الأحد 20 إبريل 2025
رياضة

"طراكس" مهيدية يصل ضفة أم الربيع.. هكذا انتهت "أسطورة" اسمها عائشة البحرية!!

"طراكس" مهيدية يصل ضفة أم الربيع.. هكذا انتهت "أسطورة" اسمها عائشة البحرية!! "طراكس" مهيدية يصل ضفة أم الربيع.. نهاية أسطورة عائشة البحرية

أخيرا وصلت آليات الهدم التي ظل يقودها والي ولاية الدار البيضاء محمد امهيدية إلى ضواحي ازمور وتحديدا بمحيط ضريح عائشة البحرية على الضفة اليمنى لنهر أم الربيع.

وفي بضع ساعات كان " الطراكس" قد اتى على كل البراريك والحوانيت المحيطة بضريح عائشة البحرية والذي لم تبق غير جدران الضريح، فيما اختفت كل البنايات التي ظلت فضاء لممارسات السر والشعوذة التي أريد لهذا الفضاء أن يكون مسرحا لها.

قد أعادت صور هدم ضريح عائشة البحرية ضواحي ازمور، ما عاشته ساكنة الدار البيضاء حينما تقرر هدم تلك البراريك التي كانت تحيط بضريح سيدي عبد الرحمان على شاطئ عين الذئاب، مع ما يجمع بين الضريحين من نقاط التقاء لعل أبرزها هو ان البعض حول المكان لفضاء لممارسة كل أشكال السحر والشعودة.

ولا غرابة أن تشكل الأضرحة في ربوع المملكة فضاء لمثل هذه الممارسات لدرجة ان أصبحت لكل ضريح مهمة علاجية.

في آزمور، هذه المدينة التي تنام على ضفة أم الربيع، تنشط ممارسات سحر وشعودة، وخليط من كل مظاهر الدجل الذي يجد له ما يكفي من أدوات لينشط، خصوصا وأن المدينة هي فضاء لعدد كبير من الأولياء بداخل أسوارها العتيقة وخارجها، على الرغم من أن آزمور تعرف أكثر بتواجد ولي صالح من متصوفة القرن الخامس عشر هو مولاي بوشعيب، ولقبه السارية لأنه كان يطيل في وقوفه واستقامته كالسارية وهو يصلي. بالإضافة إلى ضريح عائشة البحرية، المتواجد بالضفة اليمنى لنهر أم الربيع، ثم ضريح ولية أخرى هي لالة يطو، التي يعتبرها روادها من النساء فقط، ذات كرامات وقادرة على ضبط الرجال الخارجين عن سلطة نسوتهم.

مولاي بوشعيب وعائشة البحرية

ظلت مدينة آزمور تعرف لدى عامة الناس بمولاي بوشعيب، ذلك الصوفي المصلح، الذي تحول في عرف زواره إلى ذاك الولي الذي يساعد النساء اللواتي لا يلدن الولي الذكر على إنجابه. ولذلك سيطلق عليه هؤلاء لقب "عطاي العزارا". بل إن كثيرا من النسوة اللواتي زرنه يتحدثن على أنهن رزقن بمولود ذكر بعد الزيارة، وسمينه بوشعيب تيمنا بالسارية.

أما عائشة البحرية، فهي الولية التي تساعد العوانس على الزواج وفق طقوس خاصة تفرضها الزيارة.

وغير بعيد عنها، توجد لا لة يطو، المتخصصة في ضبط الرجال الخارجين عن سلطة البيت.

لكن ما هو أصل الحكاية.

الوصول إلى حيث عائشة البحرية يفرض اقتناء مركب صيد يقل الزوار من حدود سيدي وعدود إلى الضفة اليسرى لنهر أم الربيع حيث الوجهة، خصوصا وأن الوصول إلى هذا المكان برا يحتاج لأخذ "مقعد" في عربة تجرها الحمير والبغال، وعليها أن تقطع مسافة لا تقل عن ست أو سبع كيلومترات.

أما " بحرا"، فإن مركب صيد يمكن أن يف بالغرض في ظرف زمني قصير.

اليوم لم يعد نهر أم الربيع ينتج سمكا، بعد أن اختنق المصب وهجمت رمال الأطلسي لأعماقة ليهجر السمك، وحوت الشابل تحديدا، ويتحول الصيادون إلى مهمة نقل زوار عائشة البحرية.

في الصورة كان المركب الصغير يسير باتجاه الغرب ليكسر هرمونية الماء. وعلى الضفة اليسرى يترآى طفل في عمر المدرسة وهو يلف جسده النحيل بحبال سميكة يجر بها الزورق الممتلئ برهط جاء من كل صوب لزيارة المكان.

وكان الشيخ، القابض بالمجدفين، لا يقدر على جر مركبه الصغير معاكسا الماء، لذلك كان يستعين بغلامه في العملية. وسرعان ما يختلط أنين الغلام بزغاريد النسوة وتصفيقاتهن.

قوارب الصيد تمتلأ كما العربات بالنسوة على الخصوص. فعائشة البحرية مكان مخصص للنساء فقط.

أما الإعداد لذلك، فيجب أن ينطلق من ضرورة اقتناء لوازم الزيارة من تلك الحوانيت المتخصصة في بيع "البخور" و"التقويمة" على امتداد شارع مولاي بوشعيب.

وقبل أن تركب قارب الشيخ، كان لا بد أن تخترق السيدة الشارع الضيق المؤدي لضريح مولاي بوشعيب. فمن هناك تنطلق كل الطقوس. ومن هذه الحوانيت المصطفة من حدود سيدي علي واعلامو إلى حيث مولاي بوشعيب، تكتشف أصل الحكاية.

تختار النسوة اللواتي يرغبن في الزيارة الوازم الخاصة وهي عبارة عن بخور، هو خليط من الجاوي والشبة والحرمل، وهو أيضا خليط من أجسام بعض الحيوانات والطيور كالحرباء.

ولأن أصحاب هذه الحوانيت يعرفون أدق التفاصيل، ويعرفون ما الذي يحتاجه كل نوع من هؤلاء الزبائن التي تقصدهم، فإن لكل وصفة ثمنها الذي قد يتجاوز الخمسة مائة درهم، تزيد أو تنقص.

المكان هو عباراة عن "حوش"، أو لنقل ضريحا طلي بالأبيض وفوقه قرمود أخضر. إنه ضريح لالة عائشة البحرية، الولية التي تساعد العوانس على الزواج.

ومرة أخرى يسعفنا التاريخ، وبعض مما حملته الأسطورة لنستوعب هذا التحول كيف تساعد عائشة البحرية النساء على الزواج، في الوقت الذي يساعدهن مولاي بوشعيب على إنجاب المولود الذكر؟

عائشة في بغداد وبوشعيب في جنب الواد

تقول الحكاية الشعبية إن أصل عائشة البحرية من بغداد. وكانت على علاقة روحية بمولاي بوشعيب لدرجة أنهما كانا يلعبان الكرة. فتمر الكرة من بغداد لتصل إلى آزمور بعد أن تقول له " هاك آبوشعيب في جنب الواد"، ويرد عليها "هاكي آعائشة في بغداد".

وحينما اشتد ولعها بصديقها، قررت القدوم لزيارته لما سمعت عنه من ورع وتقوى. لكن الموت فاجئها وهي على مرمى حجر من آزمور حيث توفيت وسقطت البغلة التي كانت تمتطيها لتدفن في نفس المكان، هناك على الضفة اليمنى لنهر أم الربيع.

وظلت النسوة تزرنها في اليوم السابع من الأعياد الدينية الكبرى للتبرك والنزهة، قبل أن تتحول مهمتها اليوم لشيء آخر هو تزويج العوانس.

ظل المكان مخصصا لهن فقط. يأتين من كل الأعمار. ثمة بعض المقاهي التي صنعت من القش والبلاستيك تبيع لزبائنها كؤوس الشاي والشمع وما يلزم للزيارة. وهي التي تم الإجهاض عليها بضربة "طراكس".

تشرح سيدة تجاوزت الستين من عمرها يبدو أنها من زبائن الضريح، "إن للزيارة طقوسها الخاصة التي يجب أن تحترم لكي يتحقق المراد".

يفرض الدخول إلى ضريح عائشة البحرية خشوعا وتضرعا لأهل " المكان". كما يفرض توفير الواجب المالي الذي يسمى " الفتوح" والذي يحول إلى صندوق خشبي يقتسم غنيمته أولاد سيدي حميدة الذين يعتبرون أنفسهم حفدة عائشة البحرية، والمشرفون على الضريح.

هنا تجتمع النسوة حول إناء هو خليط من الحناء وماء الزهر والقرنفل. وعلى السيدة أن تغرف منه وتمرر هذا الخليط على خصلات شعرها، وفي مفارق يدها، قبل أن تأخذ كمية منه لتكتب بها إسمها واسم فارس أحلامها على حائط الضريح.

لقد كان حائط الضريح أشبه بلوحة تشكيلية تختلط فيها أسماء النساء من فاطمة إلى خديجة وسعاد ونوال، بموازاة كل الأسماء الرجالية التي ترمز كل واحدة لفارس أحلام قد تقوده بركة عائشة البحرية في هذا اليوم الخاص إلى حضن عشيقته.

لا تنتهي الطقوس عند محطة كتابة الإسم. إنها البداية لأن الشوط الثاني هو شي آخر.

إنه الاستحمام، حتى وإن كان الجو ماطرا أو غائما. والاستحمام يفرض أن تقتني المعنية به مشطا، وبعد أن تؤدي ثمن سطل ماء من بئر متواجد بالقرب من قبة الضريح.

وبداخل قبو مجاور، على السيدة أن تنزع ملابسها وتستحم بماء البئر وهي تمرر بواسطة المشط على خصلات شعرها لترميه بعد ذلك خلف ظهرها، كما عليها أن ترمي بكل الملابس الداخلية التي كانت ترتديها، لأنها بذلك ترمي كل "التابعة" التي الصقت بها.

أما مصير ذلك المشط، وتلك الملابس الداخلية فتعود لتباع من جديد في سوق شبيه بحلقة مفرغة يحركها اقتصاد من نوع خاص اسمه سوق الأولياء والصالحين. أما المستفيد، فهم أولاد سيدي احميدة، الذين يقولون إنهم ينحدرون من الأدارسة، والذين يوزعون مداخيل الضريح عبر كل الفروع المكونة لهم. وهي مداخيل يعتبرها الكثيرون منهم مجرد تقليد ليس إلا.

لالة يطو..زيارة من نوع آخر

لا تنتهي الطقوس بزيارة عائشة البحرية فقط .فهناك زيارة من نوع آخر في اتجاه ولية آخرى اسمها "لالة يطو".

لا بد من السير بين الأشجار، وعبر طريق متربة تفصلنا عنها حوالي أربع كيلومترات مشيا على الأقدام. هنا لا بد للزائر أن يكتشف عالما أكثر غرابة مما كان عليه الأمر في عائشة البحرية.

كان أول الغيث، منع. المكان مخصص للنساء فقط، تستقبلك سيدة في مقتبل العمر وتشير عليك بالعودة من حيث أتيت.

كان الأمر يعني بناية بقرمود أخضر، هي ضريح لالة يطو. وأمامه يوجد ما يشبه القبو حيث على المرأة أن تنزل أدراجا لتصل إليه.

هنا يجب أن تخرج تلك الخلطة التي حملتها من حوانيت العطارين هناك من شارع مولاي بوشعيب بآزمور.

ولأن القائمات بأمر "الولية الصالحة"، كما تحكي النسوة اللواتي زرن المكان، للقيام بطقوسها، قد وفرن كل ما يلزم، فإن هذا الخليط يوضع بداخل مجمر اشتعلت حوله النيران حيث الدخان متصاعد إلى الأعلى.

أما صاحبة الطقس، فيفترض أن تنزع ثيابها بما في ذلك تلك الملابس الداخلية لتترك الدخان يتصاعد عبر كل جسدها. بل إنها مطالبة بالقفز على المجمر المشتعل وهي تردد بعض الجمل بهمس من بينها "ألا لالة يطو.. اللي جابو يحطو"، وتقفز أكثر من مرة على مجمرها المشتعل ".

أما خلفية كل هذا العالم، فهو أن هذا الطقس الذي لا يستقيم إلا بضريح لالة يطو، فهو أن النسوة تراهن على ضبط أزواجهن الخارجين عن الطاعة، أو استعادة زوج أو حبيب تنكر لحبه.

هكذا كان شريط زيارة عالم جنسي بامتياز، فيه مولاي بوشعيب، المصلح الديني والصوفي المتنور وقد تحول إلى "عطاي العزارا". وفيه عائشة البحرية، التي جاءت من بغداد لزيارة رفيقها، قد أصبحت تساعد العوانس على الزواج. وفيه لالة يطو التي تساعد النسوة على استعادة حبيب أو زوج غادر.

هكذا يمكن أن نفهم كيف تحولت آزمور إلى مدينة، كل الطرق تؤدي فيها إلى الجسد. مدينة قال عنها ذو الوزارتين وذو الرئاستين لسان الدين ابن الخطيب في مؤلفه "معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار" بعد أن زارها : "قلت فآزمور، قال جار واد وريف، وعروس ربيع وخريف، وذو وضع شريف..ساكنه نبيه، ولباسة يتخذ فيه، وحوت الشابل ليس له شبيه". أين اختفى شابل آزمور وتاريخها؟

ما يؤسف له هو أن أزمور أضحت تعرف أكثر بمولاي بوشعيب، عطاي العزارا، وعائشة البحرية صاحبة العوانس، ولالة يطو صاحبة السحر، أكثر من أن تعرف بالشابل الذي انقرض، أو بالمفكر الكبير ابن المدينة عبد الله العروي، الذي ظل يسميها في مؤلفاته كالغربة واليتيم وأوراق بـ" الصديقية". أو بـ"استيبانيكو" مصطفى الأزموري، الذي اكتشف أمريكا قبل كريستوف كولومبوس.

اليوم يبدو أن السلطة أدركت خطورة الاستمرار في رعاية مثل هذه الممارسات حينما أقدمت على هدم ابنية التحتية التي تحتضنها سواء في سيدي عبد الرحمان أمس او في لالة عائشة البحرية اليوم، في انتظار أن يمتد الأمر لباقي الفضاءات التي ظلت ترعى الدجل والسحر والشعوذة التي تنشط كلما وجد ضريح. على الرغم من أن الأضرحة اعتبرها المستعمر أحزابا تؤطر المواطنين!!