الخميس 19 سبتمبر 2024
منبر أنفاس

العياشي الفرفار: أحداث الفنيدق.. مفارقة أن يصبح السري علنيا

العياشي الفرفار: أحداث الفنيدق.. مفارقة أن يصبح السري علنيا العياشي الفرفار
يبدو الأمر مثيرا للانتباه هذا التحول المفاجئ ، الانتقال من الشئ الى نقيضه (استبعد هنا قانون التحول الكمي الكيفي حسب التصور الماركسي ) .

الفهم الجيد مرتبط بالمقارنة، والتاريخ يمنحنا شواهد ووقائع للكثير من الانتقالات من السري الى العلني ، دعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، والحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي وكل الحركات التحررية بالعالم .

يبدو ان منطق الانتقال من السري الى العلني هو منطق التحول في ميزان القوة ، فالسرية قد تكون استراتيجية وفق تصورات ميشيل كروزييه في مفهوم الفاعل الاستراتيجي ذاك الذي يخفي أكثر ما يُظهر ( الرجوع إلى هذا المفهوم الوارد في كتاب الفاعل و النظام ) .

واقعة الفنيدق ، تعكس لحظة الخروج من تجربة الهجرة السرية و التي تتم في الظلام، وخلسة عن الجميع الى تحدي مباشر و مفتوح مع الدولة وهو مؤشر في غاية الخطورة .

الأمر يطرح الكثير من الاسئلة التأسيسية لهذا التحول ، ماهي أسس هذا التحول ؟
في غياب معطيات كافية عن الموضوع يمكن وضع مجموعةمن الفرضيات حول طبيعة الفعل وأسبابه، وهو أمر يحتاج الى أبحاث وتجميع معطيات كافية من أجل التحقق من صلاحية اي فرضية، لكن وباستقراء مجموع من المؤشرات يمكن التوقف عند بعض الملاحظات الأساسية .

يبدو ان الانتقال من السري الى العلني واعلان التحدي والعصيان المدني ومواجهة السلطات العمومية يقوي فرضية يد خفية عملت على استثمار ازمة الهشاشة لمجموع الحالمين بفرص حياة أفضل.

مؤشرات الأولية لهذا الاستنتاج مايلي :
أولا : إن المهاجر السري يعرف ان أهم شرط السرية هو الشرط المؤسس لنجاح رحلته ، غالبا ما تكون الرحلة ليلا و في أيام العطل .

ثانيا : ان تجار الهجرة السرية هم الخاسرون ، لأن الهجرة الجماعية وفي واضح النهار وباشعار فبلي ودعوة مفتوحة تعني فشل مشروعهم وإنهيار سوق الهجرة السرية .

ثالثا : إن الفعل الذي ثم التسوسق له بكثافة وعبر حملات مدفوعة الثمن، هو أقرب إلى فعل مسرحي من أجل تسويق صورة سيئة عن المغرب، أنه بلد يفر ابناءه منه ! لاسيما بعد الصورة الايجابية التي جسدها المهاجرين المغاربة في دعم المجتمع والدولة أثناء جائحة كورونا وفي في زلزال الحوز .

رابعا : ان الجهة التي تقف وراء هذا الحدث تهدف إلى خلق بؤر توثر بين السلطات العمومية والشباب الراغب في الهجرة ، وأن السلطات المغربية قامت بتهجير 60 جزائريا و تونسيا متورطين في هذه الحملة .

خامسا : هناك سوابق لخلق بؤر توثر بين المغرب و إسبانيا لاسيما بعد التقارب الاستراتيجي المغربي الإسباني والاعتراف هذه الأخيرة بمغربية الصحراء.

سادسا : الجهة المتورطة في أحداث الريف و التي وافقت خلال السنة الجارية على انشاء مكتب تمثيل جمهورية وهمية جديدة للريف ، تعتبر خلق بؤر توثر للمغرب انجازا ذا ولولوية لنظام يستمر بتصدير ازماته ، لاسيما في ظل أزمة داخلية خانقة عكستها نسبة التصويت على رئيس بدون شرعية سياسية و لكن بشرعية عسكرية .

سابعا : من يريد ان يهاجر يفكر لوحده ، و التحدي الوحيد الذي ينتصب أمامه هو كيف يجتاز البحر و ليس رمي السلطات العمومية بالحجارة و توثيق ذلك و تسويقه بكثافة.

ما وقع ليس فعلا عاديا ، لشباب مهمش يبحت عن حياة افضل ، لكنه فعل مسرحي من اجل تسويق صورة سيئة عن المغرب .

من جهة ثانية موضوع الهجرة ليس موضوعا جغرافيا محصورا بمنطقة دون أخرى، ولا يرتبط بعامل وحيد ( هجرة الكفاءات وهجرة الأموال، هجرة الرياضيين ، هجرة العلماء، هجرة الفنانين، هجرة الشواذ، هجرة الافكار، هجرة الطيور ) ، الهجرة ليست حدثا بسيطا ، وأعتقد أن كل تبسيط سيعقد عملية الفهم . مؤشرات للتفكير في الحدث : التعبئة القبلية عبر شبكات التواصل ، الانتقال من السري إلى العلني ، مفارقات هجرة سرية/ علنية ، تورط النظام للجار الشرقي في أحداث مماثلة ، تعدد جنسيات المعنيين ، كثرة الأطفال القاصرين ، شبكات الأمان الاجتماعي، و ضعف الرقابة الأسرية اعتقد كلها مؤشرات أساسية اظافة الى مؤشرات أخرى ضرورية من اجل صورة أعمق .
كل التوقعات تؤكدةان الهجرة لم تتوقف، لن تتوقف
الأرقام تؤكد أن القرن 21 سيكون قرن الشعوب المتحركة على حد تعبير انطونيو غو تيريس.
طابع الهجرة كان ياخذ دائما طابعا و رهانا شخصيا و غالبا ما يتم في سرية و في الكثير من الأحيان دون علم الأباء خوفا من الاعتراض، لكن أن يتم تنظيم حملة مجهولة المصدر في وقت يعيش فيه نظام العسكر أزمة مصداقية بسبب الانتخابات الأخيرة ، فإن المنطق يفرض طرح السؤال التالي : في مصلحة من هذه الحملة الاعلامية ؟ ما هي الارباح من حملة مؤقتة هدفها التشويش و صرف الانظار عن مشاكل داخلية ؟
من يريد مساعدة شاب يبحث عن امل لا بكون بكشف اللحظة و أنها باخفائها لأن رحلة ذات طابع سري . يبدو ان هناك بداية تشكل أزمة عميقة لن تحسم بالسلاح أو بالاسلاك الشائكة ، انها أزمة التنمية و أزمة اقتصاد وازمة ماء . الغرب يدفع ثمن استنزافه لخيرات الجنوب و النتيجة مواجهة ليست بين الأنظمة ، لكن بين الشعوب التي قررت التنقل نحو مصادر الحياة .