في شمال المغرب، حيث الثروة السياحية تلتقي بطموحات الطلبة والمغتربين فإن سوق الكراء يشهد انفلاتا لا يوصف: أسعار ترتفع بلا رقابة، ووسطاء ينهبون جيوب المحتاجين، وغياب شبه تام لأي تدخل حكومي يردع المتجاوزين.
هذه السنة، وصل كراء شقق مطلة أو قريبة من البحر في مرتيل (إقليم تطوان) إلى حد لا يصدق: 7000 درهم للأسبوع الواحد وهناك من يطلب هذا الثمن لمدة أقل من أسبوع، وفي حيّ الشموع مثلاً.. في وسط المدينة، تراوحت أسعار الشقق من 4500 إلى 5800 درهم للأسبوع الواحد..وإذا افترضنا السعر الأعلى، فإن ذلك يعادل 1160 درهما لليلة واحدة.. لشقة ضيقة تتكون من غرفتين وحمام ومطبخ وسطح مشترك، لا تكاد تلبي الحد الأدنى من شروط السكن الكريم.
هذه الأسعار لا تعكس تحولا طبيعيا في السوق.. بل مشهدا مأساويا تتفاعل فيه عدة عوامل: تضخم غير منضبط، وسلطات محلية غائبة، ووسطاء يشكلون حلقة تهريبية تدخل السوق السكني إلى نفق مظلم لا نهائي.
ورغم أن القانون المغربي، وتحديدا القانون رقم 67‑12، يفرض فيه تسجيل العقد وكتابة الشروط، إلا أن واقع التنفيذ على أرض الواقع يشي بعكس ذلك: عقود شفوية، طرد تعسفي قبل انتهاء السنة الدراسية، ووسطاء يستنزفون المستأجر بلا أي مرجعية قانونية.
في تطوان ومارتيل، يشكون المستخدمون من صعوبة الحصول على سكن مناسب، حتى المدنيون المعينون حديثا يواجهون تعثرا، فالمالكون يفضلون السياح أو التجمعات المؤقتة المربحة على المستأجرين من الطبقة المتوسطة أو الطلبة.. وفق ما أفادت به تقارير مطلع 2025، فقد ارتفعت أسعار العقار بنسبة تقارب 30% خلال الخمس سنوات الماضية، حيث تصل كلفة المتر المربع في أحياء راقية إلى أكثر من 13,000 درهم .
أما على مستوى الطلبة، فالأزمة تتخذ بعدا إنسانيا أكثر وضوحا: هؤلاء القادمون لاستكمال دراستهم الجامعية يجدون أنفسهم خارج التغطية القانونية، يصارعون لتأمين شقة في سالف الحال أو مشتركة أو غير صالحة للعيش.. وقبل نهاية كل موسم بشهر، يُجبر بعضهم على مغادرة الشقق التي سكنوها السنة كاملة، ليعرضها أصحابها مجددا بأضعاف السعر في الصيف السياحي المقبل.. هذا دون الحديث عن المخاطر التقنية كسخانات مياه مستعملة وأجهزة كهربائية متهالكة التي قد تشكل تهديدا مباشرا على السلامة الجسدية لهؤلاء الشباب، دون أن يلقى أحد مسؤوليته.
كل ذلك يُحيل إلى واقع مفروض بلا مقاومة: سوق يعامل الطلبة والمواطنين كالغياب دون حقوق. القانون، رغم أنه ينص على تحكم واضح في مطلق الزيادات (لا تتجاوز 8% كل ثلاث سنوات للعقود المسجلة) وحق المستأجر في الدفاع عن نفسه قضائيا، يلقى طريقه إلى سلة المهملات حين يلتقي بأصحاب الشقق المغتربين، أو الوسطاء غير المرخصين، في مدن الشمال الكبرى.
القانون بلا تطبيق لا يشرع، والمؤسسات التي من المفروض أن تراقب كوزارة التهيئة الترابية والإسكان لا نسمع عنها سوى أسماء في البيانات الرسمية .
ما يحدث الآن ليس مجرد أزمة سكن، بل كارثة اجتماعية وثقافية: الطلبة الذين ينبغي أن ينظر إليهم كحاملي مستقبل الأمة، أصبحوا ضحايا موسم اقتصاد بلا أخلاق، سوق يعدم الحق في السكن بكرامة، ويبيع الأمان الوظيفي بشروط استغلالية خالصة. وكل ذلك أمام صمت رسمي، لا محاسبة فيه لمالك سبق شارك مجهولا في استثمار عقاري يقتل الحياة اليومية.
في ظل هذا الواقع المر، ما الذي يمنع تطبيق العقوبات وتمكين مكاتب عقارية رسمية تسجل العقود وتفرض التزامات مالية وقانونية على الوسطاء والمالكين معا؟ ماذا يمنع البدء الفوري في حملة ضبط أسعار الكراء أو فرض قيود على تأجير المنازل الفارغة لعقود طويلة للسكان المحليين؟ وهل يمكن أن تستمر المؤسسات في صمتها بينما تتكرر هذه الجرائم الاجتماعية كل عام ضد من لا يملكون سواهم؟