عرفت الساحة الوطنية هذه السنة مجموعة من المستجدات البارزة، المرتبطة بشكل أساسي بالتدبير المعقلن والواقعي لمجموعة من الأحداث السياسية التي تزاوج بين تدبير الشأن العام الداخلي ومواصلة مسار التنمية، ثم الدفاع عن مصلحة المملكة خارجيًا والتصدي لمناورات الخصوم.
ومن هذا المنطلق، تلعب المؤسسة الملكية دور الفاعل الجوهري والأساسي في صياغة وتدبير هذه الملفات ذات البعد الاستراتيجي، بالرغم من التحديات الإقليمية المتعددة، ومن أبرزها وجود بيئة اقتصادية عالمية تتسم بعدم اليقين، إضافة إلى التوترات السياسية في منطقة الشرق الأوسط. ورغم ذلك، يسعى المغرب إلى استكمال العديد من الأوراش الداخلية الهامة من جهة، ومواصلة بناء سياسة خارجية تقوم على الواقعية والبراغماتية في التدبير من خلال اعتبار ملف الصحراء المغربية بوصلة توجه علاقاته الخارجية.
لذلك، سينقسم هذا المقال إلى محورين: يتناول المحور الأول الإدارة الملكية لمجموعة من المشاريع ذات الصبغة الداخلية، بينما يعالج المحور الثاني مستجدات السياسة الخارجية للمغرب بين يوليوز 2024 و2025.
المحور الأول: المؤسسة الملكية ودورها في الإشراف على مسلسل التنمية الداخلية
إن قوة المؤسسة الملكية في الإدارة لا تستمدها فقط من نص الدستور وروحه، بل من شرعية تاريخية وروحية عريقة متجذرة، حيث شكلت عبر القرون أساس استمرار الدولة، سواء خلال مرحلة الحماية أو في مرحلة بناء المغرب الحداثي. وفي ظل هذه الشرعية التي بوأت الملك مقام أمير المؤمنين، وحرصًا على حماية فئات الشعب خصوصًا أصحاب الدخل المحدود، ارتأى الملك عدم إقامة شعيرة ذبح الأضحية هذه السنة لإعادة تشكيل القطيع الوطني الذي تقلص بسبب ظاهرة الجفاف وندرة التساقطات المطرية.
وبناءً على هذا التوجه، ووفق التعليمات الملكية الصادرة خلال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 12 ماي 2025، أطلقت الحكومة برنامج دعم مربي الماشية وتحسين أوضاعهم وإعادة تشكيل القطيع الوطني، ويعتمد البرنامج على خمس دعائم أساسية:
-
إعادة جدولة ديون مربي الماشية بكلفة تصل إلى 700 مليون درهم.
-
دعم الأعلاف المخصصة للماشية بغلاف مالي يقارب 2.5 مليار درهم.
-
إطلاق عملية ترقيم إناث الماشية ومنع ذبحها حفاظًا على القطيع، مع تقديم دعم مباشر للمربين بقيمة 400 درهم عن كل رأس أنثى تم ترقيمها ولم تُذبَح، لتعويضهم عن تكلفة الاستمرار في الحفاظ عليها.
-
إطلاق حملة علاجية وقائية لحماية 17 مليون رأس من الأغنام والماعز من الأمراض الناتجة عن تداعيات الجفاف، بكلفة تصل إلى 150 مليون درهم.
-
تنظيم تأطير تقني لمربي الماشية لتحسين السلالات عبر إنشاء منصات للتلقيح الاصطناعي والمواكبة التقنية، بكلفة تصل إلى 50 مليون درهم.
من جهة أخرى، وضمن تنفيذ دفتر التحملات المتعلق باستضافة المغرب لنهائيات كأس العالم – فيفا 2030، أشرف العاهل على إطلاق الخط السككي فائق السرعة (LGV) بين القنيطرة ومراكش بطول 430 كلم وبغلاف مالي يبلغ 53 مليار درهم. يهدف هذا المشروع إلى تطوير العرض السككي الوطني وجعله العمود الفقري للمنظومة الوطنية للنقل واللوجيستيك، ويربط مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش، مع ربط مطاري الرباط والدار البيضاء، إضافة إلى إنشاء ثلاث شبكات للنقل الحضري في الدار البيضاء والرباط ومراكش.
ينقسم المشروع إلى مكونين رئيسيين: الأول صناعي ويهم إنشاء وتشغيل وحدة محلية لتصنيع القطارات وإرساء منظومة الموردين، والثاني يتعلق بإحداث شركة مختلطة بين الشركة المصنعة والمكتب الوطني للسكك الحديدية لتأمين الصيانة الدائمة، مع التحكم في التكاليف.
في إطار الرؤية الاستشرافية للمؤسسة الملكية للتصدي للكوارث، تم بتاريخ 7 ماي 2025 إعطاء انطلاقة أشغال إنشاء منصة المخزون والاحتياطات الأولية بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، بشراكة بين القوات المسلحة الملكية ووزارة الداخلية، لتوفير الاحتياجات الطبية والغذائية والطاقية لمواجهة الكوارث الطبيعية أو الصناعية. تبلغ مساحة المنصة 20 هكتارًا، وستنجز خلال 12 شهرًا بميزانية 287.5 مليون درهم. تشمل المنصة مستودعات ومهبط طائرات مروحية ومواقف للسيارات، وأعطى الملك تعليماته بتشييد منصات مماثلة في جميع جهات المملكة.
تهدف هذه المنصات إلى تخزين المواد الأولية لمواجهة الأزمات والكوارث، وضمان استجابة سريعة للاحتياجات الإنسانية، مع توفير مخزونات تكفي لما يعادل ثلاثة أضعاف الحاجيات التي تم تلبيتها بعد زلزال الحوز، وتطوير منظومة وطنية لإنتاج التجهيزات اللازمة لعمليات الإغاثة الطارئة.
المحور الثاني: مستجدات السياسة الخارجية للمغرب بين يوليوز 2024 و2025
في مجال السياسة الخارجية، الذي تمارسه المؤسسة الملكية حصريًا، شهدت الدبلوماسية المغربية عدة مستجدات مرتبطة بالقضية الوطنية التي تتصدر أجندة السياسة الخارجية. من أبرزها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب في أكتوبر الماضي، والتي تم خلالها توقيع إعلان مشترك للشراكة الاستثنائية بين البلدين، يشكل خارطة طريق مستقبلية للعلاقات في مختلف المجالات.
تميزت الزيارة باعتراف صريح من الرئيس الفرنسي داخل البرلمان بأن مستقبل الصحراء لا يمكن إلا أن يكون في إطار السيادة المغربية، وهو اعتراف مهد الطريق لكبح أطروحة الانفصال ليس فقط عبر الخطاب السياسي، بل من خلال الأطر القانونية التي تراها المملكة السبيل الوحيد لحل النزاع المفتعل.
كما تضمن إحاطة المبعوث الأممي ستيفان ديميستورا إلى مجلس الأمن مفاهيم جديدة تؤكد وحدة الصحراء المغربية، ومناقشة مقترح الحكم الذاتي، والزخم الدبلوماسي، والسيادة المغربية، وخريطة طريق نحو حل نهائي للنزاع.
بدأت دول المعسكر الأنجلوسكسوني وبعض الدول الموالية لمحور الجزائر-جنوب إفريقيا تدرك مصداقية الطرح المغربي، ومن أبرز الأمثلة سحب غانا اعترافها بالبوليساريو واعتبار الحكم الذاتي المغربي الحل الوحيد تحت رعاية الأمم المتحدة. وكذلك كينيا التي اعتبر وزير خارجيتها الصحراء جزءًا من السيادة المغربية، وأن الحل السياسي لا يمكن أن يكون إلا وفق الحكم الذاتي المغربي.
على صعيد آخر، تولي المملكة اهتمامًا بالغًا للدفاع عن القضية الفلسطينية، التي تمثل أولوية ثابتة في سياستها الخارجية. ففي رسالة موجهة إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الشعب الفلسطيني بتاريخ 26 نونبر 2024، أكد الملك محمد السادس التزام المغرب بدعم حقوق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة وفق حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وجددت المؤسسة الملكية رفضها لأي محاولات أحادية الجانب لتهجير سكان غزة، متسائلة عن المعايير الإنسانية والقانونية التي تُعتمد في التعامل مع المأساة الفلسطينية في ظل الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي والإنساني.
انسجامًا مع "نداء القدس" الموقع بين الملك محمد السادس والبابا فرانسيس في 2019 للحفاظ على الطابع الديني والهوية الفريدة للقدس، أكد الملك في خطابه بجامعة الدول العربية في بغداد 2024 على التنسيق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس للحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي والحضاري للمدينة المقدسة.
طه العربي، باحث في العلوم السياسية
.png)