الأربعاء 5 فبراير 2025
في الصميم

أريري: من توصيات الإحصاء العام.. تخليص المدن من الفيروسات الانتخابية

أريري: من توصيات الإحصاء العام.. تخليص المدن من الفيروسات الانتخابية عبد الرحيم أريري

كشف الإحصاء العام الأخير للسكان، أن المدن المغربية تضم 62.8 % من مجموع السكان.

منحى التمدن بالمغرب يسير في تصاعد منذ عقود (في إحصاء 2014 كانت النسبة هي 60%)، لدرجة أنه في كل سنة يتوافد على المدن المغربية حوالي 450 ألف مواطن، أي ما يمثل ساكنة مدينة من حجم مكناس. وهذا ما يطرح تحديات كبرى لمواجهة حاجيات وانتظارات ساكنة المدن من السكن والماء الشروب والإنارة العمومية وتجهيز قنوات الصرف الصحي والنقل الحضري والطرق وغيرها من المرافق الضرورية.

إذا اعتمدنا الإحصائيات الصادرة عن مديرية الجماعات المحلية بوزارة الداخلية، نجد أن المدن المغربية بالكاد تنفق على كل مواطن ما مجموعه 950 درهم، أي ما يمثل 20 مليار درهم تقريبا، وهو مبلغ غير كاف لسد الخصاص وإسكات الاحتجاجات المتصاعدة في المدن وبالمراكز الحضرية كل عام.

الدراسات تقدر حاجيات المدن في المرافق والبنى التحتية بـ 22.2 مليار درهم، بينما الجماعات الترابية لا ترصد سوى 4.5 مليار درهم كل سنة. علما أن المدن عليها الإنفاق على التسيير والصيانة والاستغلال على المرافق لتلبية حاجيات المواطنين مما يمثل ضغطا على ميزانية التسيير بشكل يثقل ميزانية الاستثمار. خاصة إذا استحضرنا أن هذه المدن لا تحقق في المجموع سوى 2.4 مليار درهم كفوائض (épargne nette)، فيما أن تحويلات الدولة للاستثمار تصل فقط إلى 1.5 مليار درهم، وتمثل الديون الحالة سنويا ما مجموعه 1.2 مليار درهم.

وهذا ما يجعل مطلب تحسين مالية المدن المغربية على رأس الأولويات، دون الحاجة لخلخلة البناء المؤسساتي والقانوني. إذ يتعين تجويد كيفية تدبير الدولة للرسوم التي تتولاها لفائدة الجماعات (رسم الخدمات، الرسم المهني، رسم السكن) التي تشكل أكثر من ثلث مداخيل المدن، فضلا عن الحاجة إلى تجويد الجماعات الترابية لكيفية تدبيرها لباقي الرسوم الذاتية التي تتولاها (الأسواق، الكراءات، احتلال الملك العام المؤقت، لوحات الإشهار، إلخ...). أضف إلى ذلك الحاجة إلى إحداث ثورة في عقارات المدن وممتلكاتها التي لا يتم استغلالها بشكل جيد فضلا عن مراجعة طرق تدبير المرافق المحلية.

 

كما أن تطوير اللجوء للقروض واعتماد إمكانية الشراكة خواص / عام، بإمكانهما أن يمثلا أحد الحلول لتطوير مالية المدن وبالتالي تلبية الحاجيات الملحة للسكان.

 

وتقارب مجموع نفقات المدن بالمغرب، 18.4 مليار درهم، أي 61 % من مجموع نفقات الجماعات الترابية البالغ عددها 1503 جماعة.

 

وتتطلب المرافق والحاجيات بالمدن استثمارات مهمة جدا تشمل كافة المجالات، وهو تحدي ما فتئ يتصاعد بحكم تزايد سكان المدن.

 

ولتقترب المدن المغربية شيئا ما من معايير المدن المتقدمة، سبق لدراسة أنجزها مكتب مختص لفائدة وزارة الداخلية، أن بينت أن المغرب في حاجة إلى استثمار حوالي 320 مليار درهم بالمدن، على مدى 10 سنوات. من ضمنها 220 مليار درهم تمول من الميزانيات الجماعية (أي استثمار 22 مليار درهم كل سنة). والحال أن المدن كما أسلفنا لا تتمكن من تحقيق سوى 4.5 مليار درهم (أي 15% من الحجم المقدر)، وهذا العجز يؤثر على التنمية الحضرية ويثقل المدن بالأعطاب، ويخلق بالتالي اللاتوازن والاختلالات ومشاكل يكون جلها في المستقل جد باهض.

 

في حالة فشل الحكومة والبرلمان في إبداع مونطاج مالي ومؤسساتي مناسب لتوفير المبالغ المذكورة، فإن تدبير المدن سيستمر في التدهور، تعلق الأمر بتوفير النقل الحضري الجيد، أو الإنارة العمومية الكافية، أو خلق المنتزهات الحضرية اللازمة، أو جمع الأزبال، أو صيانة وإحداث الطرق المسطرة في وثائق التعمير أو إنجاز باقي خدمات القرب.

 

وحتى حين تلجأ المدن المغربية إلى القروض لسد الخصاص (علما أن كل المدن بالعالم تقترض لتمويل حاجيات السكان)، فإن الاقتراض غالبا ما يتم بدون تفكير مسبق وخطة مدروسة فضلا عن عدم رصد المبالغ المقترضة على المرافق المخصصة لها، مما يؤدي في معظم الأحيان إلى زيادة الأعباء المالية على خزينة المدينة من جهة، ورهن الأجيال المقبلة بخدمة الدين لعقود من جهة ثانية، دون أن تنتفع المدينة المعنية من استغلال أمثل للمبالغ المقترضة.

 

ونحن نعيش بدء تسخينات موسم انتخابي تحضيرا لاستحقاقات 2026، يبقى المدخل الرئيسي لتصحيح هذا الخلل بالمدن المغربية، هو القطع مع انتخاب أناس فاسدين ومنع «الفيروسات الانتخابية»، من ولوج المؤسسات التمثيلية (برلمان ومجالس ترابية). فالتخطيط لتوفير 220 مليار درهم للعشرية القادمة، لإسكات احتجاج سكان المدن (أي إسكات 63 % من سكان المغرب)، يتطلب توفير بروفيلات سياسية واعية بالتحديات، ويتطلب سلالة صافية وطاهرة وصادقة مع الله ومع الملك ومع الشعب.