Thursday 7 August 2025
كتاب الرأي

محمد حمزة: علماء يفكرون يسارًا.. ألبرت أينشتاين نموذجًا

 
محمد حمزة: علماء يفكرون يسارًا.. ألبرت أينشتاين نموذجًا محمد حمزة
شهد القرن العشرون بروز مفهوم المثقف العضوي، كما صاغه أنطونيو غرامشي، والذي لا يكتفي بالإنتاج العلمي أو الفكري في معزل عن المجتمع، بل ينخرط بفعالية في قضاياه المصيرية. وفي هذا السياق، برز عدد من العلماء الذين تبنّوا الفكر اليساري، وجعلوا من علمهم أداةً للنقد الاجتماعي والسياسي، دفاعًا عن قيم العدالة، المساواة، وحقوق الفئات الهشة والمهمشة. ومن أبرز هؤلاء، الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين (1879–1955)، أحد أعظم العقول العلمية في التاريخ، ومطوّر نظرية النسبية العامة والخاصة، والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1921.

خلافًا للصورة النمطية للعالم المنعزل عن قضايا مجتمعه، كان أينشتاين منخرطًا في نضالات زمانه السياسية والاجتماعية. آمن إيمانًا عميقًا بقيم الحرية والعدالة والسلام، وجاهر بمواقفه ضد الحروب والاستعمار والعنصرية. ويمكن تلخيص بعض مواقفه في ما يلي:

* رفض الانخراط في العسكرة الألمانية إبّان الحرب العالمية الأولى.
* كان من الموقعين على بيان المناهضين للحرب سنة 1914.
* ندد بالحروب الإمبريالية، معتبرًا إياها ثمرة مباشرة للنظام الرأسمالي والصراعات القومية.
* ناهض النازية، وحذّر مبكرًا من خطرها على العالم.
* دافع عن حقوق الأمريكيين السود في الولايات المتحدة، وندد بالفصل العنصري، وشارك في حملات مناهضة للتمييز.

ارتبط اسم أينشتاين بالفكر الاشتراكي، ليس بمعناه الضيق كنظام اقتصادي بديل فحسب، بل كتصور أخلاقي وإنساني شامل للعلاقات الاجتماعية. وقد عبّر عن قناعاته الاشتراكية صراحةً في مقالته الشهيرة "لماذا الاشتراكية؟" التي نشرها سنة 1949 في مجلة Monthly Review. في هذا النص المرجعي، قدّم أينشتاين تشخيصًا نقديًا للنظام الرأسمالي، الذي رأى فيه نظامًا يقوم على استغلال الإنسان للإنسان، ويؤدي إلى تركز الثروة والسلطة بيد نخبة صغيرة تتحكم في الاقتصاد والإعلام والتعليم.
كان أينشتاين يطمح إلى اشتراكية ديمقراطية، تضمن:

* حرية الفرد وكرامته،
* توزيعًا عادلاً للثروات،
* اقتصادًا موجّهًا لتلبية الحاجات الإنسانية وليس الربح،
* ونظامًا تربويًا يهدف إلى تطوير الشخصية الإنسانية والمواطنة المسؤولة.

ورغم إيمانه بالاشتراكية، لم يتردد أينشتاين في نقد التجارب "الشيوعية الستالينية" التي رأى فيها تشويهًا جوهريًا للفكر الاشتراكي. فقد صرّح بشكل واضح أن "الاشتراكية التي لا تحترم حقوق الإنسان وحريات الفرد لا تستحق أن تُسمّى اشتراكية"، مؤكدًا أن النظام الذي يستبد باسم الشعب لا يمكن أن يخدم قضاياه الحقيقية.

في فكر أينشتاين، لا تتجلى الاشتراكية كبديل اقتصادي فحسب، بل كأفق إنساني وأخلاقي يُحرّر الإنسان من الاستلاب والاستغلال، ويعيد له معنى التضامن والمشاركة في بناء عالم أكثر عدالة وإنسانية. لقد وضع علمه وشهرته في خدمة هذه الرؤية، فكان بذلك عالمًا يفكر يسارًا بامتياز، ومثقفًا عضويًا نادرًا في التاريخ العلمي الحديث.