أبرزت سليمة فراجي، المحامية بهيئة وجدة، أهمية قرار المحكمة الجنائية الدولية المتعلق بإصدار مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة وحرب الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني.
وأضافت فراجي، التي كانت ضمن الوفد المغربي في أشغال المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب المنعقد بمراكش، أن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك قوة شرطة خاصة بها، الشيء الذي يجعلها تعتمد على إرادة الدول الأعضاء.خاصة أن الدول غير الموقعة على نظام روما الأساسي، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، تعرقل في أغلب الحالات عمل المحكمة وقراراتها استنادا إلى الصراعات السياسية والمصالح الجيوسياسية التي عادة ما تعرقل عملية التنفيذ.
وأضافت المحامية سليمة فراجي: "تعتمد المحكمة الجنائية الدولية على تعاون الدول الأعضاء والتي صادقت على نظام روما الأساسي لتنفيذ مذكرات الاعتقال، وان الدول الأعضاء ملزمة قانونيًا بموجب المادة 89 من نظام روما الأساسي باعتقال وتسليم الأشخاص المطلوبين.
وللإشارة فقد دخل نظام المحكمة الجنائية الأساسي حيز الوجود في يوليوز 2002 لتباشر اختصاصها بأثر فوري، ولا تنظر إلا في الجرائم التي وقعت تاريخ دخول النظام الأساسي حيز التنفيذ أو في تاريخ لاحق عليه، وتختص بالنظر في أربع جرائم وهي جرائم الإبادة الجماعية، كقتل أفراد الجماعة أو إلحاق الأضرار الجسدية العقلية الجسيمة بأفراد الجماعة، والجرائم ضد الإنسانية كالقتل العمد والاسترقاق وإبعاد السكان أو النقل القسري أو التعذيب، وجرائم الحرب كالانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وجريمة العدوان..
وإذا كان من الثابت أن هناك أماكن مشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني، وأن التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية واجب على أطراف النزاع وحتى الأقوياء منهم، على اعتبار أن هناك هدفا عسكريا وعينا مدنية، فالهدف العسكري هو الذي يسهم إسهاما فعالا في العمل العسكري بسبب موقعه أو الغاية منه أو استعماله، ويكون هذا الإسهام بطبيعته كالسلاح المتمثل في الذخيرة الحربية أو الدبابات أو المدافع أو الصواريخ، إذ لا تصلح هذه المعدات إلا للحرب، أو بسبب موقعه كتل مرتفع أو مضيق أو جبل إذ يتم الإشراف من هذه المرتفعات أو الجبال على السفن أو الأفراد. ويكون الهدف عسكريا كذلك حسب الغاية من العين التي تكون ظاهريا بريئة ولكن غايتها هي الإسهام في العمل العسكري. أما الأعيان المدنية الواضحة فتتمثل في المنشآت الصحية وسيارات الإسعاف ووسائل العلاج والمدارس والأعيان ذات الصلة الدينية والروحية كالمساجد والكنيس والكنيسة والمعابد.
علما أنه في حرب الإبادة في غزة لم يتم التمييز بين الأهداف العسكرية والأخرى المدنية من أجل حماية المدنيين، والابتعاد عنهم، علما أن واجب الدفاع على الأعيان يقع على عاتق المدافع والمهاجم معا، إلا أن المهاجم قد يدعي أنه تم وضع أهداف مدنية أمام الأهداف العسكرية كالدروع البشرية مثلا… لذلك، فإن الاتفاق على التمييز يحظر الهجومات العشوائية، كما يحظر الضرب المساحي أو القصف السجادي على اعتبار أن مبدأ التمييز يلزم بضرب الهدف العسكري، كما يلزم باستعمال سلاح دقيق لعدم إصابة الأهداف المدنية، إلا أن لمبدأ التمييز هذا تحديات أولها عدم وجود ميدان للمعركة وبذلك يصعب التمييز، وثانيها هو وضع المعدات والأسلحة وسط أعيان مدنية في الحروب غير المتكافئة والحروب الأهلية وحروب التحرير والمليشيات، علما أن معادلة التناسب في النزاعات المسلحة تمكن القادة من خلق التوازن بين الاعتبارات الإنسانية والضرورات العسكرية بصفتها مبررا للعنف!
لكن لما يتم قصف المستشفيات والمستوصفات وإبادة وحرق الأطفال وتدمير الأهداف المدنية دون أدنى مراعاة لقواعد القانون الدولي الإنساني، إذ لم نعد نواجه سوى بتوازن الرعب، والانتصار للدمار وفظاعة يشيب لها الرضع، آنذاك نتساءل عن جدوى القانون الدولي الإنساني الذي يسعى إلى خلق التوازن والتناسب بين الضرورة العسكرية والاعتبارات الإنسانية وقانون حقوق الإنسان وآلياته.
ونتساءل عن جدوى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب الذين ثبتت في حقهم بالصوت والصورة انتهاكات اتفاقيات جنيف، خصوصا اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاع المسلح والاحتلال الحربي، إذ يتم قصف الأعيان المدنية بصفة ظاهرة ناهيك عن مختلف الجرائم ضد الإنسانية في بؤر التوتر. لذلك، فلا الشعارات تمكنت من إيجاد حماية للأطفال الأبرياء والمدنيين العزل، ولا التهديدات والتنديدات حالت دون ارتكاب المجازر في حق الإنسانية، ولا القانون الدولي الإنساني تمكن من إيجاد مظلة أمان لهؤلاء الأبرياء، ولا المحكمة الجنائية الدولية تمكنت من ملاحقة مجرمي الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية، بالرغم من كون تكلفتها فاقت مليار دولار وأنها لم تصدر سوى بعض الاحكام ، شهد العالم فيها أبشع صور التنكيل والتعذيب والتهجير، علما أن مبدأ التكامل الذي تخضع له لا يجعل الاختصاص ينعقد لها إلا في حالة كون الدولة التي لها الولاية على الدعوى إما غير قادرة على الملاحقة أو المحاكمة بسبب انهيار جهازها القضائي مثلا أو غير راغبة في محاكمة مجرمي الحرب أو إجراء محاكمة تمويهية لتمكينهم من الإفلات من العقاب، أو في حالة خرق مبدأ المحاكمة العادلة! علما بأنه بإمكان مجلس الأمن أن يحيل أي متهم على المحكمة الجنائية الدولية دون اشتراط أن يكون أحد رعايا دولة طرف في نظام روما أو تكون الجريمة قد ارتكبت في إقليم دولة طرف. وقد سبق لمجلس الأمن أن أحال حالات على المحكمة كقضية دارفور السودانية، كما أن للمدعي العام للمحكمة مباشرة التحقيقات بناء على معلومات يتلقاها من مصادر موثوقة دونما حاجة إلى تلقي طلب إحالة من مجلس الأمن أو من دولة طرف..
وبخصوص محاربة الافلات من العقاب نجد المادة الـ29 من النظام الاساسي تنص على عدم سريان التقادم في حق مرتكبي الانتهاكات ومجرمي الحرب.
تلك نبذة عن هذه المحكمة التي يتطلب الأمر تقوية صلاحياتها عن طريق إصلاحات داخلية لنظام روما الأساسي مع زيادة الدعم الدولي والضغط على الدول الكبرى لاحترام قرارات المحكمة وتعزير التعاون بين المحكمة والمجتمع المدني لتعقب المتهمين وتحقيق العدالة.