كثيرة هي التجليات السلوكية الانفعالية التي تعكس انحرافات خطيرة عن المسار النفسي التربوي للطفل، فقد يصعب أحيانا معرفة أسبابها ودواعيها، بل تتجلى غالبا في صورة نمطية للسلوك الذي ينتج في شكل حركة أو فعل، فتظهر كردود أفعال حسية حركية، ناجمة عن انعكاسات شرطية لمخزون داخلي، بمثابة طاقة مكتسبة من تأثيرات الصور والأصوات التي يخزنها الدماغ خلال فترات محددة. فالطفل، في مراحل نموه الأولى، يعتمد على تخزين الذاكرة لكل الأصوات التي يسمعها، وكذا الصور التي يشاهدها، فيتم تخزينها كرموز وشفرات يصعب محوها، فيحتفظ بها لتكوين رصيد تتم برمجته في انتظار مرحلة التعرف على الأشياء من حيث شكلها، أي صورتها في الواقع، ثم تسميتها فيما بعد.. فالصورة تسبق المدلول أو التسمية، لينسجم فيما بعد الشيء بصورته في الواقع، أي الدال بالمدلول، فتكتمل العملية لديه، لتأتي فترة النطق وتعلم اللغة، فالمعرفة الأولية، ذات البعد اللغوي، لدى الطفل ترتكز على إعمال ثلاث حقول: الحقل السمعي، الحقل البصري، وحقل الذاكرة، وبدون إعمالها بشكل سليم، تتعثر التعلمات.
تقطع عملية النمو المعرفي، لدى الطفل، أشواطا جد معقدة ومتداخلة، وترتكز على جملة أساسيات، بدءا من التخزين، المعرفة، ثم النطق الذي يتطلب تقويما مستمرا عن طريق إعطاء النموذج، وفي أحيان كثيرة، تسير المعرفة للأشياء والنطق بها في خط مواز، ويعمل الحقل السمعي على التقاط الأصوات وترتيبها في حيز من الذاكرة، كما يقوم الحقل البصري بتسجيل الصور التي يراها، إلى جانب خاصية اللمس المتعلقة بالمجال الحسي حركي، وهو ما يعبر عنه بالمعرفة الحسية حركية، إضافة إلى المعرفة البصرية، الخاصة بالصور، والمعرفة السمعية الخاصة بالمنطوق، فكل هذه الحواس تتداخل أدوارها للتأسيس لمرحلة النطق، لتأتي مرحلة تكوين المجال اللغوي، أو الرصيد المعرفي، الذي هو عبارة عن ربط الدال بالمدلول، والصورة بمسماها.
عند الطفل، المعرفة والنطق متلازمان، حتى وإن سبقت بعض محاولات التعبير الصوتي، الذي يتكرر لفترات طويلة كمحاولة مناولة الشيء، أو معرفته. وفي هذه الفترة بالذات، يحتاج إلى كثير من التقويم الصوتي بمعية إلصاق بالصورة، لربط التجريد بالتشخيص.. ولا جرم من التذكير ما للألوان من دور للفت انتباه الطفل للفضاء الذي يتواجد به، دعما للجانب الحسي حركي، ضمانا لنقاء الصورة وتجنبا لتشويش عملية التعلم، باعتبارها شكلا أوليا من أشكال اكتشاف الأشياء، إلى جانب إعطاء الأهمية لما يطلق عليه بحمام الصوت، الذي يمكنه من التفاعل مع المنطوق بشكل أسرع وفاعل.
يظهر جليا، العلاقة الوطيدة بين الطفل وما يلتقطه من عالمه الخارجي، في شكل صور وأصوات يتم تخزينها مباشرة في الذاكرة، لينجم عنها ردود أفعال في شكل سلوكات وانفعالات، وهو ما يدعى بالمعرفة الشرطية، أي علاقة المثير بالاستجابة. فحين يتم إثارة سلوكه بسبب عامل خارجي، والمقصود هنا الصور والأصوات التي ينتج عنها انحراف في السلوك، ستكون الاستجابة كرد فعل شرطي، وهو ما يفسر الانحراف الانفعالي الذي يتطور في الطفل وينمو معه ليظهر في صور أخرى في مختلف مراحله العمرية، ومتى تكرست وتجذرت، وتحولت إلى تصرفات وأفعال، عندئذ تصبح سبل العلاج أصعب.
ومن جانب آخر، لابد من استثمار هذه الحقائق، إن ثبتت نجاعتها، في أساليب التعلم اللغوي، فلا اكتساب لغوي بدون هذه الشروط سالفة الذكر، المجال الصوتي، السمعي، الحسي حركي، بل قد أثبتت الأبحاث الميدانية، التي تعنى بالجانب التعليمي، أن اعتماد أساليب السمعي البصري، أو ما أصبح يطلق عليه بوسائل الإعلام والاتصال، قد ساهم بشكل جلي في الرفع من مردودية التعلمات.