الأربعاء 12 فبراير 2025
في الصميم

أريري: الانهيار الصخري بطريق الحسيمة.. احذروا تبذير ممتلكات المغرب!

أريري: الانهيار الصخري بطريق الحسيمة.. احذروا تبذير ممتلكات المغرب! عبد الرحيم أريري
في البلدان المعروفة بقساوة المناخ كالثلوج التي تدوم لأكثـر من ستة أشهر في السنة، نجد بأن بنيتها التحتية (من طرق وقناطر)، تتميز بجودة عالية وتدوم طويلا.
 
في المغرب لما يخفق المهندس في إنجاز مشروع طرقي ما، يتحايل على الوزير لتمرير أكذوبة أن المطر والغبار يهلكان الطريق! ويجعل الوزير يبتلع «la pilule». ويظن الوزير الذي ابتلع الطعم، أن المواطن سيبتلع بدوره la pillule. 
 
ذلك أن مهندس الأشغال العمومية لما ينجز البنيات التحتية (من طرق وقناطر)، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات والعوامل والإكراهات الطبيعية والمناخية كي تدوم المنشأة الفنية مدة طويلة جدا من جهة، وكي تخلق رفاهية لمستعملي الطريق من جهة ثانية. كما أن مهندس الأشغال العمومية، أثناء تصميمه للبنية التحتية، يجب عليه أن يستحضر جميع الجوانب المرتبطة بالمشروع من صيانة وإمكانية توسيع الطريق وتوسيع القنطرة وإمكانية ربطها بالمجال المجاور لها مستقبلا. 
 
للأسف، هذه البديهيات لم نعد نعاينها في أوراش البنية التحتية بالمغرب في عدة مناطق. علما أن وزارة الأشغال العمومية في التسعينات كانت تخصص نصف ميزانيتها لفائدة مديرية الطرق، لصيانة البنية التحتية، ولنا اليوم شاهد عيان على ما نقول.
 
فشكيب بنموسى، الذي يرأس الآن المندوبية السامية للتخطيط، كان هو المسؤول عن مديرية الطرق آنذاك. وبسبب تآكل بنيتنا الطرقية، أظن أن أول ورش على شكيب بنموسى استحضاره اليوم، هو توجيه أطر مندوبية التخطيط لإجراء جرد حول الحالة التقنية الكارثية للبنية التحتية الطرقية بالمغرب.
 
لكن للأسف، المسؤولون يحتقرون ذكاء المغاربة. فثلث المنشآت الفنية (القناطر) توجد، من ناحية حالة الحفظ (état de conservation) دون المستوى، وأن أكثر من 885 منشأة فنية متدهورة للغاية. فضلا عن ذلك فالمغرب يضم 2614 منشأة فنية (قنطرة) من نوع الغاطسة التي تمر فوقها مياه الأودية بسبب الانحدار الشديد لهاته القناطر (submersible)، وأن 110 منشأة فنية محدودة الحمولة، أي لا تتحمل مرور بعض الشاحنات والقافلات ومنها على الخصوص القافلات العسكرية، وأن نحو 3037 منشأة فنية (قنطرة) ضيقة لا تتسع لمرور السيارات والشاحنات بأمان.
 
ولمعالجة هذا الوضع، سبق أن تم وضع تشخيص في عهد حكومة العثماني، أظهر حاجة المغرب إلى غلاف إجمالي يناهز 12 مليار درهم من أجل إعادة تأهيل المنشآت الفنية وصيانتها، منها ملياري درهم خاصة بالقناطر الآيلة للسقوط و10 ملايير درهم، لإعادة بناء القناطر الغاطسة والقناطر الضيقة والقناطر ضعيفة الحمولة.
 
لكن رغم مرور حوالي ست سنوات على هذا التشخيص، نلاحظ أن حالة البنية التحتية زادت في التدهور ولم ينجز أي شيء يذكر، وأن الكلفة الخاصة لإصلاحها وصيانتها تضاعفت مرتين.
 
مؤخرا وقع انهيار صخري وانهارت الطريق في المدار المتوسطي، وتوقفت حركة المرور بين الحسيمة وتطوان. حينها، كان على الوزير الوصي أن يتحلى بالشجاعة ويخبرنا أين تم تبذير الملايير المرصودة لصيانة الطرق والقناطر، وبأي كيفية صرفت، ومن هي الجهة المتورطة في التبذير؟! ذلك أن صيانة قنطرة ما قد لا يتجاوز في بعض الأحيان 100 و200 ألف درهم. لكن، عند إهمال الصيانة، فإن الإصلاح أو إعادة البناء يكلف ما بين 8 و20 مليون درهم، والأمثلة على ما نقول كثيرة.
 
رحم الله العهد الذي كان فيه محمد القباج وزيرا للتجهيز في الثمانينات من القرن الماضي. إذ رغم الأزمات المالية الخانقة التي عرفها المغرب آنذاك، فقد تشبث الوزير محمد القباج بضرورة عدم تقليص الميزانيات المخصصة لصيانة البنية التحتية وممتلكات المملكة ومنشآتها، بحكم معرفته بخطورة وعواقب تقليص ميزانيات الصيانة. وقد عزز الوزير القباج آنذاك، موقفه بدراسة أنجزها مكتب الدراسات BCEOM بالمشاركة مع المختبر العمومي للدراسات، ورفض الرضوخ لتوصيات صندوق النقد الدولي، وأفلح في إلزام الدولة بتخصيص الميزانيات الضرورية للحفاظ على ممتلكات المملكة من طرق وقناطر.
 
حذار من تبذير ممتلكات المغرب!