وصل عدد السوريين الهاربين من الحرب الأهلية، إلى أكثر من 13 ملايين شخص في دول الجوار والعالم بحلول عام 2023، ويُقدر بأن هناك عشرات الآلاف من اللاجئين غير المسجلين. ويتنوع مقام السوريين في الخارج من الذين استطاعوا خلال رحلتهم النجاة بحياتهم، بين العيش في مخيمات في ظروف صعبة والاندماج في مجتمعات البلدان المضيفة، كما يعيش حوالي خمسة آلاف لاجئ سوري بالمغرب، وقد سبق وأن أعلنت الأمم المتحدة سنة 2021،أن السوريين على رأس القائمة من حيث عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في المغرب.
وتعد الجزائر من الدول التي قصدها السوريون لقربها من المغرب وأروبا، ورغم الأعداد المعلنة وصفة لاجئ الذي يطلقها عليهم الإعلام الجزائري، فإنهم يعيشون مأساة إنسانية حقيقية، ولا تعترف بهم قوانين البلد كلاجئين. فضلا عن كون الجزائر كانت تقف إلى جانب النظام في سوريا إلى آخر لحطة من عمره وكانت تصف المعارضة السورية بالإرهابين، بل سبق وأن أرسلت جنودها وجنرالاتها إلى الحرب إلى جانب بشار الأسد طيلة السنوات الماضية ضد المعارضة السورية، التي أعلنت عدة تقارير إعلامية، عن أسرها للعديد من المقاتلين الجزائريين الذين كانوا يقاتلون في صفوف النظام السوري، منهم أعداد مهمة ينتمون إلى جبهة "البوليساريو" الانفصالية.
الجزائر تعترف فقط باللجوء السياسي
لقد قامت السلطات الجزائرية بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بشؤون اللاجئين. غير أن الدساتير الجزائرية المتتالية، إلى غاية التعديل الدستوري لسنة 2020، تحصر حالات اللجوء المعترف بها في اللجوء السياسي فقط، على الرغم من أن الحالات المدرجة في الاتفاقيات المصادق عليها أكثر اتساعا، مما يجعل الدستور الجزائري لا يعطي أهمية للاجئين، ولا يتوافق مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها، والتي تشمل حالة السوريين الهاربين من بطش نظام بشار الأسد.
كما لا يمنح الدستور الجزائري الحماية للأجانب الذين ليست لهم إقامة قانونية، وهو حال السوريين كما ورد في المادة 81: "يتمتّع كلّ أجنبيّ، يكون وجوده فوق التّراب الوطنيّ قانونيّا، بحماية شخصه وأملاكه طبقا للقانون." فالأجنبي الذي لا يتوفر على إقامة قانونية يكون دمه مباحا وكذلك ممتلكاته.
ولا يتطرق الدستور الجزائري بتاتا إلى الحق في طلب اللجوء، كما لا يعترف باحتياجات الذين هربوا من الاضطهاد وغيره من أشكال العنف، وفقا لاتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئ أو غيرها من الاتفاقيات الدولية.
وقد دأبت منظمة العفو الدولية على دعوة الجزائر لحماية جميع المهاجرين واللاجئين ضد العنف، دون تمييز على أساس وضعهم كمهاجرين، ودعت أيضا السلطات الجزائرية في عدة مناسبات، إلى مراجعة التشريعات الوطنية ومطابقتها بأحكام اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكولها الاختياري لعام 1967، وغيرها من قواعد القانون الدولي المتعلقة بحماية الأشخاص الذين يحتاجون الحماية الدولية وتوفير الحماية للاجئين المعترف بهم من قبل المفوضية. غير أن السلطات الجزائرية لا تعير أي أهمية لدعوات منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الدولية.
الجزائر تنكل باللاجئين السورين طيلة السنوات الماضية
كانت السلطات الجزائري تعمد الى الانتقام من اللاجئين السوريين إرضاء لنظام بشار الأسد كلما نجحت المعارضة السورية في تقليص مساحة نفوذه، وفي الوقت الذي كان يقوم فيه جيشه بقصف الأبرياء بالبراميل المتفجرة.
فحسب تصريحات العديد من اللاجئين السوريين، فإن القوات الجزائرية تقوم بدفعهم للخروج من ترابها، باتجاه الحدود مع النيجر وليبيا وتونس وباتجاه الحدود المغربية، وتطالبهم بعدم العودة نهائيا في حالة عدم قدرتهم على الدخول إلى هذه الدول، وتهددهم بالتصفية الجسدية في حالة العثور عليهم مرة أخرى داخل التراب الجزائري، في خرق سافر لكل المواثيق الدولية. وتتصرف مع اللاجئين السورين عكس ما تروج له إعلاميا، فخلال شهر يونيو 2024 مثلا، توفي 12 سوريا عطشا في صحراء الجزائر في منطقة بلڨبور، من بينهم طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، من مواليد عام 2014.
ومنذ عدة سنوات، تتوافد التقارير والشهادات حول عمليات ترحيل المهاجرين السوريين، حيث تقوم السلطات الجزائرية باعتقال المهاجرين على الحدود أو في المدن الجزائرية، وتنقلهم إلى الصحراء الحدودية مع النيجر ويتم تركهم عند "نقطة الصفر". وتتركهم هناك دون طعام أو شراب، ومن هناك ليسيروا على غير هدى ويضطرون إلى السير مسافة 15 كيلومترا إلى بلدة أساماكا النيجيرية تحت درجات حرارة شديدة للغاية، وهي أقرب بلدة نيجيرية على الحدود. وإذا نجح المهاجرون السوريون في الوصول إلى وجهتهم، يتم تسجيلهم في مراكز إيواء مؤقتة ترعاها الأمم المتحدة، قبل نقلهم إلى مراكز أخرى في شمال النيجر.
الآلاف من اللاجئين السوريين وطيلة السنوات الماضية من اندلاع الحرب في سوريا، تم اعتقالهم من طرف السلطات الجزائرية خلال مداهمات لأماكن إقامتهم أو عملهم في المدن أو على الحدود التونسية أو الليبية، ويتم نقلهم بالشاحنات العسكرية إلى الحدود المغربية، أو يتم تجميعهم في تمنراست (جنوب الجزائر)، حيث يتعرضون للتعذيب والسلب والاغتصاب من طرف عسكر الجزائر، قبل نقلهم في شاحنات نحو النيجر وسط ظروف مأساوية. ويتعرض البعض منهم للقتل من طرف العصابات والمهربين ومن طرف تجار الأعضاء البشرية، ونفس الامر في الصحراء الليبية حيث يلقون حتفهم بسبب الحرارة والعطش والسلب والنهب والاعتداءات. كما قامت السلطات الجزائرية في إطار إرضاء نظام بشار الأسد بترحيل العديد من السوريين بالطائرات وعن طريق العديد من الدفعات رغم تواجدهم في الجزائر لعدة سنوات.
محمد الطيار ، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية