بقلم الدكتور أنور الشرقاوي بتعاون مع الدكتور بونهير بومهدي، طبيب مختص في الأشعة
منذ أقدم العصور، كان هناك سعي حثيث وطموح لا يُقهر لرؤية ما هو غير مرئي داخل جسم الإنسان.
كان الأطباء يعالجون المرضى بكل ما أوتوا من علم وتجربة، مستعينين بخبرتهم وحدسهم، إلا أن غشاوة غامضة كانت تحول دون الكشف عن الحقيقة الكاملة لمعاناة المرضى.
حلم هؤلاء الأطباء بمرآة سحرية تكشف لهم ما يختبئ تحت الجلد، مرآة تُظهر أسرار العظام والأعضاء والأنسجة. ولم تكن هذه المرآة – التي نعرفها اليوم باسم التصوير الطبقي أو السكانير – سوى فكرة عابرة في خيال الحالمين الأكثر جرأة.
وفي يوم من الأيام، ظهر في الأفق مخترع يُدعى السير غودفري هاونسفيلد Sir Godfrey Hounsfield.
كان هذا الرجل، رغم تواضعه وهدوئه، يملك خيالاً لا حدود له وعقلاً فضولياً يدفعه لتحدي ما هو مألوف في عصره.
كان هذا الرجل، رغم تواضعه وهدوئه، يملك خيالاً لا حدود له وعقلاً فضولياً يدفعه لتحدي ما هو مألوف في عصره.
عمل في شركة غامضة تُدعى EMI، اشتهرت بإنتاج الموسيقى، لكن هاونسفيلد كانت له طموحات أخرى.
انكبّ على دراسة الكتب العلمية والرياضية، يقوده حلم غريب أثار فضوله: "ماذا لو تمكنا من التقاط صور لما يكمن في أعماق جسم الإنسان باستخدام أشعة غير مرئية؟
أيمكن لأشعة إكس، التي تُستخدم لرؤية العظام، أن تكشف عن المزيد؟" ومن هنا، بدأ رحلته، يعمل ليل نهار في ورشته الصغيرة.
أدرك هاونسفيلد أن الأمر يتطلب أكثر من شعاع بسيط لكشف خفايا الجسم.
فاخترع جهازاً قادراً على إرسال الأشعة في اتجاهات متعددة حول الجسم، ثم جمع هذه البيانات ليعيد تركيبها كقطع أحجية ثلاثية الأبعاد.
فاخترع جهازاً قادراً على إرسال الأشعة في اتجاهات متعددة حول الجسم، ثم جمع هذه البيانات ليعيد تركيبها كقطع أحجية ثلاثية الأبعاد.
تخيل هاونسفيلد رقصاً بين أشعة إكس وبلورة صغيرة تلتقط الصور وهي تدور حول المريض، كفارس وفيّ يحرسه. وهكذا، وُلدت أولى ملامح جهاز السكانير.
وفي عام 1971، تحوّلت الفكرة إلى واقع، وانبثقت الحياة في هذه الآلة العجيبة.
بدت مثل قوس غامض يضيء بأضواء وأزرار، حيث يُدعى المرضى للاستلقاء بداخلها، وكأنهم يستعدون لرحلة إلى عالم آخر.
بدت مثل قوس غامض يضيء بأضواء وأزرار، حيث يُدعى المرضى للاستلقاء بداخلها، وكأنهم يستعدون لرحلة إلى عالم آخر.
شعر أول المرضى الذين جربوا السكانير بالخوف، لكنهم سرعان ما انبهروا بما كشفه جهاز السكانير.
ولأول مرة، تمكن الأطباء من رؤية أعماق أجساد مرضاهم دون حاجة إلى فتحها!
كانت الصور التي ينتجها السكانير أشبه بخرائط سرية لأراضٍ مجهولة.
بدأت الأدمغة، القلوب، الرئات، وأعضاء أخرى في كشف أسرارها.
بفضل جهاز السكانير، استطاع الأطباء الكشف عن الأورام الخفية، والالتهابات، والإصابات. وسرعان ما أصبح هذا الجهاز آلية كشف ثمينة في كل مستشفى.
وكانت هذه مجرد البداية!
مع مرور الوقت، أصبح جهاز السكانير أكثر دقة وسرعة وراحة.
مع مرور الوقت، أصبح جهاز السكانير أكثر دقة وسرعة وراحة.
واستمر العلماء والباحثون في عالم التكنولوجيا، مستلهمين من هذا الاختراع، في تحسينه، مما مكّن الأطباء من رؤية تفاصيل لم تخطر ببال، وإنقاذ أرواح لا تُحصى.
أما السير هاونسفيلد، فقد نال تقدير العالم لإنجازه الذي غيّر مسار الطب إلى الأبد. وتُوج باحترام عالمي بجائزة نوبل، تكريماً يليق بأبطال حقيقيين.
واستمر جهاز السكانير في التطور، ليصبح رفيقاً صامتاً ووفياً لكل الأطباء، يلبّي النداء في كل مرة يُطلب منه حل لغز طبي.
وحتى يومنا هذا، يستفيد ملايين المرضى من هذه الآلة الساحرة. وهكذا، تحول حلم رؤية اللامرئي إلى حقيقة، وواصل روح الابتكار التي بثها السير هاونسفيلد العيش في كل صورة تُلتقط بواسطة جهاز السكانير، هذه المرآة السحرية لجسد الإنسان.
وهكذا، وُلِد الأمل في عوالم المرضى والأطباء، ومنذ ذلك اليوم، بات اللامرئي مرئياً أخيراً.