Wednesday 30 July 2025
كتاب الرأي

عبد العزيز الخبشي: بين أزمة الماء وأزمة المشروع السياسي.. قراءة نقدية في بلاغ المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي

عبد العزيز الخبشي: بين أزمة الماء وأزمة المشروع السياسي.. قراءة نقدية في بلاغ المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي عبد العزيز الخبشي
انعقاد المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم 26 يوليوز 2025، في دورة عادية، يعكس لحظة مفصلية ليس فقط في مسار الحزب، بل في تطور الحقل الحزبي المغربي المأزوم برمته، في سياق يتسم بتمدد السلطوية، وتغول الليبرالية المتوحشة، وانهيار المشروع الديمقراطي الموعود منذ عقود. وإذا كان البلاغ الصادر عن هذا المجلس قد جاء محملا بلغة الانضباط والتفاؤل النضالي، فإنه لا يخلو من ثغرات بنيوية تُلقي بظلالها على مدى انسجام الخطاب الاتحادي مع الواقع المعاش، ومدى قدرته على إعادة الاعتبار لاختيار الحزب التاريخي، أي "الاختيار الثوري"، كما أقره المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، وعلقه لاحقاً على جدران الغرف المغلقة دون تنزيل فعلي في السياسات والممارسات.
 
البيان يفتتح بدق ناقوس الخطر بشأن الأزمة المائية التي تواجهها البلاد، وهو أمر يستحق فعلاً التنويه، لأن أزمة الماء لم تعد قضية تقنية أو ظرفية، بل تحولت إلى قضية وجودية ترتبط بمصير الفئات الشعبية والعدالة الاجتماعية. غير أن الاكتفاء بإلقاء اللوم على الحكومة دون مساءلة النموذج التنموي الذي أنتج هذه الأزمة هو في حد ذاته إعادة إنتاج للخطاب التقليدي. فالحكومة، وإن كانت مسؤولة سياسياً، ليست سوى تعبير عن تحالف طبقي–بيروقراطي أوسع، يحكم البلاد وفق منطق الخوصصة والعطايا الريعية، ويخنق أي محاولة لبناء دولة العدالة البيئية والاجتماعية. وحزب الاتحاد الاشتراكي، وهو حزب تاريخي لعب أدواراً محورية في النضال الديمقراطي، يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية، حين ساهم خلال عقود التناوب٧ والحكومات المتعاقبة في تبني سياسات مائية خاضعة لإملاءات البنك الدولي، وتغليب منطق العرض على حساب حكامة الاستهلاك وحماية الموارد.
 
كما أن البيان، وهو يشيد باللجان التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني عشر، يُقدّم مضامين التقارير كأنها نابعة من "عقل اتحادي جماعي"، دون أن يكشف للرأي العام أو القواعد عن طبيعة هذه المضامين وموقعها من التحولات العالمية والإقليمية والمحلية. هل تتضمن نقداً ذاتياً حقيقياً لتجربة الحزب داخل المؤسسات؟ هل تراجع بعمق المشروع المجتمعي الذي تاه وسط براغماتية سياسوية؟ هل تعيد صياغة أسس "الديمقراطية الاشتراكية" كاختيار راديكالي وليس كمجرد شعارات انتخابية؟ الأسئلة تظل معلقة في غياب وضوح فكري وجرأة سياسية في الإفصاح عن المضامين بدل الاكتفاء بالتنويه بها.
 
ويبدو أن البيان يراهن بقوة على الدينامية التنظيمية وعلى صورة الكاتب الأول كقائد ميداني متفاعل. ولكن أليس من واجب النقد التساؤل عن طبيعة هذه الدينامية؟ هل هي دينامية عمودية تُدار من المركز نحو القواعد في شكل تعبئة انتخابية، أم دينامية أفقية تنبع من النقاش القاعدي الحرّ والمستقل؟ وهل الكاتب الأول، الذي يحظى بهذا التمجيد، لم يكن أيضاً أحد من هندس تحولات الحزب نحو الواقعية السياسية على حساب الاختيار الثوري؟ ألا يُطرح سؤال الزعامة وإعادة إنتاج المركزية الشخصية في ظل غياب ديمقراطية داخلية حقيقية؟
 
أما التنويه بأداء الحزب في المؤسسات، وخصوصاً من خلال فريقيه البرلمانيين، فهو تكرار مملّ لنغمة معارضة "بناءة" في وجه أغلبية "متغولة"، وكأن المعضلة تكمن فقط في سلوك الحكومة وليس في بنية النظام السياسي نفسه الذي يعيد إنتاج اللامساواة السياسية، ويحوّل البرلمان إلى غرفة تسجيل، ويقصي الفاعلين الجديين من أي موقع للتأثير. إن التنويه بنواب الحزب لن يخفي حقيقة أن المعارضة داخل المؤسسات لم تعد قادرة على التعبئة الشعبية أو التأطير الفعلي، بل أصبحت في أحسن الأحوال ناطقاً باسم التوازن داخل الحقل، لا باسم الشعب أو الحركة الاجتماعية.
 
النقطة الأكثر حساسية في البيان هي غياب أي إشارة لموقع الحزب من التحالفات السياسية المستقبلية، خاصة في ظل الاستعداد للمؤتمر المقبل. هل سيتجه الحزب إلى ترميم التحالفات التقليدية مع اليمين النيوليبرالي بدعوى الواقعية السياسية؟ أم سيعيد بناء جبهة اجتماعية–سياسية تقدمية على أساس الدفاع عن الحريات والعدالة الاجتماعية والبيئية؟ إن البيان تجنب هذا النقاش الحارق، مما يُفهم كنوع من الهروب إلى الأمام، أو مراوغة من أجل ترك المجال مفتوحاً لكل الاحتمالات، حتى تلك التي تتناقض جذرياً مع هوية الحزب التاريخية.
 
من جهة أخرى، يلاحظ أن البيان لم يتطرق بأي شكل إلى موقع الحزب من القضايا الكونية الراهنة: أزمة المناخ، العدالة الجندرية، الرقمنة، أزمة النيوليبرالية على الصعيد العالمي، أو حتى مستقبل النموذج التنموي الوطني. وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى قدرة الحزب على إعادة بناء مشروع مجتمعي ينسجم مع التحولات الكبرى، لا أن يُختزل في الدفاع عن7 موقع داخل المؤسسات أو التماهي مع الدولة الوطنية في شكلها التقليدي.
 
إن ما نحتاجه اليوم هو بيان حزبي يقلب الطاولة على الوضع القائم، ويعيد تحديد المعركة الاجتماعية والسياسية والرمزية التي يمكن أن تقودها الأحزاب التقدمية، لا بيان مليء بالتحايا والمجاملات التنظيمية. المطلوب هو الانتقال من حزب يسعى إلى تموقع مؤسساتي إلى حزب يُناضل من أجل مجتمع عادل، ومن حركة حزبية تدور حول الشخص إلى حركة سياسية تُعيد الأمل للجماهير، وتُعيد الفعل الحزبي إلى سكته الثورية الأصلية.
 
في المحصلة، يمكن القول إن بيان المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي، رغم ما يحمله من عناصر إيجابية على مستوى تثمين العمل الداخلي، يظل أسير منطق تبريري وتعبوي أكثر من كونه وثيقة نقد ذاتي أو تعاقد سياسي جديد. ولن يكون المؤتمر القادم لحظة ميلاد جديدة، كما يروج البعض، ما لم يعلن الحزب القطيعة مع كل ما أضعف مشروعهg الثوري، ويعود إلى جذر الصراع الطبقي، وجذر التناقضات المجتمعية، بمنهج تحليلي مادي جدلي، يواجه الواقع لا يهادنه. لأن لحظة الحقيقة لا تُدار بالمجاملات، بل بمواقف شجاعة ومشاريع واضحة.