Wednesday 6 August 2025
كتاب الرأي

أحمد المريني: صورة الكيان الإسرائيلي تنتكس من الداخل والخارج

 
أحمد المريني: صورة الكيان الإسرائيلي تنتكس من الداخل والخارج أحمد المريني
تواصل حكومة الاحتلال الإسرائيلية الترويج لمشاريع إنسانية في ظاهرها، رغم أنها ليست إلا غطاء لسياسة عقاب جماعي وتهجير ممنهج للمدنيين بغزة، ما يُنذر بانعكاسات كارثية على علاقات الكيان داخليا وخارجيا في المستقبل القادم . حيث تواصل الضغط الداخلي بسبب جرائم القتل العشوائي وسياسة التجويع، مما زاد من انتكاسة صورته في جبهة الرأي العام الداخلي، واسهم بالتالي في تصاعد الاتهامات الداخلية للحكومة والمؤسسة الدعائية بالافتقار للاحتراف في مجموعة واسعة من المجالات الإعلامية، والإهمال المستمر الذي تسبب في الهزيمة المعنوية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، ما يحدث في غزة أمر غير مقبول ولا يغتفر
كان أحدث هذه الانتقادات ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، الذي وصف دول الكيان بالمنبوذة، مضيفا في تصريحات لصحيفة بوليتيكو أن ما يحدث في غزة أمر غير مقبول ولا يغتفر. مشيرا أن دولة الكيان تخسر دعم حلفائها التقليديين، بما في ذلك ألمانيا التي تواجه ضغوطا داخلية ، وفقد الدعم الدولي الذي ربط الكيان بأهم القوى في العالم الغربي .وتطور موقف اولمرت مع تصاعد أعمال الإبادة للمدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، والتجويع المتعمد لسكان غزة من خلال منع وصول الغذاء والمساعدات الطبية.

الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان الحرب الإسرائيلية على غزة إبادة جماعية
منذ أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، خلفت أكثر من 210 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.
وقد خلف ذلك ردود فعل كثيرة من داخل الكيان ، ومن الأصوات التي صدعت منددة بما يحدث من المجازر في قطاع غزة، الكاتب الإسرائيلي "ديفيد غروسمان" الذي وصف الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها إبادة جماعية، ففي مقابلة نشرت في يوليوز الماضي في صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية. كشف غروسمان أنه رفض لسنوات استخدام مصطلح الإبادة … لكنه لم يعد يستطيع منع نفسه حاليا من استخدامه، بعد ما قرأ في الصحف والصور التي رآها، فضلا عن حديثه مع أشخاص كان في عين المكان.

وأضاف غروسمان أنه أصبح مضطرا في الوقت الراهن، للاعتراف بألم بالغ بما يحدث أمام عينيه من إبادة جماعية. مؤكدا تمسكه بشدة بحل الدولتين، لعدم وجود بديل عنه، كما أشاد في هذا السياق بنية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر القادم.

 حاخام يهودي: يجب أن نعترف بالإبادة الجماعية ونعمل على إيقافها
وفي سياق ازدياد وتيرة التنديد بجرائم الإبادة، عبر الحاخام اليهودي مايكل زوسمان في مقال نشر على موقع "كاونتر بانش" في يوليوز المنصرف عن ندمه لتأخره في وصف ما تفعله إسرائيل في غزة بالإبادة الجماعية، لتحقيق جزء من التوبة والالتزام بإصلاح العالم. وقال إن الحكومة الصهيونية تتحمل مسؤولية ارتكاب جريمة إبادة جماعية في قطاع غزّة، ولم يجد مايكل زوسمان صعوبة في وصف ممارسات الكيان في غزّة، ردا على الهجمات التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر 2023، وما تبعها من احتجاز الأسرى، بأنها تطهير عرقي وعمليات انتقامية، مؤكدا خروجه في مظاهرات علنية ضد تلك الممارسات. ولم يقتنع الحاخام باستخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" إلا بعد مراجعة متأنّية لاستنتاجات معظم الباحثين المتخصصين في دراسات الإبادة، بما في ذلك أكاديميون إسرائيليون بارزون ، وأدرك حينها خطأه في امتناعه عن استعمال وصف الإبادة . لهذا رفض تبرير استمرار حكومة الاحتلال في تجويع شعب بأكمله، وتدمير البنية التحتية، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين.

 تقرير صحفي يكشف عن حجم الضرر الذي لحق بمكانة الاحتلال الإسرائيلي عالميا،
غير بعيد عن هذا التصريح كشفت صحيفة"إسرائيل اليوم" العبرية، في تقرير تحليلي نشرته في يوليوز الماضي، عن حجم الضرر غير المسبوق الذي لحق بصورة ومكانة الاحتلال الإسرائيلي عالميا، على خلفية سياساته في قطاع غزة، حين أمرت الحكومة الاحتلال بوقف إدخال المساعدات الإنسانية بعد المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى.
ومنذ ذلك الحين، رصد التقرير تدهورا متسارعا في الرأي العام العالمي تجاه الاحتلال الإسرائيلي، مدفوعا بتصاعد المجاعة في غزة، وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين، ولا سيما خلال التزاحم على مراكز توزيع المساعدات، فضلًا عن تصريحات استفزازية صادرة عن مسؤولين إسرائيليين كبار . ورغم ارتفاع عدد الضحايا لم تجد مبادرات المسؤولين صدى إيجابيًا، بل زادت من غضب المجتمع الدولي. كما أبرزت الصحيفة انتقادات واسعة لمبادرة وزير الحرب الإسرائيلي المتطرف، إيلي كاتس، التي اقترح فيها إنشاء مدينة إنسانية تضم 600 ألف فلسطيني كبداية، مع منعهم من مغادرتها لاحقًا، في خطوة وصفت بأنها تهجير قسري ناعم.

رؤساء جامعات إسرائيلية يطالبون نتنياهو بحل "مشكلة الجوع في غزة"
في موقف قوي أثار الراي العام بدولة الاحتلال خلف ردود فعل قوية لدى الأوساط العلمية، كشفت صحيفة هآرتس العبرية مناشدة خمسة رؤساء جامعات داخل دولة الاحتلال الإسرائيل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، مطالبين بإيجاد حل لمشكلة الجوع السائدة في غزة، التي تؤثر بشكل خطير على الأبرياء بما في ذلك الأطفال والرضع. وطالب رؤساء الجامعات نتنياهو بتوجيه الجيش الصهيوني، وقوات الأمن الأخرى إلى تكثيف الجهود لحل المشكلة، بغض النظر عن المسؤولية الثقيلة التي تتحملها المقاومة . وأضافوا أنهم يتابعون برعب مشاهد الأطفال الرضع الذين يموتون يوميًا من الجوع والمرض.
وعبروا في رسالتهم عن شعورهم بالفزع من تصريحات الوزراء المتطرفين وأعضاء الكنيست الذين يتحدثون عن مواصلة التدمير المتعمد لغزة، وتوقعوا إدانة واضحة من الحكومة، لهذه التصريحات التي وصفوها بالقاسية، مؤكدين أنها دعوة لا أخلاقية واضحة للقيام بأعمال تعتبر، في رأي كبار القانونيين في الكيان وحول العالم، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
واختمم رؤساء الجامعات أن التدمير المتعمد وخطة إنشاء مدينة إنسانية يُعبران عن فقدان ضبط النفس والإنسانية، وهو أمر لا يُمكننا التعافي منه، ويُسببان ضررًا لا يُمكن إصلاحه.

 منظمتان إسرائيليتان تتهمان حكومة الاحتلال بارتكاب إبادة في غزة
في خطوة حقوقية هي الأولى من نوعها منذ انطلاق طوفان الأقصى، اتهمت منظمتا حقوق إنسان إسرائيليتين الدولة العبرية بارتكاب إبادة جماعية في غزة. إلى ذلك نددتا منظمتا "بتسيلم" وأطباء لحقوق الإنسان بتطوير نظام إبادة جماعية في الكيان، يعمل على تدمير وإبادة المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة.
وقالت يولي نوفاك، المديرة العامة لمنظمة "بتسيلم" ، في نص البيان لا يمكن أن يهيئ شخصًا لواقع أنه ينتمي إلى مجتمع يرتكب إبادة جماعية؛ إنها لحظة صعبة للغاية. وقد صرحت بأنه بصفتهم إسرائيليين وفلسطينيين يعيشون في هذا المكان ويشاهدون الوقائع يوميًا، فإن واجبهم هو قول الحقيقة بوضوح تام ،مفاده أن الكيان يقوم بإبادة جماعية بحق الفلسطينيين.

 صورة إسرائيل اعلاميا تنتكس داخليا وخارجيا
كرد فعل على جرائم الإبادة في غزة، فقدت دولة الاحتلال القدرة على تبرير جرائمها رغم ما تتوفر عليها من ترسانة إعلامية وإعلانية مهنية، وها هي الخبيرة الإعلامية بصحيفة "معاريف العبرية"، ليلاخ سيغان، تأكد أن "دولة حقيقة كيان إسرائيل الذي مُنِي في الآونة الأخيرة بسلسلة من الانتكاسات السياسية والدبلوماسية، وآخرها الدعوات القادمة من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأستراليا وكندا واليابان والدنمارك و21 دولة أخرى، المطالبة بإنهاء الحرب في غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية، واحتجاز جنديين إسرائيليين كانا في إجازة في بلجيكا للتحقيق معهما عقب تقديم مؤسسة مؤيدة للفلسطينيين شكوى ضدهما بارتكاب جرائم حرب".
وأشارت إلى أن وكالة الأنباء الفرنسية أكدت أن صحافييها في غزة معرضون للموت جوعاً، فيما اضطر بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة للاعتذار علانية للبابا لأن الجيش قصف كنيسة في غزة، وكل هذه التطورات وغيرها تؤثر سلبًا على التقييمات أو مشاعر الأوروبيين تجاه الاسرائيليين.
وأوضحت صعوبة فصل ما يحدث في عواصم العالم ضد الكيان عما تشهده غزة، لأن العناوين الرئيسية اليومية في وسائل الإعلام العالمية تتحدث يوميا عن قيام جيش الاحتلال بقتل الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على المساعدة والغذاء. وهذا يكشف الإخفاق المروع الذي وقع فيه جهاز الإعلام الحكومي للكيان الصهيوني.
واعترفت الخبيرة الإعلامية بفشل الجهود الدعائية الصهيوني، مشيرة إلى ازدياد أعداد المؤثرين في الدول الغربية الذين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة مع مرور الوقت، حتى المواطنين في دولة الاحتلال باتوا يشاركون صورًا لفلسطينيين جائعين، ولا يوجد أحد يقاتل ضد هذا التسونامي المعادي لنا لدحضه، أو لتقديم الحقائق في الوقت الحقيقي أو لصنع الدعاية.

كيف تهاوت صورة الكيان داخليا وخارجيا
الظاهر أن الوضع الإنساني والمجاعة في قطاع غزة تسبب في انقلاب الراي العام الداخلي بدولة الاحتلال، و انهيار صورة كيان إسرائيل التي لا تُقهر . فقد اتهمت العديد من المنظمات الحقوقية الكيان باستخدام التجويع كأسلوب حرب، من خلال فرض قيود صارمة على دخول المساعدات الإنسانية.
ولم تؤدِ المجاعة في غزة بشكل مباشر إلى انهيار الاحتلال، لكنها أسهمت في تصاعد أزمات وضغوط داخلية متزايدة على الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي انتكاسة صورته لدى الرأي العام العالمي والداخلي. فالتجويع في غزة يعد سبب قويا في الانهيار الداخلي، وعاملا رئيسيا يغذي الضغط الدولي ويعمق الانقسامات الداخلية الموجودة بالفعل. مما أدى إلى تآكل هذه الصورة من داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه. هذه الديناميكيات المترابطة أدت إلى اهتزاز الثقة في القيادة والمؤسسة العسكرية.
والواقع أن أزمة انهيار الصورة لم تقتصر من داخل الكيان على الجبهة العسكرية الخارجية، بل امتدت لتضرب العمق الداخلي للمجتمع الإسرائيلي وتزيد من انقساماته كما جاء في السابق، بسبب الصدمة الجماعية وفقدان الثقة التي أحدثها طوفان الأقصى . الشيء الذي أدى إلى فقدان الثقة في القيادة السياسية والعسكرية المسؤولة عن حماية المستوطنين اليهود.
كما نتجت بعد أن تصاعدت المظاهرات داخل دولة الكيان بشكل غير مسبوق، خاصة من قبل عائلات المحتجزين الذين يتهمون الحكومة بالتخلي عن أبنائهم. وهذه المظاهرات أظهرت وجود شرخ عميق بين الحكومة وقطاعات واسعة من الشعب، وزادت من المطالبات بإجراء انتخابات مبكرة. بالإضافة إلى تزايد الأزمات الداخلية فقد كشفت الحرب عن انقسامات حادة داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن قضايا مثل تجنيد اليهود المتشددين (الحريديم) ودور الجيش في إدارة الصراع، مما يعكس ضعفًا داخليًا يهدد الوحدة بالكيان المحتل.

 خاتمة
على الرغم من هذه الانتقادات الداخلية اتجاه ما يجري من حرب الإبادة في غزة، وأعمال الإبادة والتطهير العرقي. تتوالى تصريحات خلال شهر يولويز الماضي قادة في حكومة الاحتلال تحث على مواصلة حرب الإبادة في صورها المختلفة، في هذا السياق كشفت صحيفة إسرائيل اليوم العبرية ، في تقرير لها عن تصريحات مجموعة من المسؤولين المتطرفين في حكومة الاحتلال، ومنها يسرائيل كاتس وزير الدفاع المتطرف الذي أوضح أن الهدف من المدينة هو تقليص الاحتكاك مع المدنيين، وتصريحات صادمة لوزير التراث عميحاي إلياهو، الذي قال في مقابلة إذاعية أنهم بصدد محو الشر، وغزة كلها ستكون يهودية، في إشارة إلى نوايا واضحة بتغيير ديمغرافي جذري.
 
ذ . أحمد المريني،  كاتب وإعلامي