يذهب تقرير اللجنة الأوروبية الى أن الاختلاسات في المساعدات الانسانية منذ منتصف السبعينات تفسر تضخيم أرصدة قادة البوليساريو وجنرالات الجزائر بالخارج، وحذر من استغلالها في تغذية الإرهاب في الازمة الليبية وعدم الاستقرار بمنطقة الساحل الذي يهدد منطقة شمال افريقيا.
وأوصى تقرير اللجنة الأوروبية بضرورة تسوية مشكل إحصاء ساكنة تندوف الناتج عن معارضة الجزائر والبوليساريو، وذلك بشكل يتنافى مع قرار منظمة الأمم المتحدة في الموضوع، ويعتبر المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال أن أهم الأسباب التي تتيح سبل الاختلاس تتمثل في التقدير المبالغ فيه لعدد سكان مخيمات تندوف، وبالتالي تضخيم حجم المساعدات المقدمة.
فالبوليساريو تدعي أن عدد اللاجئين في هذه المخيمات يفوق 160 ألف لاجئ في الوقت الذي لا يتجاوز العدد الحقيقي ال 50 ألفا. بينما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقدم دعما ماليا ل 160 ألف لاجئ وهو ما يطرح سؤال أين يذهب هذا الدعم الفائض مع سياسة التجويع والتي أفضت الى حركة تمردية داخلية.
ومن أسباب رفض إحصاء السكان المحتجزين في مخيمات تندوف يعود بـ”سياسة استقطاب وتوظيف الرحل كصحراويين يمثلون قوة بشرية ضد المغرب” و التي نهجتها البوليساريو والجزائر، التركيز على عددهم لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إن قضية ما يسمى ب "اللاجئين الصحراويين" أصبحت في الواقع عبارة عن " مقاولة تجارية عابرة للحدود " يستفيد منها الجزائر و قادة جبهة " البوليساريو، لقد قدر النائب في البرلمان الاوروبي جيل بارنو، حجم المساعدات التي يتم سرقتها سنويا بـ10 ملايين أورو.
إن الاجماع الدولي حول مقترح الحكم الذاتي يشكل ضربة موجعة للأطروحة الانفصالية وتصدعا قويا في بنيان البوليساريو مما أزعج قيادتها التي ترفض إحصاء السكان المحتجزين وتتاجر بحق الشعب في تقرير المصير كورقة ابتزاز للحصول على المساعدة الانسانية من طرف المجتمع الدولي، وانشاء "منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بتندوف" يؤكد بشكل جلي وجود اتجاه قوي داخل ساكنة تندوف وداخل مكونات البوليساريو يؤمن بمشروعية الاقتراح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء المغربية في اطار السيادة المغربية.
ما هو موقف المجتمع الدولي من وضعية المدنيين المحتجزين التي جاءت في الخطاب الملكي وأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق؟
أجمعت العديد من التقارير الدولية على قيام ميليشيات البوليساريو بالتجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف، حيث يتم اجبارهم للانضمام للقوات الانفصالية بواسطة القوة وفصلهم عن عائلاتهم أو ينتزعون من بيوتهم وتهديد ذويهم بالتعرض للقتل أو التشويه أو الاعتداء الجنسي أو أي شكل آخر من أشكال الاستغلال.
وأضافت هذه التقارير الدولية أن التجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف، أضحى مشكلة إنسانية خطيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث يجبر أطفال مخيمات بتندوف على حمل السلاح والمشاركة في القتال واستخدامهم لأداء أدوار داعمة مثل حمل الإمدادات، وهو ما يشكل جريمة حرب يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي.
إن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تمثل حجر الزاوية لضمان حماية الاطفال المحتجزين بمخيمات تندوف من طرف ميليشيات البوليساريو، وذلك بتحريم التجنيد العسكري للأطفال واستغلالهم جنسيا أو في المتاجرة في الممنوعات كشكل من أشكال الاعتداء على المدنيين. فالباب الثاني والباب الثالث من الاتفاقية الرابعة لجنيف يشكلان مرجعية اساسية للقانون الدولي الانساني تفرض على البوليساريو والجزائر كأطراف في النزاع على الصحراء المغربية ضمان السلامة الجسدية والأمنية للأطفال المحتجزين بتندوف وتلبية احتياجاتهم في مجال التعليم والرعاية الصحية وعدم اشراكهم في العمليات العسكرية وحمايتهم من جميع أساليب القتل والترهيب والتخويف والأعمال الانتقامية.
كما تؤكد التقارير الدولية على أن البوليساريو تفرض حصارا على المدنيين وتحجزهم في معتقلات بالمخيمات بهدف منعهم من التنقل و مغادرة اماكن الاحتجاز وتمنع عنهم ابسط المستلزمات الضرورية لحياة البشر مما يؤدي الى ارتفاع معدل الوفيات في صفوف الأطفال والرضع والنساء الحوامل من جراء تجويع المدنيين في تندوف، وهو ما يؤكد بما لا يدعو إلى الشك أن هناك سياسة ممنهجة من طرف البوليساريو تندرج في اطار الاعمال الانتقامية تروم ارتكاب انتهاكات جسيمة في حق المدنيين بتندوف، بالرغم من ان مقتضيات القانون الدولي الانساني تلزم البوليساريو باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين بإنشاء مناطق وأماكن آمنة تأوي النساء والأطفال والعجزة وتأمين المواد الغذائية ومواد الإغاثة الضرورية لصحة المدنيين والحوامل والأطفال، وهو ما يثير المسؤولية الجنائية الفردية للمسؤولين في جبهة البوليساريو.
لقد نشر المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال تقريرا يكشف فيه عن عمليات التحويل والمتاجرة في المساعدات الانسانية الخاصة بالمدنيين في مخيمات تندوف والتي تقوم بها البوليساريو وبعض القادة الجزائريين. ويتعلق الأمر بجريمة منظمة ترتكبها مافيا تشتغل في التهريب والاختلاس من خلال تحويل المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة لساكنة مخيمات تندوف.
وخلص تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، أن المدنيين المحتجزين في مخيمات تندوف، يمثلون أصلا تجاريا يدر أرباحا طائلة على قادة “البوليساريو” والمتواطئين معهم من القادة العسكريين الجزائريين. ففي ميناء وهران بالجزائر تصل المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة لمخيمات تندوف، وبعدها تقوم مافيا التهريب التي تشتغل تحت قيادة مجموعة من القادة العسكريين الجزائريين والبوليساريو بسرقة المساعدات الإنسانية. ويؤكد المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال أن عمليات الاختلاس تعرف عدة اشكال مختلفة. الاول يكمن في بيع ثلث المساعدات الغذائية محليا أو في مناطق أخرى. الشكل الثاني يتجلى في قيام المهربين ببيع المساعدات والأغذية ذات الجودة العالية المخصصة لسكان المخيمات واستبدالها بأغذية ذات جودة أقل، الشكل الثالث يكمن في بيع المساعدات الانسانية على امتداد الطريق من ميناء وهران الى تندوف، والتي يستفيد منها قادة البوليساريو ونخبة من الجنرالات الجزائريين.
وبعد وصول ما تبقى من المساعدات الانسانية الى تندوف، يتم فرزها وتوزيعها على مستودعات التخزين الرسمية والسرية. ورصد تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال وجود العديد من المستودعات السرية تحت اشراف قيادة البوليساريو والتي تبيع المساعدات الانسانية الى ساكنة المخيمات. هذا في حين أن المستودعات الرسمية تبقى دائما فارغة ومفتوحة بهدف استقبال الزيارات الاجنبية ومن أجل طلب مساعدات إضافية.
والأدهى من ذلك، يضيف التقرير، أن المساعدات الانسانية في شكل الاغذية والادوية والاغطية التي تصل إلى مخيمات تندوف يتم بيعها للسكان عوض توزيعها عليهم بالمجان، توضع في أكياس بغية بيعها في الأسواق الجزائرية والموريتانية والمالية. ويشير المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال إلى الأرباح التي تحصل عليها البوليساريو من الدعم المالي لإعادة هيكلة البنيات التحتية بتندوف والتي تبين أنها تتم بفضل يد عاملة مجانية، تتشكل من الأسرى، في الوقت الذي يدفع فيه المانحون الدوليون مقابلا لتمويلها.
ماهي سياقات تسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي التي تحدث عنها جلالة الملك في الخطاب السامي، في إطار الشراكة والتعاون، للحصول على منفذ على المحيط الأطلس؟
يندرج اقتراح العاهل المغربي المتعلق بتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي التي تحدث عنها جلالة الملك في الخطاب السامي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة. فجلالة الملك يولي اهتماما بالغا للعمق الافريقي للمغرب، فالخطاب الملكي يحمل بين طياته مرتكزات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والبيئية الجديدة للتعاون المغربي الافريقي والتي يمكن ملامستها في كون هذا الاقتراح هو بمثابة رسالة وفاء وعرفان لبلدان الساحل الى جانب دول غرب إفريقيا التي بقيت دائما متشبثة بالوحدة الترابية للمملكة وضرورة عودة المغرب منظمة الوحدة الافريقية، حيث اعتبر الرئيس السينغالي السابق عبدو ضيوف، أنه لا يمكن تصور هذه المنظمة بدون المغرب".
وعلى هذا الاساس، فإن مقترح تمكين دول الساحل على منفذ على المحيط الأطلسي يرتبط باستراتيجية التعاون المغربي الافريقي لمواجهة مجموعة من التحديات التي تتصل بمجالات البيئة منها الطاقات المتجددة وتامين الاكتفاء الغذائي. حيث تعتبر ازمة الطاقة والتغيرات المناخية من اهم التحديات التي تواجهها المنطقة، وذلك من منطلق المسؤولية للمملكة المغربية اتجاه الدول الافريقية جنوب الصحراء الأكثر تعرضا لآثار تغير المناخ. ولهذا الاعتبار، فإن مواجهة ازمة الطاقة، أضحت ضرورة انية لأفريقيا للتغلب على الاسباب التي تؤدي الى ارتفاع تكاليف الوقود ونقص التغذية، فالتأثير السلبي لتغير المناخ يلقي بظلاله على الاستقرار البشري و الأمن الدولي، وينعكس سلبا على الاقتصاد العالمي وصحة الانسان.
ويجمع المهتمون على ان اتفاقية COP 21 المنعقدة بمراكش اتخذت قرارات تاريخية تتجلى في خدمة مصالح دول جنوب الصحراء بدرجة اساسية منها وضع إجراءات عاجلة وفعالة اولا للحد من غازات الاحتباس الحراري التي تتسبب فيها الدول الصناعية، وهو ما يساهم في تغير وارتفاع كبير في درجات الحرارة في العالم، وثانيا خلق توازن بين التنمية المستدامة و الحفاظ على البيئة و التحول من الاعتماد على الطاقة التقليدية التي تمثل البترول و ما لها من تداعيات سواء من جراء استنزافها أو ما ينتج عنها من ملوثات على صحة الإنسان و على البيئة إلى البحث عن الطاقات البديلة والمتجددة و النظيفة التي تتسم بالاستمرار و تعتمد على معطيات البيئة لتشكل أداة للتنمية الاقتصادية في قطاعات الفلاحة والصناعة والبنيات التحتية والإسكان والسياحة.
ومن هذا المنطلق، فمستقبل الطاقات البديلة والمتجددة و النظيفة هو افريقيا التي تتمتع ب 325 يوم من الشمس في السنة والتي يمكن توظيفها في الطاقة الكهرومائية. وجلالة الملك أكد على استعداد المغرب لتقاسم تجربته الرائدة في مجال الطاقات المتجددة مع افريقيا كمرجعية نقل التكنولوجيا وعبر برامج التكوين والتخصص التقني والبحث لفائدة الدول الافريقية التي تعاني من غلاء الطاقة. والمجالات التي يمكن للمغرب ان يساهم في تأهيل الصناعة المرتبطة بالطاقة المتجددة.
في نفس السياق، ان افتتاح الدول الافريقية للقنصليات الدبلوماسية بالعيون والداخلة هو نتاج لهذا البعد الاستراتيجي والسياسي والدبلوماسي للملك محمد السادس، ففي الذكرى الواحد والاربعين اتخذ الملك محمد السادس قرار القاء الخطاب بمناسبة المسيرة الخضراء من دكار عاصمة السنغال من قلب إفريقيا والذي تحكمه أبعاد استراتيجية، فالمغرب اتخذ قرار تاريخي يتسم بالحكمة والموضوعية بعودته الطبيعية الى منظمة الوحدة الافريقية، قرار أملته اعتبارات جمعت بين التاريخ والجغرافية، فاختيار السنغال هي بمثابة رسالة وفاء وعرفان للدول الافريقية المشاركة في المسيرة الخضراء عام 1975، والتي بقيت دائما متشبثة بالوحدة الترابية ، وجلالة الملك اشار في خطابه السامي بأنه "لن ينسى المغاربة الموقف التضامني الشجاع للسنغال"، فالملك محمد السادس توقف عند "البعد القاري للتعاون المغربي الافريقي مع الحفاظ على العلاقات التقليدية والموروث التاريخي التي يجمع بلدنا مع إفريقيا".