... أن نقوم كرجل واحد بنظام وانتظام لتلتحق بالصحراء لنحيي الرحم مع إخواننا في الصحراء......
 
استمعت إلى هذا الخطاب في مكتبي وسط طاقم الصحافيين وشعرت بارتعاشة تهزني وقررت أن
 
أتطوع للذهاب ضمن المسيرة ....
 
ردود الفعل
كانت ردود الفعل مختلفة... فصحافة فرنسا شككت في قدرة المغرب على تنظيم مسيرة من هذا الحجم وبهذه السرعة، واعتبرت ذلك مناورة» من الحسن الثاني... وقالت الصحافة الإسبانية بأن الجيش الإسباني لن يسمح باجتياز الحدود وأن هذه المغامرة لن يكتب لها النجاح ....
أما في الجزائر فقد كانت الصدمة قوية... في هذا الصدد كتب الصحافي الفرنسي الشهير «جان دانييل» مدير مجلة لونوفيل أبسير فاتور» الاشتراكي اليهودي والجزائري الأصل في مذكراته.....
 
شهادة جليس
كنت على مائدة العشاء مع الرئيس الجزائري هواري بومدين ومعا استمعنا إلى خطاب الملك، لاحظت أن بومدين اجتاز مرحلة الدهشة إلى مرحلة التوتر عند نهاية الخطاب وقف منفعلا وقال كلاما نابياً في حق الملك أعتذر عن عدم ذكره ... كما لوح بيده عدة مرات نحو التلفزة.... لاحظت أن الرجل فقد صوابه... مقابل ذلك ظهر في العالم العربي شبه إجماع على دعم المسيرة واستعدت عدة جمعيات وفعاليات مدنية
للمشاركة الرمزية فيها.....
 
خطاب المصالحة
بعد أسبوع سيلقي الملك خطابا جديدا موجها إلى سكان الصحراء... خاطب فيه السكان.... «أقول لكم بكيفية واضحة من واجبي أن أجمع الشمل وأن أصالح الجميع وأن أصافح الجميع ... إنني أعاهدكم على التناسي والصفح وطي صفحة محاولات صنعتها حيل المستعمر وأطماع الطامع».
 
إذا عزمت
لكن الخطاب الأكثر انتظاراً داخليا وخارجيا هو خطاب خامس نونبر والذي ألقاه الملك من أكادير. كنت حاضرا في مقر البلدية، حيث ساد الصمت كل أنحاء المغرب، وتوجهت أنظار العالم إلى أكادير المعرفة هل ستنطلق المسيرة أم سيتم إلغائها أو تعويضها... في بداية كلمته قال الملك... شعبي العزيز يقول الله تبارك وتعالى فإذا عزمت فتوكل على الله.. غدا تنطلق المسيرة فوراً وبحس وطني وروحاني هرع المواطنون إلى المساجد للصلاة وطلب النجدة والنصر... لم ينم المغاربة ليلة الأربعاء في انتظار ما سينتج عن انطلاق المسيرة صباح الخميس....
 
سيارة الدرك
في العاشرة والنصف صباحا من يوم سادس نونبر كنت مع طاقم التلفزة فوق سيارة «جيب» تابعة للدرك الملكي... كنت أصيح وأحكي للنظارة ما يُنجزه المتطوعون واندفاعاتهم نحو الأمام محطمين للحدود الوهمية وممزقين الأسلاك الشائكة التي أقامها الوجود الاستعماري.....
 
سارت المسيرة لعشرات الكيلومترات حتى توقفت أمام الجدار العسكري الإسباني... جدار الموت... وبدأ الانتظار... دام الانتظار أربعة أيام.. مساء الأحد، تاسع نونبر استمعنا عبر الإذاعة إلى خطاب الملك الذي دعا فيه إلى الرجوع إلى المنطلق.. أي أن على المتطوعين أن يغادروا أرض الصحراء ويعودون إلى ضواحي طرفاية..... عشت المأساة... شاهدت احتاجا وبكاءاً ورفضاً ... لم أستطع الجواب أو إقناع المتسائلين والمستفسرين عن أسباب هذا الرجوع بينما كان الجميع على الاستعداد للتضحية.
عند رجوعي صبيحة يوم الاثنين إلى طرفاية تلقيت مكالمة هاتفية من وزير الإعلام يطلب مني الالتحاق فورا بمراكش... تساءلت ماذا يجري في مراكش التي كان الملك قد عاد إليها... وجدت صعوبة للسفر السريع .... وبعد عدة محاولات وصلت مراكش لأكتشف أنه علي أن ألتحق بمدريد حيث تنطلق المفاوضات المغربية الإسبانية.
 
خلال هذه المدة، في مراكش وفي أكادير استقبل الملك عشرات الوفود الصحافية خاطب من خلالها الرأي العام في أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط... واستقبل عدة وفود قادمة من دول صديقة وشقيقة... دعما للمسيرة .... كان الملك يرحب ويشكر... قال للوفد السعودي... إن الشعب المغربي سيكتب عن مشاركتكم لا أقول بماء الذهب بل سينقشها في قلبه.... حتى تتوارثها الأجيال عن الأجيال.....
 
الخطاب الخامس
يوم 18 نونبر بمناسبة عيد الاستقلال سيلقي الحسن الثاني خطابا يعلن فيه نجاح المسيرة وعودة الصحراء إلى أهلها، وأكد أن علينا أن نفكر الآن في وسائل تنمية الصحراء... وفي وسائل إيجاد الخير والبركة واتساع المعيشة في الصحراء... علينا أن نفتح المجال أمام الطاقات الصحراوية التي كانت مضغوطة... إنهم أبناء وحفدة المرابطين أولئك الذين بنوا وشيدوا».
 
كانت المعركة على واجهات متعددة احتل فيها الإعلام الصدارة ولا أذكر من قال... «إن عددا من المعارك يمكن الانتصار فيها بالتواصل الفعال .... والحسن الثاني أبان عن قدرة هائلة على التواصل... بعد ذلك ستبدأ معارك أخرى مفاجئة وعنيفة... وتلك قصة أخرى.