Tuesday 22 July 2025
كتاب الرأي

عبد العزيز الخبشي: مجرد رأي.. الكارثة التي حلت فعلاً

عبد العزيز الخبشي: مجرد رأي.. الكارثة التي حلت فعلاً عبد العزيز الخبشي
لم نكن بحاجة إلى تهديد محمد أوجار بوقوع الكارثة في حال عدم فوز حزب الأحرار بالانتخابات المقبلة، لأن الكارثة قد حلت فعلاً حين فاز هذا الحزب نفسه وتصدر المشهد السياسي برئاسة حكومة لا تزال تتخبط في قراراتها وتتناقض مع وعودها، وتجهز على ما تبقى من أمل لدى المواطن المغربي الذي لم يعد يرى في المشهد السياسي سوى عبث سافر بمصيره، وتنكيل يومي بكرامته، واستنزاف منظم لجيبه، في غياب تام لأي رؤية اقتصادية أو اجتماعية قادرة على انتشال البلد من دوامة المديونية والتضخم وتغول لوبيات الريع.
 
لقد بدأ عهد حزب الأحرار تحت شعارات براقة، أوهم بها الطبقات الوسطى والفقيرة بأنها ستشهد انبعاثًا جديدًا في السياسات العمومية، وأن منطق الكفاءة والتدبير الرشيد سيحل محل الزبونية والمحسوبية، لكن سرعان ما تكشف زيف هذه الشعارات، وظهر جليًا أن الحزب لا يمثل سوى امتدادًا لنفس دوائر المصالح الكبرى التي اغتنت على حساب فقراء المغرب، بل إن قرارات الحكومة التي قادها لم تفعل سوى تعميق الجراح، حيث استُبدل التدبير بالشعارات، ووقع المواطن بين مطرقة الغلاء وسندان التهميش.
 
في عهد هذه الحكومة، ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني، فاق قدرة حتى الطبقة المتوسطة على التماسك، أما الطبقات الفقيرة والمهمشة، فقد تم دفعها نحو الهشاشة الكاملة. إن الخبز، والزيت، والخضر، والنقل، وكل متطلبات العيش اليومية، باتت تثقل كاهل الأسر المغربية، دون أن تقابلها أي سياسات دعم حقيقية أو تضامن اجتماعي فعلي. كل ما تقترحه الحكومة لا يعدو أن يكون ذرًا للرماد في العيون، أو تهربًا فجًا من المسؤولية عبر التذرع بالأزمات العالمية، بينما الحقيقة أن السياسات اللاشعبية التي انتهجها حزب الأحرار هي السبب الرئيسي في هذا الانهيار الاجتماعي.
 
ولعل قمة العبث ظهرت في قرار إلغاء شعيرة عيد الأضحى لدى فئات واسعة من المجتمع، ليس بقرار رسمي معلن، ولكن بواقع فرضته حكومة الغلاء على الأرض. لم تعد الأسرة المغربية قادرة على شراء الأضحية، وهو مؤشر كارثي لا على التراجع الاقتصادي فحسب، بل على الانهيار المعنوي الذي أصاب المغاربة. إنها الشعيرة التي كانت تشكل طقسًا جماعيًا يوحد الأسر، ويمنح بعضًا من الفرح الرمزي للأطفال والمعدمين، فإذا بها تُلغى قسرًا بفعل من قرر أن السوق الحرة أسمى من أي شعيرة أو قيمة اجتماعية.
 
أما عن التضخم، فقد بلغ مستويات تنذر بإفلاس حقيقي للقدرة الشرائية، في ظل صمت حكومي لا يليق إلا بأنظمة فاقدة لأي شرعية اجتماعية. ورغم الأرقام التي تقدمها المؤسسات الرسمية لتجميل الواقع، فإن المواطن يعلم أن جيبه هو المقياس الوحيد، وهو يعلم أن راتبه لم يعد يصمد أمام تكاليف الشهر الواحد، وأن الدين العمومي الذي تضاعف في ظل هذه الحكومة لن يدفعه الوزراء ولا الأثرياء، بل الفقراء الذين لم يجدوا بعد حتى لقمة يسدون بها رمق يومهم.
 
في المجال الاقتصادي، فشلت الحكومة في كل ما وعدت به. مناخ الأعمال لم يشهد تحسنًا حقيقيًا، والاستثمار الأجنبي لم يتدفق كما بشرت به الخطب، بل إن المستثمرين أنفسهم أصبحوا يتذمرون من مناخ بيروقراطي مغلق، تهيمن عليه لوبيات المال والمصالح، حيث لا تنفع الكفاءة ولا المشروع، بل مدى قربك من دوائر القرار والولاء للحزب الحاكم. في ظل هذا الوضع، لم تعد الدولة راعية للتوازنات الاقتصادية، بل أضحت أشبه بمقاولة تفكر بمنطق الربح والخسارة فقط، وتنسى أن ملايين المواطنين يقبعون في الهامش، بلا تعليم جيد، ولا صحة، ولا عمل لائق.
 
اجتماعيًا، نحن أمام حكومة عاجزة عن فهم تحولات المجتمع المغربي، حكومة لا تؤمن بالدولة الاجتماعية إلا في شعاراتها، بينما تعمق على الأرض الفوارق الطبقية، وتسحق النساء في القرى، وتزيد من عزلة الشباب، وتدفع بالمتقاعدين نحو المجهول. لقد خفضت هذه الحكومة حتى من جودة الحوار الاجتماعي، وتحولت من مؤسسة تنفيذية إلى أداة بيد أرباب المقاولات والبنوك. ومقابل كل هذا الخراب، ما زالت تُمارس نوعًا من الابتزاز العاطفي والسياسي حين يُقال إن البديل عن الحزب الحاكم هو “الخراب”، بينما الواقع أن الخراب هو ما نعيشه تحت هذا الحزب.
 
إن ما يتناسى محمد أوجار ومن معه، هو أن الديمقراطية لا تُبنى على التخويف، بل على التنافس الحر بين مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية. أما أن يتم تصوير الحزب الحاكم وكأنه “المنقذ الوحيد” من “الطوفان”، فذلك يذكرنا بخطاب الأنظمة التسلطية التي ترى في وجودها شرطًا لعدم انهيار الدولة، وهي بذلك تُلغي الشعب، وتستصغر وعيه، وتختزل الوطن في حزب، والحزب في زعيم.
 
الحقيقة أن الكارثة ليست فيما إذا لم يفز حزب الأحرار بالانتخابات المقبلة، بل في كونه فاز أصلاً، وساهم في كل ما نعانيه اليوم من غلاء وبطالة وتهميش. فالكارثة لم تعد احتمالاً، بل واقعة ملموسة، تطال كل بيت، وكل أسرة، وكل طفل لم يعد يجد حليبًا، وكل مريض ينتظر في طابور المستشفى، وكل شاب يهاجر عبر قوارب الموت. إنها الكارثة التي فُرضت علينا باسم الاستقرار، وأديرت بيد حكومة بلا رؤية، ولا قلب، ولا إحساس بمعاناة هذا الشعب الصامد.