السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

أريري: بعد نكسة أولمبياد باريس.. متى يتخلص المغرب من الشناقة والبزناسة بالجامعات؟

أريري: بعد نكسة أولمبياد باريس.. متى يتخلص المغرب من الشناقة والبزناسة بالجامعات؟ عبد الرحيم أريري
"سبورة الميداليات في الألعاب الأولمبية، هي حرب بين الدول دون إطلاق رصاصة واحدة".
هذه القولة المأثورة للكاتب البريطاني "جورج أورويل" Georges Orweil، تلخص الحمى التي ترافق، ليس الألعاب الأولمبية وحدها، بل تنطبق على كل المنافسات الكونية والقارية.
 
لماذا؟
لأن الألعاب الأولمبية وباقي المحطات الرياضية العالمية تعد فرصة للدول لتقوم بتسويق صورتها وتسويق قوتها الرمزية ولتظهر "حنة يديها" وتفوقها في حقول رياضية متنوعة.
 
الدليل ما حدث في أولمبياد بيكين لعام 2008 من سجال حاد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حول من هي الدولة التي ظفرت بالرتبة الأولى من حيث الميداليات. فالصين رافعت بكونها صاحبة الرتبة الأولى بفضل أعداد ميداليات الذهب التي نالها رياضيوها (100 ميدالية منها 48 ذهب)، فيما أمريكا رافعت بكونها الأولى عالميا من حيث مجموع الميداليات المحصلة (112 ميدالية منها 36 ذهبية).
 
أيا كان المعيار المعتمد، نجد أن سبورة الميداليات في كل دورات الألعاب الأولمبية تهيمن عليها الدول ذات الاقتصادات القوية. فكلما ارتفع مستوى الناتج الداخلي الخام لأي بلد، إلا وترتفع طاقته وتزداد قدراته على إرسال عدد من الرياضيين المؤهلين والمكونين والمتفوقين القادرين على جلب أكبر عدد من الميداليات.
 
إن ارتفاع الناتج الداخلي الخام يتيح للدولة التوفر على موارد مالية هائلة لتمويل الإعداد البدني والرياضي والتقني لرياضييها في كل التخصصات، مع ما يتطلبه الإعداد من مهارات تقنية ومعارف دقيقة وتفرغ دائم، ومدربين جد أكفاء وأطباء متخصصين في التتبع والطب الرياضي.
 
في الدول المتواضعة اقتصاديا بالعالم الثالث، نجد أن الميداليات التي تحصدها (على قلتها)، تكون محصورة في مجال رياضي واحد أو ثلاثة على أبعد تقدير. وعلى العكس من ذلك، نجد الدول المتقدمة تحصد الميداليات في مختلف المنافسات: سباحة، تجذيف، كرة السلة، المصارعة، الجيدو، الجمباز، الدراجات، العدو الريفي، الفروسية، إلخ... على اعتبار أن الذهب والفضة والبرونز يذهب حيث المناخ الاقتصادي ملائم وحيث الدولة توزع الثروة بالمساواة بين المواطنين وبين الجهات.
 
ألم يقل البريطاني "تيم هولينغسمورت" Tim Hollinghsmorth، المدير العام "للجمعيةالبارا أولمبية"، إن "المناخ الاقتصادي من المستوى العالي لديه حظوظ قوية لإفراز أبطال رياضيين من مستوى راق، خاصة بالنسبة للرياضات التي تتطلب تداريب مكثفة وتجهيزات ومعدات ملائمة"؟!
 
هذا القول ليس من باب الترف، بل مسنود بالحجة والبرهان. وحسبي التوقف عند الاستعداد لدورة الألعاب الأولمبية التي احتضنتها لندن عام 2012. إذ استثمرت بريطانيا 340 مليون أورو لإعداد رياضييها لهذا الحدث الكوني. أما فرنسا فاستثمرت حوالي 248 مليون أورو لإعداد رياضييها. بينما أستراليا أنفقت 240 مليون أورو على تدريب رياضييها. النتيجة تجلت في أن بريطانيا حازت في دورة 2012 على 64 ميدالية منها 29 ذهبية، وفرنسا انتزعت 35 ميدالية منها 11 ذهبية، فيما أستراليا فازت أيضا بمجموع 35 ميدالية منها 8 ذهبية.
 
وهذه مجرد نماذج للاستئناس، لأن الأمر ينسحب على كل الدول ذات الاقتصادات القوية. فمن مجموع 961 ميدالية وزعت في دورة لندن عام 2012، نجد أن الدول القوية اقتصاديا فازت ب 516 ميدالية (أي 54% من المجموع العام)، منها 303 ذهبية (أي 64%).
 
نفس الشيء يصدق في "دورة ريو دي جانيرو" بالبرازيل (2016)، وفي "دورة طوكيو" باليابان (2020)، ويبرز اليوم في "دورة باريس" بفرنسا (2024)، بحيث نجد دائما نفس الدول القوية اقتصاديا: أمريكا، الصين، أستراليا، فرنسا، بريطانيا، كوريا، اليابان، إيطاليا، هولندا وكندا، إلخ...
 
وهذه القاعدة لم تتغير منذ دورة 1976، حين كان عدد المشاركين في الألعاب الأولمبية لا يتعدى 6000 رياضيا ينحدرون من 92 دولة، إلى دورة 2024 التي فاق عدد الرياضيين فيها عتبة 11.500 رياضيا ينتمون إلى أكثر من 201 دولة. بل بالعكس ازدادت حصة الدول الاقتصادية الكبرى من الميداليات، فبعد أن كانت تحصد 41% في المجموع عام 1976، أصبحت اليوم تنتزع 54 % من مجموع الميداليات في الألعاب الأولمبية.
 
فهل سيلتقط المغرب الإشارة ليتم التحضير الجيد لدورة الألعاب الأولمبية المقبلة بلوس أنجلس الأمريكية (2028)، ليبعد المخلوضين والشناقة والبزناسة والفاشلين من الجامعات، ويعتمد على ذوي الكفاءة والجدارة لإعداد الرياضيين الأكفاء ويضمن تفرغهم للتداريب مع مدربين من عيار ثقيل، مع تخصيص الموارد المالية اللازمة، لنحصد عشر أو 12 ميدالية، أم سنبقى نردد تلك اللازمة المرضية والمقيتة: "المهم هو المشاركة". هذه اللازمة التي شوهت صورة بلد عريق اسمه المغرب، كان من أوائل العرب والمسلمين الذي يتوج بالذهب عام 1984. وبدل أن نحافظ على صورتنا وعلى تألقنا ونحسن من سمعتنا، أصبحنا نقبل ب"اللي جاب الله" في الترتيب. وتلك أكبر إهانة لصورة المغرب ولسمعة المغاربة.