لا يتوقف الجدل حول القوانين التي تسنها فرنسا ولها علاقة بـ"مظاهر التدين" في المجال العام وتهدف لـ"حماية العلمانية"، وآخرها مشروع قانون لمنع هذه الرموز خلال المنافسات الرياضية. فكيف كانت ردود الفعل حوله في فرنسا؟
وافق مجلس الشيوخ الفرنسي (الغرفة الأولى في البرلمان الفرنسي)، مؤخرا على مشروع قانون يهدف إلى حظر بعض المظاهر ذات الرمزية الدينية ومنها ارتداء الحجاب خلال المنافسات الرياضية.
وكانت أغلبية الأصوات (210) قد صوتت بالموافقة، مقابل رفض 81 عضوا وامتناع 38، فيما لم يشارك الـ 19 المتبقون في التصويت.
ويتضمن مشروع القانون، الذي قدمه إلى مجلس الشيوخ السيناتور ميشيل سافين ونواب آخرون من كتلة الجمهوريين التي تملك الأغلبية، إلى لجنة الثقافة والتربية والاتصال والرياضة، حظرا أيضا على صلاة الجماعة بالأماكن الرياضية العامة، وحظرا على تحويل المرافق الرياضية إلى بيت صلاة.
ونقلت صحيفة « لوباريزيان » عن سافين قوله: «يجد الحكام انفسهم أمام وضعيات يتعين عليهم إدارتها أو أنهم يجدون صعوبة في التعامل معها، مثل وجود أشخاص ورياضيين ولاعبات يحملون رموزا دينية وبشكل خاص الحجاب ».
وأضاف سافين أن « المبادرة تشمل كل الأديان ».
كما من شأن القانون ـ عند دخوله حيز التطبيق ـ أيضا حظر الرموز والملابس ذات الدلالة الدينية، مثل « البوركيني »، في المسابح العامة.
ومن المقرر أيضا أن تتم مناقشة مشروع القانون في الجمعية الوطنية، الغرفة الثانية في البرلمان الفرنسي، في وقت لاحق.
ردود الفعل السياسية!
قال رئيس أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الاشتراكي باتريك كانر، مخاطبا أعضاء مجلس الشيوخ عن حزب الجمهوريين: « باستخدام هذا المبدأ التأسيسي لخدمة خطابكم المناهض للمسلمين، فإنكم تؤدون إلى تغذية الفوضى والقوالب النمطية ».
من جهتها، اتهمت الناشطة البيئية ماتيلد أوليفييه اليمين الفرنسي بـ « استهداف النساء المسلمات في بلادنا بشكل مباشر وجبان بهدف استبعادهنّ من ممارسة الرياضة ».
بعض أعضاء مجلس الشيوخ اليساريون من حزب الجمهوريين الذي يشكل الأغلبية في الجمعية العامة، اتهموا مشروع القانون باستهداف النساء المسلمات.
وفي حديثها في مجلس الشيوخ، لفتت السيناتورة الاشتراكية سيلفي روبرت إلى أن القضايا التي اختار أعضاء حزب الجمهوريين مناقشتها في مجلس الشيوخ « أدت لانقسام المجتمع ».
وقالت روبرت: « مشروع القانون هذا له غرض سياسي، وهو استهداف دين الإسلام بذريعة العلمانية ».
من جهة أخرى، أدلى بعض الفرنسيين برأيهم حول الموضوع على شبكات التواصل الاجتماعي مساهمين في النقاش، ومن بينهم السوسيولوجية الفرنسية بياتريس باربوس، التي قالت « وهل المشكلة هي المرأة التي ترتدي الحجاب لممارسة الرياضة؟ »
وأضافت المتحدثة أن « المشكلة الحقيقية، التي تؤذي ملايين النساء، هي التمييز الجنسي، لكن هذا لا يثير اهتمام أعضاء مجلس الشيوخ الذين صوتوا لصالح مشروع القانون الذي يستهدف النساء ».
منظمات حقوقية تدخل على خط الاحتجاج!
ودعت منظمة العفو الدولية، المشرّعين الفرنسيين إلى رفض مشروع قانون جديد يحظر ارتداء الرموز الدينية في جميع المسابقات الرياضية.
فوفقا للمنظمة الحقوقية، فإن مشروع القانون، يستهدف النساء والفتيات المسلمات وينتهك حقوق الإنسان.
بدورها، أكدت الباحثة في منظمة العفو الدولية المعنية بالعدالة بين الجنسين في أوروبا آنا بلوس، أنّ «حظر الحجاب الرياضي في فرنسا هو نوع من الإسلاموفوبيا، ومحاولة ذكورية للسيطرة على ما ترتديه المرأة المسلمة. ويجب رفض مشروع القانون هذا ».
وأضافت الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي « بعد مرور ستة أشهر على الألعاب الأولمبية في باريس، تضاعف السلطات الفرنسية من مساعيها لفرض الحظر التمييزي للحجاب، بل وتحاول توسيع نطاقه ليشمل جميع الألعاب الرياضية ».
وأضافت بلوس أنه « تحت ستار العلمانية، يستهدف مشروع القانون النساء المسلمات بشكل غير متناسب، ما يؤدي إلى استبعادهن من المجال الرياضي ».
وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تفرض مثل هذا الحظر، مؤكدة أن منع النساء من المشاركة بحرية في الرياضة قد تكون له عواقب نفسية واجتماعية خطيرة، بما في ذلك فقدان الثقة بالنفس وتراجع مشاركة النساء في الأندية الرياضية.
جمعية الطلاب المسلمين في فرنسا « EMF » أيضا انتقدت مشروع القانون الهادف إلى حظر الحجاب في المسابقات الرياضية، واصفة إياه بأنه « عنصري ومعادٍ للمسلمين «.
وأكدت في منشور عبر منصة إكس، أن مشروع القانون هذا يُعدُّ « إقصائيا ويقيد وصول المسلمين إلى الفضاء العام »، وأشارت إلى أن مشروع القانون يعتمد على « فكرة التمييز في الرياضة، ويهدف إلى تبرير الخطاب العام المشكك في المسلمين ».
كما اتهمت الجمعية الطلابية مشروع القانون بأنه يعمد لاختلاق « مشكلة عامة » بشأن الإسلام والمسلمين بناء على معطيات غير واضحة وهامشية، ولفتت إلى أن هذا الوضع « يتجاهل مبدأ المساواة، ويوجِد في الواقع مواطنون من الدرجة الثانية ».
ليس الأول من نوعه!
ومشروع القرار هذا ليس الأول من نوعه في البلاد، إذ سبقه عدد من القرارات التي يعتبر المسلمون في البلاد أنها تهدف إلى التضييق عليهم.
ففي غشت 2023، قرر وزير التعليم الفرنسي غابريال أتال حظر ارتداء العباءة في المدارس، على اعتبارها « زيا إسلاميا ينتهك قواعد ونظم الدولة ».
وهذا القرار جاء ضمن قرارات بالمنع يتواصل صدورها منذ 2004، حين صدر قانون حظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس الحكومية.