أثار مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية في المغرب جدلاً واسعًا بين مختلف الفاعلين في المجال القانوني، ولاسيما المحامين الذين يعتبرون حراس العدالة والمدافعين عن حقوق المتقاضين.
في هذا السياق، يُعَد مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد محور انتقادات حادة من قبل المحامين، الذين يرون أنه يحمل في طياته تغييرات تهدد مكانتهم وتقوض حقوق المتقاضين في الوصول إلى العدالة بفاعلية وإنصاف مما يتنافى مع الأعراف والقوانين الكونية المتعلقة بحق المواطنين في التقاضي وفق الشروط المنصوص عليها دوليا . ومن أبرز النقاط التي أثارت حفيظة المحامين في هذا المشروع هي :
أولاً: تقليص دور المحامين في المسطرة القضائية
يعرف على أن المحام هو السند القانوني الأول للمتقاضين، فهو الذي يمتلك المعرفة والخبرة اللازمتين لتوجيه المتقاضين عبر المسار القضائي المعقد. وهذا ما بثر في مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، حيث قلص هذا المشروع الاخير دور المحامي كممثل رئيسي للمتقاضي، والسماح للمتقاضي بالتعامل المباشر مع المحكمة، مما يمكن أن يتسبب في عدة مشاكل للمتقاضي منها سوء الفهم بين القاضي والمتقاضي أو خطأ التكييف نظرا لعدم إلمام المتقاضي بالجوانب القانونية للملف، وما إلى ذلك من مشاكل أخرى ستساهم في انتهاك حق المتقاضي بسبب حرمانه من الحق في الدفاع اللازم هذا من جهة ، أما من جهة أخرى فقد يؤثر هذا على السير العادي للجهاز القضائي بسبب زيادة الأعباء على القضاة، الذين قد يجدون أنفسهم مضطرين لتقديم التوجيه القانوني للأطراف غير المُمَثلة بمحامين. وهذا بدوره قد يؤثر على حيادية القاضي الذي يجب أن يظل محايدًا بين الأطراف. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي تقليص دور المحامين إلى خلق حالة من عدم التوازن بين الأطراف المتنازعة، خصوصًا إذا كان أحد الأطراف قادراً على تأمين تمثيل قانوني قوي بينما الآخر لا يستطيع ذلك.
ثانياً: تقييد الولوج إلى المرحلة الاستئنافية
يُعتبر الحق في الاستئناف من الضمانات الأساسية لتحقيق العدالة، حيث يتيح للأطراف فرصة مراجعة الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية إعمالا بمدأ التقاضي على درجتين، وهو حق خالص من حقوق المواطنين حفاظا على مبدأ المساواة في التقاضي ، غير انه مشروع القانون الجديد يرفع الحد القيمي للنزاعات التي يمكن إحالتها إلى محاكم الاستئناف، مما يحيلنا لضرب سافر للحق في التقاضي على درجتين بالنسبة لجميع المتقاضين والسبب هنا راجع لقدرة المتقاضين على الطعن في القرارات الابتدائية التي قد تكون غير عادلة أو غير دقيقة.
كما أن تقليص حق الاستئناف يعتبر تقليلا لفرص تصحيح الأخطاء القضائية التي قد تحدث في المرحلة الابتدائية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقييد الولوج إلى محاكم الاستئناف قد يُفضي إلى تعزيز شعور الظلم بين المتقاضين الذين يشعرون أن حقوقهم قد تم تقويضها دون أن يكون لديهم فرصة حقيقية للطعن بالاستئناف .
ثالثاً: تبليغ محامي المدعى عليه
من بين الجوانب المثيرة للجدل في مشروع القانون هو السماح بتبليغ محامي المدعى عليه مباشرة. يرى المحامون أن هذا الإجراء قد يُضعف حقوق المتقاضين في متابعة قضاياهم والحصول على معلومات دقيقة ومحدثة بشأن الإجراءات القانونية المتخذة ضدهم. وهذا يعتبر مس بمبدأ الشفافية والوضوح في الإجراءات القانونية التي تعد من أهم ركائز العدالة، وأي مساس بهذه المبادئ قد يؤدي إلى زيادة الشكوك حول نزاهة النظام القضائي. كما يمكن أن يؤدي اعتماد تبليغ المحامين دون إبلاغ المتقاضين أنفسهم إلى شعور بعدم الثقة في العملية القضائية برمتها، مما يؤثر على مصداقيتها واستقرارها.
ختاما:
إن مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد في المغرب يعكس محاولة لتحديث النظام القضائي وجعله أكثر كفاءة وفعالية. ومع ذلك، فإن هذه المحاولة تواجه تحديات كبيرة تتمثل في ضرورة المحافظة على التوازن بين تحسين الأداء القضائي وحماية حقوق المتقاضين وضمان دور المحامين كحماة للعدالة.
لهذا الغرض يجب على السلطات التشريعية أن تُعير اهتماماً خاصاً لهذه الانتقادات وأن تسعى لتحقيق توافق يضمن تعزيز العدالة والمساواة في الوصول إليها، كما يجب على المسؤولين اليوم تنظيم حوار موسع يشمل جميع الأطراف المعنية المحامون والتي تتمتع برؤية اوضح للوصول إلى حلول توافقية تضمن تحقيق الأهداف المرجوة دون المساس بحقوق الأفراد ودور المحامين الأساسي في المنظومة القضائية المغربية .