Sunday 4 May 2025
سياسة

أريري: في ضيافة أقوى جنيرال بالجيش المغربي بإقليم أسا الزاك

أريري: في ضيافة أقوى جنيرال بالجيش المغربي بإقليم أسا الزاك الزميل عبد الرحيم أريري بجبال "الواركزيز" قرب مدينة الزاك
سلسة جبال "الواركزيز"، ليست فقط بوابة المرور نحو ملتقى الحدود الثلاثي بين المغرب، من جهة، والجزائر وموريتانيا، من جهة ثانية.
 
سلسلة جبال "الواركزيز"، لا تشكل فقط (مع جبال باني) أكبر ممر حضاري في التاريخ بين الجنوب الغربي والشمال الشرقي للمغرب.
 
سلسلة جبال "الواركزيز"، لا تصنف فقط كأكبر جنة للنقوش الصخرية والمدافن الأثرية بالمغرب، والحاضنة لكنوز هائلة من الثراث اللامادي للمجموعات البشرية التي استوطنت المغرب منذ عصر ما قبل التاريخ.
 
سلسلة جبال "الواركزيز" وجبال باني، لا تعتبر فقط مجرد جدارين متوازيين اخترقتهما المياه القديمة القوية المتدفقة من مرتفعات الأطلس (في عهد الرطوبة القصوى)، وأحدثث ثقوبا ومواقع حضرية: (فم زكيد، فم أقا، مضيق أسا، فم لمسيد، ... إلخ)، مما ساعد الإنسان على الاستقرار بهذا الشريط.
 
سلسلة جبال "الواركزيز"، لا ينظر إليها فقط كممر طوبوغرافي انتعشت فيه القوافل التجارية بين المغرب وعمقه الإفريقي طوال قرون.
 
لا، جبال "الواركزيز" هي أيضا هبة إلهية، ساعدت المغرب في صد عدوان الجزائر والبوليساريو في حرب الصحراء.
فلو سألنا أي جندي أو ضابط صف أو ضابط بالقوات المسلحة الملكية عن علاقته بسلسلة "الواركزيز"، لما تردد في القول: "لو كان "الواركزيز" جنديا لتم تعيينه جنيرالا بالجيش المغربي".
 
فبفضل هاته السلسلة الجبلية أمكن للمغرب أن ينسف عدة غارات وهجومات غادرة للجيش الجزائري والبوليساريو طوال مرحلة حرب الصحراء بين 1975 و1991، تاريخ إقرار وقف إطلاق النار من طرف مجلس الأمن الدولي.
 
فعبر ممر سلسلة "الواركزيز"، كانت وحدات جيش الجزائر والبوليساريو تتسلل لضرب الزاك وأسا والبيرات وأقا، بل والمرور نحو أبطيح ولمسيد.
 
سلسلة "الواركزيز" شهدت معارك كثيرة بين المغرب والجزائر والبوليساريو. المقام لا يسمح باستعراض كل هذه المعارك، لكن سأتوقف عند ثلاث منها وقعت بهذا الشريط الجبلي:
 
نونبر 1979: هجوم الجزائر والبوليساريو على مدينة الزاك من محوري الجنوب والجنوب الشرقي، مما أدى إلى معركة استشهد فيها جنديان وجرح 11 آخرون فيما قتل 40 فردا من البوليساريو.
 
3 دجنبر 1979: وقوع معركة بجنوب الزاك أدت إلى استشهاد ثلاثة جنود مغاربة وإصابة 24 آخرين بجروح، فيما قتل 20 من أفراد البوليساريو.
 
7-8 ماي 1980: معركة "الواركزيز" الحامية، التي شاركت فيها "مجموعتا أحد والزلاقة" التابعتان للقوات المسلحة الملكية، أسفرت عن قتل وجرح 450 من البوليساريو وتحطيم معظم عتادهم وغنيمة سلاحهم، فيما استشهد 36 شهيدا مغربيا وأصيب 40 جريحا.
 
هذه القيمة العسكرية والاستراتيجية لسلسلة "الواركزيز" جعلت المغرب يقرر البدء ببناء أول جدار أمني شرق هذه الجبال لتأمين المحبس والزاك وأسا وأقا وطاطا، بل وتأمين باقي مدن وبلدات حوض درعة السفلي الممتدة نحو ساحل طانطان.

وهناك عامل آخر تحكم في البدء ببناء الجدار الأمني الأول بشرق جبال "الواركزيز"، ألا وهو معركة أمغالا في يناير 1976، التي وقعت بضواحي السمارة بين القوات المسلحة الملكية والجيش الجزائري، إذ قام الجيش الجزائري  آنذاك بإرسال وحداث عسكرية  إلى "الواركزيز" لمنع الجيش المغربي من إرسال الدعم والمساندة للوحدات المقاتلة بأمغالا. 
 
وبفضل الأمر الذي أعطاه المرحوم الحسن الثاني للقوات المسلحة الملكية، لم يتم تأمين الجنوب الشرقي للمغرب بجبال "الواركزيز " بحزام أمني واحد بل بثلاثة أحزمة، من أصل ستة أحزمة تؤمن كامل الأقاليم الجنوبية (هناك حزام أمني قصير وهو السابع بني بعد تطهير معبر الكركارات من البوليساريو في نونبر 2020).
 
الأحزمة الأمنية التي تحيط بجبال "الواركزيز" تحمل  في ترتيب بناء الجدارالأمني بالصحراء،الأرقام التالية: "الأول والرابع والخامس"، وهي كالتالي:
 
الجدار الأمني الأول: بدأ تنفيذ هذا الجدار  فعليا في شهر غشت 1980. وقد استهدف التخطيط لهذا الجدار، البالغ طوله الإجمالي 600 كلم، استغلال التموجات الأرضية إلى أقصى حد ممكن. حيث استند على حواجز طبيعية، فكان الإنشاء والبناء انطلاقا من مدينة الزاك ليسير باتجاه الغرب.
واستؤنفت الأعمال على جبال "الواركزيز" ليكمل ذلك الحاجز الطبيعي حاجزا اصطناعيا، يتكون من ساتر ترابي ابتداء من "المسيد" بإقليم طانطان، إلى "رأس الخنفرة" في اتجاه الجنوب حتى يلتقى الساتر بالحزام الأمني للسمارة، ثم يلتف حول المدينة من جنوبها ليتقدم باتجاه "بوكراع" حيث كانت الأعمال جادة لبناء جدار آخر.
 

 
وقد كان الغرض من إقامة الجدار الأمني الأول واضحا بهدف تأمين الخطوط الخلفية للقوات المسلحة الملكية وتأمين تحركاتها وتمرينها وحرمان العدو من إمكانية الوصول إليها.
وانتهى المغرب من بناء الجدار الأمني الأول بتاريخ 14 ماي 1981، بمناسبة ذكرى إنشاء القوات المسلحة الملكية.
 
الجدار الأمني الثاني: خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، تم بناء هذا الجدار( وهو الجدار الرابع في الترتيب في سلسلة الأحزمة الأمنية بالصحراء)، ويمتد من مدينة "الزاك" على مشارف "الحمادة" ومنطقة "لفريرينات" بالقرب من السمارة. وهكذا أدمج في المنطقة المؤمنة كل من مركز "الجديرية" ومركز "الحوزة" التي كان البوليساريو يدعي ويتبجح أنها عاصمة دولته الموهومة.
وهكذا أفرغت الساقية الحمراء من عناصر البوليساريو بعد اشتباكات انتحارية فاشلة، وانتهت أعمال البناء من هذا الجدار مساء يوم 10 ماي 1984.
 
الجدار الأمني الثالث: يمتد الحزام الأمني الثالث بالواركزيز( وهو الجدار الخامس في ترتيب بناء الأحزمة الأمنية بالصحراء)، على مسافة قدرت بـ 400 كلم. وانطلق هذا الحزام من نقطة "البعج" على جبال "الواركزيز" شرق مدينة الزاك، ليتقدم بمحاذاة الحدود الجزائرية الموريتانية، ثم ينحرف غربا في اتجاه "البريكة"، حيث التقى مع الجدار الأمني الثالث جاعلا من "الحمادة" والساقية الحمراء بمنابعها ومرتفعاتها منطقة آمنة مطمئنة.
وبهذا امتنع على البوليساريو الوصول إلى مناطق معينة مثل "التكاة" على مجرى الساقية الحمراء التي طالما اعتبرتها البوليساريو ملاجئ حصينة تستطيع الاختباء بها في فترات الانسحاب والاختفاء.
وقد مكن هذا الجدار من حرمان عناصر البوليساريو من وصول الساقية الحمراء، بل حرمهم من إمكانية التسرب عبر الحدود الجزائرية في اتجاه الأراضي المسترجعة إلا إذا تم خرق حرمة الأراضي الموريتانية انطلاقا من الجزائر.
وللإشارة، فبناء هذا الجزء من الحزام الخامس استغرق المدة الزمنية الفاصلة بين 4 دجنبر 1984 و15 يناير 1985.
 
سبعة أحزمة أمنية أبدعها المغرب من سلسلة جبال "الواركزيز" إلى الكركارات، من أجل تأمين وحدة أراضيه من غدر الجزائر البوليساريو. إذ بالمنطق العسكري تعتبر جبال "الواركزيز"، ذلك الجندي المجهول الذي يستحق من المغاربة جميعا إيلاءه كامل الاحترام، لأنه السد المنيع ضد العدو، والحاضن لاستقرار المغرب ومناعته العسكرية، وأيضا لدماء شهدائه ودليل أمجاده.