الثلاثاء 1 إبريل 2025
مجتمع

أرقام الهدر المدرسي تقض المضاجع هكذا يغادر قرابة 300 ألف تلميذ حجرات الدرس سنويا

أرقام الهدر المدرسي تقض المضاجع  هكذا يغادر قرابة 300 ألف تلميذ حجرات الدرس سنويا يواجه المغرب تحديا حقيقيا في مجال التعليم بسبب الهدر المدرسي

اعترف سعد برادة وزير التربية الوطنية والرياضة، وهو يرد على سؤال كتابي للفريق الحركي، أن أرقام الهدر المدرسي لا تزال مرتفعة حيث تقارب سنويا 300 ألف، على الرغم من أن الرقم عرف تراجعا بنسبة 12 في المائة مقارنة مع المواسم الدراسية الماضية حيث نجحت الوزارة المشرفة على القطاع من استعادة أكثر من 50 ألف تلميذ كانوا قد غادروا حجرات الدرس.

وظلت أرقام الهدر المدرسي تدق ناقوس الخطر في عدد من التقارير التي يتم نشرها من أكثر من جهة من أبرزها ما كانت قد كشفت عنه الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

لقد قال تقرير للمرصد الوطني للتنمية البشرية بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،إن الدينامية الإيجابية التي شهدتها التنمية البشرية بالمغرب منذ بداية تسعينات القرن الماضي، عرفت تباطؤا نتيجة الهدر المدرسي الذي يأخذ حيزا كبيرا لدرجة أن الباحثين يتحدثون عن أكثر من 400 ألف تلميذ يغادرون حجرات الدرس كل سنة.

أرقام الهدر المدرسي المخيفة

في تقرير كان قد كشف عنه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، نقرأ أن الانقطاع عن الدراسة يحدث غالبا بالسلك الأساسي بنسبة 78.3 في المائة من مجموع التلاميذ المنقطعين، حيث يغادر الدراسة 338000 تلميذ في السلكين الابتدائي والإعدادي بالرغم من كون هذين السلكين يعتبران إجباريين.


هذا وقد وصلت الانقطاعات في السلك الإعدادي خلال 2018 مثلا إلى 212000 تلميذ منقطع،. وحسب تقرير “الأطلس المجالي الترابي للانقطاع الدراسي” الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وقتها، فأن نسبة 78 في المائة من المنقطعين عن الدراسة من المفروض أن تحتفظ بهم المنظومة التربوية إلى حدود سن الـ15 عاما، على الأقل، من أجل تأمين هدف السن الإجباري للتمدرس.


وحينما نتأمل طبيعة الهدر المدرسي على مستوى النوع، نكتشف أن الإناث هن الأكثر انقطاعا عن الدراسة، حيث تقول الأرقام إنه غادرت 11.6 في المائة منهن سلك الثانوي الإعدادي و8.8 في المائة غادرن سلك الثانوي التأهيلي، مقابل 16.6 في المائة و11.9 في المائة عند الذكور.

وفي التعليم الابتدائي قال التقرير إن الإناث ينقطعن أكثر من الذكور، حيث يشكل مستوى السادس ابتدائي حاجزا أمام الإناث ويحول دون انتقالهم إلى سلك الإعدادي، وذلك بنسبة 6.5 في صفوف الإناث مقابل 4 في المائة من الذكور. غير أنه في السلك الإعدادي يسجل العكس، إذ ترتفع نسبة الذكور المنقطعين عن الدراسة في نهاية السلك عن نسبة الإناث.


أما عن الهدر المدرسي ما بين الوسطين الحضري والقروي على مستوى التعليم الإجباري، فيقول التقرير إن الانقطاع الدراسي في سلكي الابتدائي والثانوي التأهيلي، يمس الوسط القروي أكثر من الوسط الحضري، إذ تبلغ نسبة الانقطاع الدراسي بالوسط القروي في التعليم الابتدائي 8,4 في المائة، فيما تبلغ 2,2 بالمائة في الوسط الحضري.


بالإضافة إلى أن الفتيات القرويات يجدن صعوبة في الانتقال من السلك الابتدائي إلى الإعدادي، فالفرق المسجل في الانقطاع الدراسي بين الإناث والذكور أكثر خطورة في الوسط القروي حيث يمس 5,6 في المائة من الإناث في التعليم الابتدائي، مقابل 4 في المائة من الذكور. وعلى العكس من ذلك، فإن الذكور هم الذين يعانون أكثر من الانقطاع الدراسي في الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي، وفي الوسط القروي لوحظ الفرق الأكثر أهمية بين الجنسين في السنة السادسة ابتدائي في الوسط القروي، حيث بلغت نسبة الانقطاع عن الدراسة  23,4  في المائة لدى الإناث، مقابل  13,6  في المائة لدى الذكور. وهذا ما يؤكد، مرة أخرى، الصعوبة التي تجدها الإناث القرويات في الانتقال من الابتدائي إلى الإعدادي، مقارنة مع الذكور.

 

هذا وينقطع الذكور القرويون أساسا في التعليم الإعدادي حيث يغادر الدراسة  19  في المائة منهم مقابل13,8 في المائة من الإناث، وخاصة في السنة الثالثة إعدادي، التي يغادر فيها الدراسة  24,6  في المائة من الذكور كل سنة، مقابل  20,1  في المائة من الإناث.


أما في الوسط الحضري فإن الذكور يتعرضون للانقطاع الدراسي أكثر مما تتعرض له الإناث، ويتأكد هذا المعطى في كل الأسلاك ونهايات الأسلاك التعليمية في الوسط الحضري.


هذا ويعتبر الانقطاع الدراسي في السنة السادسة من التعليم الابتدائي في الوسط القروي، الأكثر تفاقما، مسجلا خلال السنة ما قبل الماضية 18.1 بالمائة، مقابل 9.5 بالمائة في الوسط الحضري، كما سجل نفس الارتفاع بالسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي.

خارطة الهدر المدرسي

لا تعتبر هذه الأرقام التي كشف عنها تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي عامة. فثمة تفاوتات بينة بين كل جهة على حدى. لذلك فصل التقرير في أرقام الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ليخلص إلى  أن أكبر نزيف للهدر المدرسي للتلاميذ المغادرين ظل يوجد بأكاديمية مراكش- أسفي التي تأتي في صدارة الترتيب بـ 7.86 في المائة، ثم جهة طنجة- تطوان بنسبة 7.78 في المـئة، فجهة بني ملال- خنيفرة بنسبة 7.53 في المائة، ثم جهة الرباط-سلا-القنيطرة بنسبة 7.46 في المائة، وجهة الشرق بنسبة 7.42، واحتلت جهة فاس- بولمان بنسبة 7.20 في المائة المركز السادس، فيما جاءت جهة الدار البيضاء – سطات بنسبة 6.87 في المائة في الرتبة السابعة، وفي المركز الثامن جهة سوس- ماسة بنسبة 6.39 في المائة، تليها جهة كلميم- واد نون بنسبة 6.38 في المائة، ثم جهة درعة- تافيلالت بنسبة 6.38 في المائة، وفي المركز الحادي عشر جهة الداخلة -وادي الذهب بنسبة 6.13 في المائة، وفي المركز الأخير جهة العيون- الساقية الحمراء بنسبة 5.09 في المائة. والحصيلة هي أن كل الجهات تعرف هدرا مدرسيا وإن كان متفاوتا من جهة لآخرى. لنخلص إلى انقطاع ما مجموعه 508 آلاف و300 تلميذ في سنة 2015، وهو ما يعادل 8.8 في المائة من تلاميذ قطاع التربية الوطنية، لكن هذا العدد سوف يتراجع إلى 407 آلاف و674، أي ما يعادل 7.1 في المائة من أعداد التلاميذ الممدرسين، قبل أن يرتفع مجددا.

إجراءات للحد من الهدر

تشعر وزارة التربية الوطنية بحجم الضرر الذي يتسببه الهدر المدرسي الذي نفقد معه اليوم آلاف الأطفال واليافعين الذين يغادرون حجرات الدرس نحو المجهول. لذلك فموازاة كشفها عن أرقام الهدر ولو بتحفظ، حملت معها بعض المبادرات حلولا لا تزال غير كافية. ومن ذلك إنشاء المدارس الجماعاتية التي أصبحت بمثابة مركبات كبرى بحجرات درس وقاعات للإطعام والنوم. والتي يقول العارفون إنها لا تزال في حاجة لتصحيح بعض اختلالاتها. ومن ذلك وجود مدارس جماعاتية شاسعة لا تضم بين جدرانها غير عدد قليل من التلاميذ. لذلك تكاد تفقد مهمتها التي أحدثت من أجرها.

كما لعب النقل المدرسي، والذي بدأ يعرف الانتشار بدخول بعض جمعيات المجتمع المدني وتدخل الجماعات الترابية التي وفرت له في بعض المناطق الدعم اللازم، في الحد من ظاهرة الهدر المدرسي حيث وفر لتلاميذ المناطق القروية فرصة الوصول إلى حجرات الدرس. هذا على الرغم من وجود بعض الاختلالات والنواقص التي يجب النظر فيها لكي يقوم النقل المدرسي بدوره كاملا.

زد على ذلك تعميم تجربة الإطعام المدرسي الذي يوفر للمتمدرسين وجبات للأكل. على الرغم من أن هذا الملف يعرف هو الآخر اختلالات كبيرة وجب البحث فيها لكي يؤدي دوره على الوجه الأكمل.

وساهمت تجربة تيسير التي انخرطت فيها الحكومات المتعاقبة في عودة أعداد كبيرة من التلاميذ إلى حجرات الدرس بعد أن كانوا ضحية هدر مدرسي. وهي تجربة تشتغل على وضعية الأسر الفقيرة والهشة. كما تفرض على هذه الأسر المستفيدة من الدعم الاجتماعي " تيسير" أن تحافظ على أبنائها داخل المدرسة. لذلك أقبلت الأسر عليها، على الرغم من أن الكثيرين ينادون اليوم بالرفع من قيمتها. هذا في الوقت الذي تقول فيه وزارة التربية الوطنية إن ما مجموعه 68 في المائة من ميزانية الاستغلال في جل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، يصرف على تجربة "تيسير".

والخلاصة، وكما كشفت عنها الهيئة الوطنية للتقييم سنة 2018، في بحث شمل حوالي 3000 أسرة، هي أن الانقطاع الدراسي هو المشكلة الثانية الأكثر خطورة التي يواجهها النظام التربوي بالمغرب.ولذلك اقترح البحث أنه للحد من الانقطاع الدراسي، خصوصا في المرحلة الإجبارية، يستلزم اللجوء إلى آليات وأجهزة مبتكرة من طرف الدولة.ومن ذلك الرفع من جودة التعليم، وتسهيل ولوج المتمدرسين إلى حجرات الدرس بتوفير نقل مدرسي كاف وبمواصفات محترمة، وإطعام يوفر الحد الأدنى من الجودة.