Monday 5 May 2025
كتاب الرأي

عبد الواحد الفقيهي: الميكروب والحمار..عن الحيوان كشتيمة في الخطاب السياسي 

عبد الواحد الفقيهي: الميكروب والحمار..عن الحيوان كشتيمة في الخطاب السياسي  عبد الواحد الفقيهي
«حين تفرغ اللغة من احترام الإنسان، لا تعود أداة تواصل، بل تصبح آلة للسيطرة الرمزية » فوكو
 
«تبدأ كل سلطة مستبدة بتغيير اللغة… لأن تحقير الإنسان لا يمر بالسوط، بل بالكلمة » ج. أورويل
 
حين تكثر الخطابات السياسية الفارغة من المضمون الفكري، تغدو الكلمات مداسات للتشفي والإنفعال، لا للتعقل والتنظير. وحين يخرج سياسي في وطن من أوطاننا ليصف مواطنا أو بعض المواطنين بأنهم "ميكروبات" أو "حميرا"، فإننا لا نكون أمام زلة لسان، بل أمام خيانة رمزية للغة وللسلطة، وللعقد الاجتماعي.
 
هذا النوع من الخطاب لا ينتمي إلى تقاليد السياسة الأخلاقية، بل إلى قواميس الانحطاط الرمزي، حيث لا يعامل الإنسان بوصفه كائنا عاقلا، بل ككائن مزعج، يجب تعليبه أو سحقه. وتكون الإهانة هنا مزدوجة: تسحب من الإنسان كرامته، وتسخف الحيوان بأن تجعله رمزا للقذارة، أو البلادة.
 
قبل عقود، قال "فوكو" إن الجسد يدار سياسيا، وإن الإنسان يتم إقصاؤه لا بالحديد والنار فقط، بل بالكلمات التي تسحب منه أهليته الوجودية. أما "لاكان"، فرأى أن الهوية تتشكل في المرآة اللغوية، فإذا وصف الإنسان بـ "الميكروب" أو "الحمار"، تم زرع صورة دونية في وعيه الذاتي.
وننتقل من الخطأ السياسي إلى العنف الرمزي. 
 
فحين يتم توظيف اللغة وتسخيرها للاحتقار، تصير أداة إقصاء ناعم، وتمهد لاحقا لإضفاء الشرعية على التهميش، وعلى تحويل المواطنين من ذوات فاعلة إلى كائنات مشبوهة: لا تستحق الحوار، بل المراقبة والعقاب.
 
إن وصف الإنسان بالحيوان لم يكن أبدا حياديا. في سياقات تاريخية سياسية عديدة تم وصف الخصوم السياسيين او الفرقاء المخالفين بالقردة  وبالجرذان وبالصراصير ووو . كل أزمة إنسانية تبدأ بـ "نزع الرمزية البشرية" عن الآخر.
هل يدرك السياسي حين يستخدم كلمات مثل "الميكروبات" أو "الحمير"، أنه يفخخ المجال العام بمعجم من الإهانة التأسيسية؟ وهل يعي أن سلطته تصبح امتدادا لشتم وهتك لا لقيادة أو لتدبير؟
ليس المهم ما إذا اعتذر السياسي أم لا. المهم أن نفهم أن ما يبدأ بكلمة قد ينتهي بجرم وجرح ووصم.... وأنه يتم اغتيال الكرامة أولا في اللغة… ثم في الواقع بعدها.
 
ولذلك، فإن مسؤولية المثقف، والمواطن والإعلامي ليست فقط في التنديد، بل في تفكيك منطق الإهانة، وفي إعادة ترميم المعنى، وإعادة الإنسان إلى لغته.
 
فالإنسان لا يهان فقط حين يتم صفعه، بل حين يتم تشبيهه، حين يتم محوه من اللغة، وحين يتم اختزاله إلى صورة لا تليق لا بالطين، ولا بالروح