الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: اعتقال بوعلام صنصال بالجزائر بسبب تأييده للحقوق التاريخية للمغرب

يوسف لهلالي: اعتقال بوعلام صنصال بالجزائر بسبب تأييده للحقوق التاريخية للمغرب يوسف لهلالي

اختفاء الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال يرجحه الاعلام الفرنسي لتصريحاته لمجلة "فرونتيير"، حيث تبنى فيها الرواية التاريخية للمغرب ضد الاستعمار الفرنسي وذكر إن أراضي مغربية كثيرة انتزعت من المملكة تحت سيطرة الاستعمار لصالح الجزائر المستعمرة. وهو نفس العمل الذي قامت به السلطات الاستعمارية تجاه اراضي بلدان أخرى مثل تونس وليبيا، بعد ان كانت فرنسا تعتقد انها ستستمر في إدارة أراضي الجزائر التي كانت تسمى اقليما فرنسيا مدة قرن وعشرين سنة. وهو موقف لم يغفره النظام الجزائري للكاتب واعتبر موقفه المؤيد للحقيقة التاريخية للمغرب تجاوزا للخطوط الحمراء.

وحسب المصادر الفرنسية فقد تم اعتقاله يوم 16 نوفمبر " على يد "أجهزة الأمن الجزائرية" عند وصوله في طائرة قادمة من باريس، وهو ما جعل الرئاسة الفرنسية تبدي قلقها إزاء "اختفائه"، وحسب نفس المصدر فان الكاتب البالغ 75 عاما والمعروف بمواقفه المنددة بالتشدد الديني والاستبداد، أوقف السبت في مطار الجزائر العاصمة آتيا من فرنسا.  وهو الخبر الذي أكدته وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية عن "توقيف الكاتب بوعلام صنصال في مطار الجزائر" العاصمة، من دون أن تحدد تاريخ ذلك.

وفي الوقت الذي امتنع فيه أعضاء الحكومة الفرنسية عن التعليق على هذا الاعتقال سواء وزيرة الثقافة رشيدة الذاتي او وزير الخارجية جون نويل بارو، وذلك يبدو بامر من رئيس الحكومة ميشيل بارنييه من اجل تجنب تعقيد وضعية الكاتب المعتقل. عدد من   القادة السياسيين الفرنسيين خارج الحكومة عبروا عن قلقهم، أبرزهم رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب الذي يرى أن الكاتب "يجسد" بشكل خاص "الدعوة إلى العقل والحرية والإنسانية ضد الرقابة والفساد والإسلاموية". كما أبدى عدد كبير من الكتاب دعمهم لبوعلام صنصال في محنته، بينهم الفرنسي نيكولا ماتيو الذي تحدث عن "فخ" نصب له، أو الكاتب الطاهر بن جلون الذي دعا إلى "تحرير" صنصال. وكتب مواطنه ياسمينة خضرا في بيان لوكالة فرانس برس "اعتقاله يزعجني. المثقف مكانه حول طاولة مستديرة، في جلسة لمناقشة الأفكار، وليس في السجن". وفي مجلة "لوبوان" الفرنسية، ندد الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كامل داود بوجود "أخيه" "خلف القضبان، مثل الجزائر بأكملها".

وتضامن عدد من الحائزين على جائزة نوبل عن هذا الاعتقال التعسفي منهم أني ارنو، جون ماري لوكليزيو، اورتان باميك، وول سوينكا. بالإضافة الى كتاب اخرين مثل سلمان رشدي وروبيرطو سفيانو. كما أعربت دار "غاليمار" الفرنسية التي تنشر مؤلفات صنصال "عن قلقها العميق بعد توقيف أجهزة الأمن الجزائرية للكاتب"، ودعت في بيان الجمعة "إلى الإفراج عنه فورا".

وبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها صنصال لمجلة "فرونتيير" الفرنسية المعروفة بمواقفها اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفا مغربيا يقول إن أراضي مغربية انتزعت من المملكة تحت الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر. ويشكل ذلك "خطا أحمر" بالنسبة إلى الجزائر، وقد يؤدي إلى اتهام الكاتب بـ"المساس بسلامة ووحدة الوطن"

وهو ما جعل وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تنتقد فرنسا الجمعة لدفاعها عن "منكر يشكك في وجود الجزائر واستقلالها وتاريخها وسيادتها وحدودها"، واصفة الكاتب بأنه "دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر".

بوعلام صنصال من الأسماء البارزة في الأدب المعاصر الناطق بالفرنسية، يعرف بكتاباته الملتزمة ضد الظلامية ومن أجل الديموقراطية، من دون محرمات، وبأسلوب لاذع في بعض الأحيان.كما وصفته وكالة الانباء الفرنسية.

 بدأ بوعلام صنصال المولود عام 1949 في الجزائر، لأب من أصل مغربي وأم تلقت تعليما فرنسيا، الكتابة في عمر 48 عاما، ونشر روايته الأولى "قسم المتوحشين"بعد عامين على ذلك. ويروي في هذا الكتاب صعود قوة الأصوليين الذي ساهم في إغراق الجزائر في عقد من الحرب الأهلية التي خلفت 200 ألف قتيل بين عامي 1992 و2002. وبعدما كان مدرسا ورجل أعمال وموظفا حكوميا كبيرا، فصل من وزارة الصناعة عام 2003 بسبب موقفه النقدي ضد الحكومة، ولا سيما فيما يتعلق بتعريب التعليم. تقول نفس الوكالة.

بوعلام صنصال يؤذي اليوم ثمن جرأته، وترديده لحقيقة تاريخية بالمنطقة، وهو عملية البتر التي قامت بها فرنسا الاستعمارية لصالحها عندما كانت بالجزائر، والمقصود الصحراء الشرقية والعديد من المناطق بالشمال الشرقي، وهي مازالت مناطق تتميز بممارستها للعادات وثقافة مغربية وهو ما يجعل جزءا كبيرا من المغرب التاريخي جزءا من أراضي الجمهورية الجزائرية اليوم. الادلاء بهذه الحقيقة جعلت النظام الجزائري حسب عدد من المتتبعين، يتهم الكاتب بوعلام صنصال " بالمساس بسلامة ووحدة الوطن"، مما سيجعل النظام متشددا اتجاهه خاصة ان أصول عائلته مغربية، مما سيسهل الصاق العديد من التهم به كما هو متداول بالأعلام الجزائري وشبكاته الاجتماعية.

كما ان اغلب كتبه منعت ببلده الأصلي الجزائر ويتم اتهامه بمعادات الإسلام وهي التهمة التي رد عليها بالقول "لم أقل قط أي شيء ضد الإسلام من شأنه أن يبرر هذا الاتهام"، لكن "ما لم أتوقف عن إدانته هو استغلال الإسلام لأغراض سياسية واجتماعية".

الحكومة الفرنسية والاليزيه يحاولان حل هذه القضية بعيدا عن الجدل، لهذا تجنب أعضاء الحكومة التعليق على هذا الاعتقال للكاتب بوعلام صنصال. وتقع هذه الأحداث في سياق دبلوماسي متوتر بين فرنسا والجزائر، بعد دعم باريس للوحدة الترابية للمغرب على اقاليمه الجنوبية المغربية وهو ما يعاكس اطماعها بالمنطقة.