في هذا الفضاء الفسيح الذي نعيش فيه نرى بأم أعيننا كيف أصبحت تضيق الحياة والعيش على المواطن البسيط. وكيف تفضح الوقائع كثير من الطبالين وصار باديا للعيان، كيف ساءت أحوال الناس .ولم يعد ينفع لا الماكياج ولا تنميق الكلام. وبما أن البعض يتهمنا بالسوداوية وخط تحريري عدمي يترصد كل الاختلالات وهو أمر من صميم أدوار الصحافة النزيهة.
فإننا نسوق بعض الأمثلة للتفوق والنجاعة رغم قلتها من إجل إبرازها والإشادة بها ونتمنى أن تنسحب لتعمم على باقي المجالات الأخرى .
أحسن مناسبة توجه فيها النصيحة لأحد لتؤدي دورها كاملا حين ترافقه في تشييع جنازة. فهي لحظة الشعور بالمسؤولية في أعلى مستوياتها. الكل متأثر بالمشهد ونحن نفارق أعز الناس تجول بمخيلتنا كثير من الذكريات فنعود لنحصي الأحباب والإخوة الذين غادرونا دون ترتيب ودون أن ننتبه . تحضر كثير من الأحداث الجميلة فتدمع العين ونسلم بالرضا لقدر الله.
هي لحظة مؤثرة تستطيع أن تجعلك تنسى كل شيء وتزهد فيه. فأنت تعاين مكانك الأخير ومصيرك النهائي الذي لن ينفعك فيه أحد سوى عملك وسيرتك بين الناس . سيتبادر إلى ذهنك سؤال محوري ماذا أعددت لمثل هذه اللحظة؟ هل سيبقى مفعول كل هذه الطقوس في حياتك اليومية ؟ أم أن انشغالات الحياة تفعل فعلتها فيك فتنسى أو تتناساها لتنغمس فورا أو تدريجيا في ملذاتها وقد ينمحي أثرها بعد مدة قد تطول أو تقصر ولا تستفيق إلا بعدما يتكرر المشهد نفسه أمامك مرة أخرى .لتعيد نفس الأسئلة وتعود للنسيان مرة أخرى هكذا دواليك .ألم يحمل الإنسان صفة النسيان كنعمة ؟لكن أن طال بها الأمد أصبحت آفة يضيع معها العمل.
سياق هذه الكلام ماعشناه ونحن نشيع أم أحد الاخوة إلى مثواها الأخير وقد فاجأتنا جمعية الرحمة للأعمال الأجتماعية والخيرية بجماعة سعادة ضواحي مراكش بمستوى عالي من التدبير من خلال التنظيم المحكم الذي تعرفه المقبرة حيث يستقبلك عند الباب مكان وضعت فيه عدد كبير من الواقيات الشمسية(تارازة) بشكل منظم تجد بعدها عن يسارك مشربة بها أكواب وماء بارد يقيك حر يوم ملتهب.القبور كلها مصطفة في خط مستقيم في اتجاه القبلة .وبما أن المتوفاة امرأة فهناك ستارة من الثوب السميك والحديد لتؤدي الغرض. كما أخبرت أن الرئيس صاحب تلك المساحة الفسيحة قد جعلها وقفا لدفن اموات المسلمين فجمعية الرحمة كانت رحيمة بأهل المتوفى حيث حددت تسعيرة الدفن في مبلغ 200درهم دون زيادة وشروط أخرى تظهر بجلاء أن المشرفين على هذا العمل الخيري فعلا يجسدون ارقى معاني الإنسانية وفعل الخير في هذا المجال الذي أصبح هو الآخر يشكل معاناة إضافية للمواطنين. لكن مايثير الانتباه أن أعضاء الجمعية واعون بثقل المسؤولية ، يضعون أنفسهم مكان الآخر فالإحساس بالواجب والإبداع فيه بما يخفف المعاناةعن الآخر ليس في متناول الكل ، إذا كانت هذه الجمعية قد أحسنت وهي تستقبل الموتى فمن يحسن استقبالنانحن؟
لا نطلب من المسؤولين سوى التأسي بهذه الأعمال الجليلة و بعضا من الكرامة مادمنا أحياء فوق هذه البسيطة .