بعد قرار بناء مسجد الحسن الثاني في أواخر الثمانينات من القرن 20 بالدار البيضاء، قررت السلطات ترحيل سكان المدينة القديمة (10 آلاف أسرة) بمبرر شق المحج الملكي. ولهذا الغرض خلق المشرع مدينة النسيم بجنوب غرب الدار البيضاء على مساحة 350 هكتار، على أساس أن تكون مدينة النسيم مكتملة البهاء بحلول الألفية الثالثة.
لكن للأسف، كان ذاك السقف الزمني مجرد حيلة من طرف الحكومة لاغتصاب الأراضي من مالكيها لإنجاز مشاريع عقارية تجارية، بدليل أن المحج الملكي لم يتم إنجازه، وسكان المدينة القديمة لم يتم ترحيلهم، ومدينة النسيم أضحت مجرد مدينة أشباح (لا مرافق عمومية ولا ساحات عمومية ولا حديقة ولا أسواق ولا إنارة عمومية في المستوى ولاطرق تربطها بالأحواض السكنية المجاورة...إلخ.).
ففي عام 1991 خلقت الدولة شركة بنكية لتتولى إنجاز مدينة النسيم، وبعد ثلاث سنوات انتبه المشرع أن قراره غير صائب، فقرر عام 1994 إحداث شركة «صوناداك» خوفا من اصطدام الشركة البنكية مع صندوق التجهيز الجماعي FEC، بالموازاة مع ذلك تم استصدار قرار لنزع ملكية الأراضي (350 هكتارا) بمبرر المنفعة العامة وفوض المشرع القرار للوكالة الحضرية للدار البيضاء.
من 1991 إلى 1998 ظل الجمود سيد الموقف لأن الشركة المكلفة بإنجاز مدينة النسيم اسمها «صوناداك»، بينما الأرض التي ستقام عليها المدينة كان ينبغي أن تدرج في اسم الوكالة الحضرية، مما عطل إجراءات الحيازة. إذ لتشتري صوناداك الأرض بثمن محدد كمنفعة عامة، كانت المحافطة العقارية تشترط أن تكون الأرض في اسم المشتري.
في 1998، استرجع المشرع وعيه القانوني وصحح غلطته، بجعل عمليات شراء الأراضي تتم في اسم «صوناداك» وليس الوكالة الحضرية. لأن الوزير القوي آنذاك (إدريس البصري) كان وصيا على الوكالة الحضرية وعلى «صوناداك»، فاختلطت عليه الأمور مما أثر على المونطاج المالي للعملية ككل.
1998-2001: كانت هي الفترة المشرقة لما كان محمد السعيدي، مديرا عاما لشركة «صوناداك»، إذ تم شراء حوالي 220 هكتار في اسم الشركة، وهي الحيازة التي لم تتم إضافة أي عقار عليها رغم تعاقب عدة مدراء على الشركة منذ 2002 إلى اليوم، اللهم مساحة صغيرة لم تتجاوز هكتارين. بالنظر إلى أن الشركة ستدخل مرحلة السبات منذ عام 2002.
بين 2002 و2005 عينت السلطات النعيمي مديرا عاما، وضخت الدولة 50 مليار سنتيم في ميزانية «صوناداك»، ومع ذلك لم تشهد مدينة النسيم أي إشراقات.
بين نهاية 2005 والنصف الأول من عام 2006، عينت السلطات مديرا جديدا - في شخص الليث - وهي الفترة التي عرفت فيها «صوناداك» اختناقا رهيبا وتم الحكم على مدينة النسيم بالإعدام بعدما «تجرجرت» الشركة في المحاكم منذ تلك الفترة إلى اليوم، فتعطلت مدينة النسيم وتم إقبار أحلام الملاكين الأصليين وأحلام السكان.
بعد عام ونصف (تحديدا في النصف الثاني من عام 2007) جاء مدير جديد لصوناداك - في شخص الحسني - الذي قضى خمسة أعوام على رأس المؤسسة، دون أن يتمكن من حل أي ملف عالق، اللهم ما يتعلق بتدخله لتصفية ملفات "الكريدي" العالقة بين سكان المدينة القديمة المرحلين والقرض العقاري والسياحي.
في عام 2008 ستقوم الدولة بمحاولة غسل العار وتبييض سمعتها عبر التحايل على الرأي العام بالقول إن صندوق الإيداع والتدبير سيشتري «صوناداك» ويحول مدينة النسيم إلى «حدائق بابل»، فإذا بصندوق الإيداع والتدبير يهرف على رصيد النسيم العقاري و«يفزع» سكان المدينة القديمة إلى مدينة الرحمة عبر شراء 1500 شقة لترحيلهم إلى هناك.
في عام 2013، بعد تناسل فضائح صندوق الإيداع والتدبير و«جرجرة» مسؤوليه بالمحاكم إثر فضيحة الحسيمة (ملف أنس العلمي ومن معه)، ستقوم الحكومة آنذاك، بتعيين العشفوبي، مديرا جديدا لصوناداك مكلفا بإحياء مشروع المحج الملكي وتهيئة مدينة النسيم. لكن لم تتمكن الشركة من إنجاز "ولو شي حفرة واحدة".
منذ تلك الفترة إلى الآن، ظلت الدولة تحول سنويا مليارين لشركة «صوناداك» لأداء الأجور وكراء المقر!دون أن يتململ ملف المحج الملكي أو بعث الروح في مدينة الأشباح (النسيم).
النتيجة ها هي ماثلة أمامنا: 100 ألف نسمة بالمدينة القديمة بالبيضاء مهددة بالتشرد على إيقاع «الترياب» و70 ألف نسمة تقطن حاليا بمدينة النسيم في عزلة أبدية وبدون مرافق. لم يرتكبوا أي جريمة سوى أنهم اختاروا السكن في مشروع رخصته الدولة وزكته الدولة وأشرفت عليه الدولة.
لينهض السؤال الموجع: ما الجدوى إذن من بناء مسجد الثاني إذا فشلت الدولة في إخراج المحج الملكي لحيز الوجود لضخ جرعة كبرى من الأوكسجين في أعظم مشروع للتهيئة العمرانية بوسط الدارالبيضاء؟!