السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

أريري: من وحي إضراب طلبة الطب.. احتجاج المغاربة بالشارع يكلف الخزينة العامة مليار درهم في الشهر!

أريري: من وحي إضراب طلبة الطب.. احتجاج المغاربة بالشارع يكلف الخزينة العامة مليار درهم في الشهر! عبد الرحيم أريري
حين كان شكيب بنموسى وزيرا للداخلية بين 2006 و2010، كان يتهم القطاعات الحكومية الأخرى، بكونها تنهك القوة العمومية (من شرطة ودرك وقوات مساعدة وأعوان السلطة)، التي تضطر وزارة الداخلية لتسخيرها لتفريق المظاهرات الاحتجاجية ومسيرات الغضب بالشارع العام.
 
وكان الوزير بنموسى يردد آنذاك لازمته التالية:" لوكانت القطاعات الحكومية الأخرى تسير بطريقة فعالة، لما اضطر رجال التعليم أو الصحة أو كتاب الضبط أو مستخدمو الجماعات المحلية إلى النزول للشارع للاحتجاج، مع ما يستتبع ذلك من لجوء وزارة الداخلية إلى إخراج القوة العمومية، وبالتالي إنهاك الشرطة والدرك والقوات المساعدة واستنزاف قدرات القوة العمومية، ناهيك عن ما ينجم عن ذلك من ضغط على الخزينة العمومية لتمويل تسخير أعوان القوة العمومية: سيارات، محروقات، عصي، غاز مسيل للدموع، شاحنات ضخ المياه لتفريق المحتجين، تعويض الساعات الإضافية لأفراد القوة العمومية، إلخ...".
 
اليوم "أحيانا الله" حتى رأينا نفس الوزير شكيب بنموسى، يتولى حقيبة التعليم والرياضة في حكومة أخنوش، وهي الحكومة التي لم تهدأ معها وتيرة الاحتجاجات الشعبية، لدرجة أن خروج المواطنين للشارع أضحى ظاهرة مألوفة منذ  أواخر 2021 إلى اليوم. آخر تجلياته، احتجاج المحامين ورجال التعليم وكتاب الضبط، وحاليا غليان الشارع بسبب احتجاج طلبة كليات الطب.
 
ما يتجاهله الورزاء والبرلمانيون أن تناسل احتجاجات المواطنين بالشارع، لها كلفة باهظة: ماليا وأمنيا وسياسيا كذلك.
 
أولا: الكلفة المالية
يشهد المغرب تقريبا 30 مظاهرة احتجاجية في اليوم منذ تنصيب حكومة أخنوش!
هذه المظاهرات الاحتجاجية تكلف خلال شهر واحد قرابة  مليار درهم. بمعنى أن حكومة أخنوش زادت في إنهاك خزينة البلاد بإهدار 31 مليون درهم كل يوم في «الخوا الخاوي» (أي إهدار 1.300.000 درهم في الساعة)، لأن إخراج أفراد القوة العمومية لتأطير الاحتجاجات، يتطلب مصاريف ولوجيستيك ونفقات باهضة من محروقات وسيارات وتنقيل للتعزيزات الأمنية وضمان مبيت عناصر القوة العمومية ومأكلهم وتعويض تنقلاتهم.
 
ثانيا: الكلفة الأمنية
إن إنهاك القوة العمومية بهذه الاحتجاجات المتتالية ينجم عنه المس بحقوق المغاربة في الأمن، على اعتبار أن تسخير القوة العمومية بمناسبة الاحتجاج يتم على حساب تفريغ أحياء وساحات عمومية وأسواق وشوارع من الحضور الأمني، بتوجيه كل الموارد المتاحة (بوليس ومخازنية ودرك)، لتعزيز موقع الاحتجاج من جهة، ولعدم ترك الكوميساريات وثكنات المخازنية وسريات الدرك فارغة، بحيث لابد من ضمان سير مصالح اللوجستيك والحراسة والتموين والإسناد وما شاكل ذلك من جهة ثانية.

ليس هذا فحسب، بل إن تناسل الاحتجاجات تنجم عنه ظاهرة «الدوبلاج»، أي تمديد وقت عمل أفراد القوة العمومية إلى ساعات طويلة بسبب قلة الحصيص، مع ما ينجم عن ذلك من مضاعفات صحية ونفسية على الموظف بالمرافق الأمنية المذكورة من جهة، وعلى تماسك واستقرار الأسر بالنسبة للعاملين في سلك الشرطة والقوات المساعدة والدرك الملكي من جهة ثانية.
 
ثالثا: الكلفة السياسية
لا جدال في أن تناسل الاحتجاجات الشعبية يسيء إلى صورة البلد، على اعتبار أن الانطباع الذي يترسخ لدى الأجنبي، هو أن أن المغرب بلد يعج بالاحتقان بشكل لا يساعد على جلب السائح أو جلب الاستثمار.

صحيح، أن الاحتجاج حق من حقوق الإنسان، وصحيح أن النزول للشارع هو وسيلة للضغط على السلطة العمومية للاستجابة لمطالب معينة، لكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، إذ أن تكاثر الاحتجاجات لانتزاع مطالب اجتماعية بسيطة أو للحفاظ على مكتسبات تافهة، يدل على أن الدولة منهارة ومنخورة من الداخل، حيث يصبح الشارع هو الملاذ الوحيد لضبط العلاقة بين الإدارة والمواطن. وبالتالي بدل أن تترسخ في المغرب ثقافة «دولة المؤسسات»، نصبح أمام «دولة الشارع» و«دولة الفوضى»، لأن المؤسسات الدستورية المفروض فيها أن تلعب دورها في الاستباق أو التدخل أو الحلول أو الوساطة (حكومة، برلمان، جماعات ترابية، أحزاب، نقابات)، تكلست وأصيبت بالكساد والشلل مما جعل الشعب يفقد ثقته فيها.