السبت 23 نوفمبر 2024
فن وثقافة

في برنامج "قْهَيْوَةْ وَلَّا أَتَايْ": الإذاعي محمد البوكيلي يكشف كواليس الإذاعة الوطنية في مرحلة هيمنة الداخلية على الإعلام

في برنامج "قْهَيْوَةْ وَلَّا أَتَايْ": الإذاعي محمد البوكيلي يكشف كواليس الإذاعة الوطنية في مرحلة هيمنة الداخلية على الإعلام الإذاعي محمد البوكيلي والزميل عتيق بن شيكر
استضاف الزميل عتيق بن شيكر في برنامجه الشيّق "قْهَيْوَةْ وَلَّا أَتَايْ"، الذي تبثه قناة "شدى تيفي"، الإذاعي محمد البوكيلي الذي كان، مع ثلة من نجوم الإعلام، يصنع الحدث عبر أثير "الراديو" من أجل خلق المتعة داخل البيوت وإسعاد الناس. 

وذكر ضيف البرنامج بأن جيل الإعلاميين الذين رافقهم مهنيا، كانوا يحبون مهنتهم، ويعشقون العمل الإذاعي. كما كشف أنه نشأ في الوسط المسرحي، وهو مازال يافعا، في حضن "فرقة الغد" و "فرقة العمل المسرحي" بمدينة مكناس، وعايش، حينئذ، كل من الدكتور حسن لمنيعي والمسرحي عبد الهادي بوزوبع رحمهما الله. وبعد ذلك، سيشتغل موظفا بقطاع البريد بمدينة الرباط، قادما إليها من مكناس، وفي تلك الفترة انطلق مشواره الإعلامي كمتعاون في الوقت نفسه مع الإذاعة الوطنية بالرباط.

استحضر الضيف، في سياق حديثه عن المسرح، حضور المسرح في حياته. وذكر أن أول شيء قرأه عنه كانت مجلة "المسرح" التي قدمها له الدكتور حسن لمنيعي، والتي كانت تصدر من القاهرة، وهي المجلة الوحيدة التي كان يتداولها المهتمون بالمسرح آنذاك. وأضاف بأنه كان يمني النفس بأن ينضم إلى فرقة مسرحية بالرباط لممارسة هوايته المسرحية بموازاة مع وظيفته بقطاع البريد، لكنه لم يجد ضالته الفنية وقتئذ تستجيب لطموحاته وتطلعاته على مستوى الكتابة النصية، باستثناء ما كان يقدمه الفنان محمد الجم بمدينة سلا.

وأوضح في سياق متصل بأنه تلقى في تلك الفترة اقتراحا بالعمل مع بعض الأسماء التي تشتغل على أعمال مسرحية متلفزة، حيث سيساهم بأول عمل مسرحي كان قد اقتبسه العربي بلشهب رحمه الله، الذي كان مختصا في تلقين الشباب كيفية إلقاء نصوص باللغة العربية. وفي مرحلة تالية، ونظرا لقلة المذيعين، طُلِبَ من محمد البوكيلي أن يقدم برنامجا إذاعيا مكتوبا كان يقدمه إدريس الجاي، حيث قدم بعض حلقاته وتوالت عملية تسجيل حلقات البرنامج مع مجموعة من المنتجين والمثقفين، ويتذكر أنه قرأ عدة نصوص مكتوبة لبعض الكتاب في نفس البرنامج.

وحسب الورقة التقديمية للزميل عتيق بن شيكر، فإن ضيفه انتقل من العمل المسرحي الإذاعي إلى التذييع خلال فترة السبعينيات، حيث كان يقرأ بعض النصوص عبر أثير الإذاعة خلسة بدون علم الإذاعي الصارم المرحوم بنددوش، حيث أوضح بأن بعض منتجي النصوص المكتوبة كانوا يطلبون منه قراءتها عبر الإذاعة مقابل 20 درهم للنص/الحلقة، وأحيانا كان يسجل ما بين ثلاث إلى أربع حلقات في اليوم، وينصرف إلى عمله في البريد، وكان محمد بنددوش رحمه الله يستمع للبرنامج، ويوقع صرف تعويضات محمد البوكيلي دون أن يعرفه. وعن هذه الفترة أشار إلى أن التعويض الشهري عن قراءته للنصوص كان يتجاوز بكثير أجرة الموظف العمومي.

وعن سؤال حساسية الانتقال إلى مرحلة "هيمنة الداخلية على الإعلام" التي طوت مرحلة الإبداع الجماعي ومفهوم الرقابة الذاتية بعيدا عن الرقابة الإدارية، أوضح محمد البوكيلي بأن تلك الفترة عرفت ضغطا من طرف أحزاب المعارضة القوية، والصحافة، وبالخصوص جريدة الاتحاد الاشتراكي وجريدة العلم. وأضاف موضحا بأن الداخلية بعد مجيئها إلى الإذاعة والتلفزيون تعاملت مع البرامج بنوع من الذكاء، حيث لم تفرض توقيف البرامج السابقة، ولكن بدأ تأطير الداخلية من بعيد، مؤكدا بأنه لم يكن هناك أي منع، في حين أصبحت الرقابة الذاتية مبالغ فيها في بعض الأحيان. واستحضر اسم عبد الرحمن عاشور كمدير قادم من الداخلية، والذي كان يتميز بشجاعته ويتحمل مسؤوليته الإدارية.

إلى ذلك أعطى محمد البوكيلي مثالا عن البرنامج الإذاعي الخاص بليالي رمضان الموسوم بشعار: "المرأة والمسؤولية"، والذي كان يبث من الساعة 12 ليلا إلى الثالثة صباحا، حيث استضاف حينئذ الكاتبة فاطمة المرنيسي، والأستاذة الجامعية فاطمة الزهراء طموح، ثم الصانعة التقليدية رابحة الطويل، فضلا عن استقبال المكالمات الهاتفية لمجموعة من المستمعات والمستمعين، حيث عرف البرنامج انتقادات كثيرة وقوية ذات الصلة بالموضوع، مما عجل بتدخل وزير الداخلية إدريس البصري الذي هاتف بعض المسؤولين، وطالب بتوقيف البرنامج مدعيا أن الملك الراحل الحسن الثاني هو الذي أمر بذلك. وقد تطلب الأمر صياغة تقرير إداري في الموضوع ختم بشهادة عبد الرحمن عاشور مفادها أن: "هذا البرنامج يشرف عليه وينتجه ويقدمه أحسن ما نتوفر عليه من منتجين صحفيين بالإذاعة الوطنية".

وعن سؤال تجربة مغامرة إحداث خط هاتفي "متنفس"، وفسح المجال للاتصال المباشر للمواطنين لإبداء الرأي بكل حرية رغم أن المغرب كان يمر من ظروف سياسية خانقة للحريات وصراع اجتماعي حاد، أكد محمد البوكيلي بأنه قد عاش هذه التجربة التي كان مبدعها بن عبد السلام "هو مبدع ومايسترو هذه التجربة" مع ثلة من الإذاعيين المعدودين على رؤوس الأصابع، من أجل تكسير هذا الجدران، وفتح المجال للمستمعين والمستمعات لإبداء الرأي في برامج الإذاعة. وبدأت التجربة مع برنامج "ندوة المستمعين" وبعدها برنامج "الأحد لكم" الذي كان يتناول مواضيع كانت تعتبر طابوها حقيقيا.

يتذكر ضيف الزميل عتيق بن شيكر أنه خلال برنامج "أحداث السنة" الذي استقبلت فيه الإذاعة رؤساء تحرير الجرائد الوطنية، ومن بينهم رئيس تحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي آنذاك محمد البريني حيث استعرض ثلاث أحداث، منها "الإضرابات والاعتقالات.." كنقط سوداء عرفتها أحداث السنة، وبعد تشاور مع بن عبد السلام أشار على محمد البوكيلي بتمرير كل ما ذكره محمد البريني.

في سياق متصل، استحضر محمد البوكيلي البرنامج الثقافي والأدبي "الريشة والقناع" الذي كان يقدمه، وكانت تمرر فيه مواقف المثقفين والكتاب والمبدعين، إلى درجة أن عبد الرحمن عاشور اتصل به وأخبره بأن ـ أحد المحسوبين عن الحقل الثقافي ـ قد أسر له بأن ما يمرره محمد البوكيلي في برنامج "الريشة والقناع" لا تمرره صحف المعارضة، علما أن البوكيلي كان يتعامل مع مؤسسة اتحاد كتاب المغرب، ويعلم بأن الكاتب يستحيل أن يقول لك "العام زين" حسب قول ضيف "قْهَيْوَةْ وَأَتَايْ"؟ وأكد بأن الانفتاح الذي شهده الحقل الإذاعي في تلك المرحلة يحسب للربان بن عبد السلام الذي أحدث ثورة في المشهد السمعي البصري، والذي تتلمذ على يده ثلة من الإذاعيين في تلك الفترة مثل الجفان وبن عيسى الفاسي ورشيد الصباحي وغيرهم من الملتحقين بالإذاعة.

وعن تعيين البوكيلي في إذاعة طنجة بدل أيقونة العمل الإذاعي خالد مشبال، وهب الإذاعة التي كانت تتميز بنفس انفتاحي ولمسة فنية خاصة بعد منتصف الليل، والتي كان على رأسها المدير العام المايسترو خالد مشبال، في هذا السياق أشار ضيف عتيق بن شيكر إلى أن الراحل خالد مشبال كان يشارك في برامج إذاعة الرباط، واجتماعاتها قبل التحاقه بطنجة، ولم يمنح الضوء الأخضر ليقدم أي برنامج في إذاعة طنجة إلا بتنسيق مع رئيس المحطة، وأشار إلى أن بن عبد السلام عمل على استقطاب خالد مشبال، وطلب منه اقتراح برنامج يقدمه في إذاعة طنجة بتعاون مع إذاعة الرباط، وكان حينئذ "برنامج 180 دقيقة" يبث على الأمواج الوطنية يوم الأحد يتناوب عليه ثلاث إذاعيين في إطار عمل جماعي تتوزع فيه الفقرات بين الرباط وطنجة.

وشدد محمد البوكيلي على أن إذاعة طنجة وتوجه محمد بن عبد السلام في الإذاعة، يذكره بعدة أسماء وازنة التي ميزتها بصمة أحسن الأصوات الإذاعية، مثل محمد الغربي، وعبد السلام لمرابط، وأمينة السوسي، وشفيقة الصباح، وعبد اللطيف بن يحيى، وغيرهم، واعتبر في هذا السياق أن العمل الناجح هو العمل الجماعي من خلال تبلور أفكار داخل الاجتماعات.

وبدون شك، أكد ضيف برنامج "قْهَيْوَةْ وأَتَايْ" على أن إذاعة طنجة كانت متميزة خلال فترة خالد مشبال، وكانت تضاهي إذاعات عربية أخرى، وكانت لها الجرأة والمهنية، وأوضح بأنه قبل أن يلتحق بإذاعة طنجة، كان مقررا أن يلتحق بإذاعة أكادير. علما أنه كان يقدم برنامج "ضيف الزوال" في تلك الفترة، إلا أن اقتراح عبد الرحمن عاشور للذهاب لطنجة كمسؤول عن الإذاعة هناك فاجأه، حيث صارحه بمعاناته من إكراه السكن، إلا أنه وعده بحل هذا الإكراه.

ورغم أنه لا يتوفر على تفاصيل ملف إزاحة خالد مشبال من إذاعة طنجة ، قال محمد البوكيلي إن السبب هو إقدامه على تنظيم تظاهرات ثقافية بمدينة طنجة، إذ اعتبرت هذه الأنشطة مزعجة بالنسبة لبعض الجهات، موضحا بأن خالد مشبال شعر بأن هناك غضبة ما، لأنه لم تكن تفصله عن التقاعد سوى عشرة أشهر. مما جعله يطلب الإعفاء من مهامه الإذاعية بطنجة. واستحضر في هذا السياق بأن خالد مشبال استقبله بطريقة جيدة، ورافقه إلى عامل طنجة علال السعداوي وأوصاه به خيرا. وأضاف محمد البوكيلي بأن همه الوحيد كان هو المحافظة على متانة إذاعة طنجة وإضافة لمسته على عمل الراحل خالد مشبال.