السبت 28 سبتمبر 2024
اقتصاد

عبد السلام الصديقي: مقارنة مع إسبانيا وكوريا.. هذه هي الاختلالات أمام لحاق المغرب بالدول الصاعدة 

عبد السلام الصديقي: مقارنة مع إسبانيا وكوريا.. هذه هي الاختلالات أمام لحاق المغرب بالدول الصاعدة  عبد السلام الصديقي، دكتور في العلوم الاقتصادية ووزير سابق للتشغيل
يفسر عبد السلام الصديقي، دكتور في العلوم الاقتصادية ووزير سابق للتشغيل، أسباب تأخر المغرب في الدخول لقائمة الدول الصاعدة، في حين تمكنت بعض الدول التي كانت في نفس المستوى من النمو خلال الستينيات من القرن الماضي من تحقيق انتقالها نحو الصعود.
وأبرز في حوار مع
"أنفاس بريس"، أن النموذج التنموي الجديد قد حدد، والذي تم إعداده بشكل توافقي وبمنهجية تشاركية، أهدافا واضحةً ومرقمة لعام 2035 ووسائل تحقيقها. مؤكدا أن على كل القوى الحية للبلاد أن تنخرط في هذا الورش تحت قيادة الملك إذا كنا لا نريد أن نفوت الموعد مع التاريخ. فالفوز في السباق يتم بالاعتماد على الخيول الأصيلة وليس بالبط العرجاء.
 
 
 
 
ماهي أسباب تأخر المغرب في دخول نادي الدول الصاعدة؟ لماذا طالت مرحلة الانتقال إلى قائمة هذه الدول، خصوصا أن دولا كان لها المستوى الاقتصادي نفسه، وحققت في بداية الثمانينيات إقلاعها الاقتصادي، كما هو الحال بالنسبة لإسبانيا، كوريا الجنوبية..؟
سؤالك مهم. الجميع يضع نفس السؤال. على الرغم من أن المغرب قد حدد لنفسه أهدافًا للوصول إلى مصاف الدول الناشئة أو الصاعدة دون تحديد موعد دقيق، إلا أن هذا الهدف لم يتم بلوغه بعد، بينما تمكنت بعض الدول التي كانت في نفس المستوى من النمو خلال  الستينيات من القرن الماضي من تحقيق انتقالها نحو الصعود. بل الوصول إلى مرتبة الدول المتقدمة. مثال إسبانيا وكوريا الجنوبية يشهد على ذلك.
 
لإطلاع القارئ غير المطلع على موضوع النقاش، سيكون من المفيد في البداية توضيح ما نعنيه بـ "الصعود" أو الدول الناشئة. يتعلق هذا المفهوم المستخدم بشكل شائع في لغة المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بعدد من المؤشرات.إذ  يقع بلد ناشئ، الذي يُطلق عليه عليه "سوق ناشئ"، بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية. تتمتع هذه البلدان بنمو اقتصادي سريع، وزيادة في التصنيع، وتحسن في ظروف المعيشة. وهناك عدة شروط غالبًا ما تكون ضرورية لتصنيف بلد ما كبلد ناشئ:
1. نمو اقتصادي سريع مدعوم بتطور صناعي أو تحديث للبنية التحتية؛
2.اقتصاد متنوع؛
3. بنية تحتية حديثة وفعالة؛
4. فتح الأسواق الدولية مع تحسين القدرة التنافسية الاقتصادية وجاذبية الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛
5. بيئة اقتصادية مستقرة ومحفزة على الاستثمار؛
6. نمو ديموغرافي قوي، مصحوب بتمدن قوي مع قوة عاملة شابة وديناميكية، مما يعزز الطلب الداخلي؛
7. مستوى تعليم متقدم وخدمات صحية جيدةً تساهم في تحسين الإنتاجية والرفاهية العامة.
 
يمكننا إدخال معايير أخرى مثل مستوى مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، والنفقات العامة المخصصة للبحث العلمي والابتكار وغيرها من المؤشرات ....
 
وحينما نأخذ هذه المعايير بعين الاعتبار، ندرك أن المغرب لا يزال أمامه طريقا طويلا ليصبح دولة ناشئة ويشق طريقه نحو تنمية حقيقية. وإذا كان عدد من الدول قد تمكن من تحقيق الانتقال، فذلك لأن هناك أولاً إرادة سياسية، بالإضافة إلى الاستفادة من سياق دولي وإقليمي ملائم. لنأخذ مثال البلدين اللذين ذكرتهما، وهما إسبانيا وكوريا الجنوبية، فقد استفاد كل منهما من بعض الظروف المواتية. دون الخوض كثيرًا في هذه الإشكالية التي تم تناولها بشكل واسع في الأدبيات الاقتصادية، يجب أن نذكر باختصار البيانات التالية. أولاً، بالنسبة لإسبانيا، فقد نجح هذا البلد تمامًا في انتقاله الديمقراطي لتجاوز الحقبة الفرانكوية والدخول بشكل كامل في حياة ديمقراطية طبيعية مع تناوب ناجح بين القوى السياسية الرئيسية. ومن ناحية أخرى، فإن انضمام إسبانيا إلى المجموعةً  الاقتصادية الأوروبية في فاتح يناير 1986 قد خلق محفزًا حقيقيًا لتسريع التنمية، وذلك من خلال تدفق المساعدات الأوروبية وتفعيل صندوق التضامن بين الجهات.. لقد انجزت استثمارات ضخمة في البنية التحتية والبحث العلمي والقطاع الاجتماعي. اليوم، تُعتبر إسبانيا ليس فقط دولة ناشئة، بل دولة متقدمة، وعضو في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD).
 
كوريا الجنوبية، في سياق مختلف نسبيًا عن إسبانيا، استفادت بدورها، لأسباب جيوستراتيجية، من مساعدة كبيرة من طرف  الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الجهود المبذولة على المستوى الداخلي ودور الدولة البارز. يُطلق على نجاحها غالبًا اسم "معجزة  نهر هان"، في إشارة إلى التحول الاقتصادي الجذري الذي شهدته. هذه المعجزة تحققت من خلال تظافر العناصر التالية: قيادة سياسية قوية وتخطيط مركزي؛ استثمارات ضخمة في التعليم؛ تطوير ثقافة عمل تركز على الكفاءة، استثمار في البحث العلمي والابتكار التكنولوجي؛ وكانت الدولةً هي المبادر الأول في هذه العملية قبل انخراط المجموعات الخاصة التي يطلق عليها إسم "شيبول" من قبيل Samsung , Hyundai, LG التي تحولت إلى محرك ودينامو التصنيع.
 
ماذا عن المغرب؟
في ضوء التطورات السابقة، يمكننا القول إن المغرب يوجد في منتصف الطريق نحو الصعود. لقد أضعنا  الكثير من الوقت بعد الاستقلال في صراعات داخلية حول السلطة بين الفصائل السياسية المختلفة. كان البلد متردداً بين التخطيط وترك الأمور تسير على هواها، بين التدخلية والليبرالية المطلقة. وهو ما خلق مناخًا من عدم الثقة وتراجعًا في التعبئة في غياب المشاريع المحفزة باستثناء بناء طريق الوحدة وملحمة المسيرة الخضراء التي أعادت الأمل من خلال إطلاق المسلسل الديموقراطي والذي عرف بدوره فترات مد وجزر. ونستنتج من هذه السنوات التي يطلق عليها "سنوات الرصاص" إنجازين عظيمين: وضع أسس دولة حديثة مع ميل نحو الجانب القمعي، وبناء السدود الكبرى.
 
ومع تولي الملك الجديد العرش في ظروف هادئة نسبياً دخل المغرب عصرًا جديدًا، من خلال وضع أهداف استراتيجية وتحديد الاتجاه الذي يسير بنا إلى بر الأمان. على مدار ربع القرن هذا من الحكم الجديد، كانت النتائج أكثر من إيجابية. الأرقام تتحدث عن نفسها. وسيكون من الصعب سرد جميع الإنجازات حتى لو كنا لا نزال نسجل بعض نقاط العرقلة التي يجب حلها في أقرب وقت ممكن. وهكذا  تم تحقيق تقدم كبير في مجال البنية التحتية، وتم إطلاق برامج قطاعية في الزراعة، والصناعة، والسياحة، والرقمنة، والطاقة المتجددة، والمياه...كما أن الإصلاحات جارية في مجالات التعليم، والصحة، ومكافحة الفقر. بعض الإصلاحات تحقق نتائج جيدة، بينما تتعثر أخرى بسبب عدم التزام الفاعلين المكلفين بتتبع المشاريع..
 
وعلى الصعيد الدولي، نجح المغرب في تنويع علاقاته من خلال الانفتاح على القارة الإفريقية وإقامة شراكات متوازنة مع القوى الكبرى اعتمادا على سياسة عدم الانحياز النشط. وبفضل  قيادة صاحب الجلالة الملك وتبصره،  أصبحت كلمة المغربt مسموعة ومحترمة، ويُعتبر المغرب شريكًا موثوقًا به. وهذا أمر مهم للغاية. 
 
ماهي الاختلالات التي على المغرب أن يعالجها للدخول النهائي ضمن الدول الصاعدة؟ 
كل ميدالية لها جانبها الآخر. وهكذا فإن المغرب يعاني من عدد  من المعوقات وأوجه القصور.  ونذكر تباعا المجالات التالية:
. هشاشة وفقر شريحة كبيرة من السكان نتيجةً المكان الذي يحتله القطاع غير المهيكل والذي يشغل ثلث السكان النشطين؛
. اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية  
. انخفاض إنتاجية العمل بسبب ضعف جودة التكوين ومحدودية الاستثمار المخصص للبحث العلمي والابتكار؛ 
. البطالة المتفشية بين الشباب؛
. اعتماد الزراعة، التي لا تزال تشغل ثلث السكان، على الظروف المناخية؛
. استمرار الاقتصاد الريعي والرأسمالية التواطؤية التي تشوه المنافسة وتحد من تكافؤ الفرص؛ 
. تفاقم الفساد الذي أصبح بمثابة سرطان ينخر الجسم المغربي والذي يمس كافة القطاعات بما في ذلك العمليات الانتخابية، مما يثبط عزيمة المستثمرين الوطنيين والأجانب على حد سواء. 

ويجب على المغرب أن يكون جاداً في معالجة هذه الاختلالات ووضع  البلاد على سكة  التقدم. وقد حدد النموذج التنموي الجديد، والذي تم إعداده بشكل توافقي وبمنهجية تشاركية، أهدافا واضحةً ومرقمة لعام 2035 ووسائل تحقيقها. ويجب على كل  القوى الحية للبلاد أن تنخرط في هذا الورش تحت قيادة الملك إذا كنا لا نريد أن نفوت الموعد مع التاريخ. فالفوز في السباق يتم بالاعتماد على  الخيول الأصيلة وليس بالبط العرجاء.