سنة بعد سنة، وموسما فلاحيا بعد آخر، يتبين للمغاربة، الكذبة التي تم ترويجها بشكل مكثف، وتتعلق بالمخطط الأخضر، حيث عاش المغرب بفعل الأرقام والمعطيات التي كان يرددها المسؤولون، كذبة صنعها، عزيز اخنوش، الذي تولى قطاع الفلاحة لأكثر من ولاية حكومية، قبل أن يترأس الحكومة الحالية..
في مثل هذه الفترة من السنة الماضية، وبالضبط قبيل عيد الأضحى لسنة 2023، خصصت "الوطن الآن" غلافها لموضوع أسعار الأضاحي، وكيف أنها تكشف كذبة المغرب الأخضر، وبعد أن كانت الأسعار، منذ عام، تتراوح في المتوسط بين 2500 و3000، ارتفعت اليوم لتصل بين 3000 و5000 درهم، وهو ما يوضح بجلاء كذبة "المخطط الأخضر"..
فيما يلي وجهة نظر عائشة العلوي، الخبيرة الاقتصادية، وهي تدعو منذ عام مضى، الحكومة، لنهج سياسات استباقية تهدف تحقيق الأمن الغذائي والسيادة الغذائية، بدل سياسة تسويقية متجهة “معظمها“ نحو الأسواق الخارجية:
بالنسبة للمغرب هناك أسباب عدّة لما حصل ويحصل، ولا يمكن مقارنة المغرب بدول إسبانيا ورومانيا، فمشكل المغرب هو أنه امتداد لسياسة طبّقت من ذي قبل، فالدولة تواجهها تحديات في تلبية حاجاتها من اللحوم، في عيد الأضحى وغيره، بسبب ارتباطه بعوامل عدّة وقدرة الدولة على تلبية هذا الطلب، سواء من خلال ازدياد عدد السكان والعرض (الإنتاج) المحلي أو الاستيراد، مع معطى يرتبط بتفضيل المغربي للمنتوج المحلي على المستورد.
فهناك عوامل تتعلق بتفضيل الاستهلاك المحلي لبعض السلالات المستوردة أو المنخفضة التكلفة في بعض البلدان، وهي عوامل تعكس الموضوعية في التقدير.
وأظن أن المغرب يشكو مشكلات مرتبطة بتلبية حاجات من الأغنام، لأن ذلك مرتبط بالتغيرات المناخية وتأُثيرها على الزراعات المحلية، وثانيها ارتفاع الطلب على اللحوم، والتغيير في نمط الاستهلاك. وهذا الارتفاع له تأثير على توفير العدد الكافي من الأغنام.
لكن إذا أخذنا السياسة التي نهجها في تربية المواشي والأغنام وغيرها. فالمغرب مهدد في أمنه الغذائي بسبب نهجه سياسة لم تراعي الظروف المناخية. وهذا ليس بجديد. فهناك دراسات في السابق، خاصة في منطقة شمال أفريقيا، تؤكد أن أفريقيا مهددة بالتغير المناخي. والتغير المناخي له بعد زمني. لذا كان من الأجدر نهج سياسات استباقية تهدف تحقيق الأمن الغذائي والسيادة الغذائية، بدل سياسة تسويقية متجهة “معظمها“ نحو الأسواق الخارجية.
للأسف، لقد ساهمت السياسة المنتهجة في المغرب في استنزاف الموارد الطبيعية، على حساب التفكير في الأمن والسيادة الغذائية للمغرب. وهذا خطير جدا. كما أن السلالات المحلية لم يتم الاهتمام بها، بيد أنه كان من الأجدر الحفاظ على وضعية معقولة للحفاظ على العدد الكافي طيلة السنة؛ لقد تم التعامل بعشوائية في السياسات الفلاحية بالمغرب. للأسف، ما تزال الغيرة غائبة عن الوطن في التسيير والتخطيط؛ فالغيرة على الوطن ليست شعارات، بل هي مرتبط بالتفكير في مستقبل البلد وفي أمنه الغذائي؛ فالسياسات والاستراتيجيات لا تسير في اتجاه الحفاظ على السيادة والأمن الغذائي. على الدّولة نهج سياسة ناجعة لتحقيقها.
ومع تبنّي سياسات مخطط المغرب الأخضر، فإن الفئة المستفيدة هم الفلاحون الكبار المتوجّهون للتّصدير، فيما الفلاّح الصغير المنتج الذي يلبي الطلب الداخلي، وهو اللصيق بالمتطلبات الداخلية، لم يتم التفكير فيه ولم يتم منحه المساعدة والدعم المطلوبين من أجل الحفاظ على منتجاته الحيوانية والزّراعية المحلية. وهكذا نلاحظ ارتفاع إنتاجية المنتجات التي تستنزف التربة والمياه، وازدياد أعداد المواشي والأغنام المستوردة، والتي عوضت المنتوجات المحلية، وفي معظمها لا تضمن الأمن والسيادة الغذائية للمغرب. وهو الأمر الذي انعكس سلبا على أغنامنا ومواشينا، حيث تم استبدالها بأغنام أخرى أكثر إنتاجية، وهي في الحقيقة لا تراعي الظروف المناخية للمناطق المغربية. بينما كان من المفروض تشجيع البحث العلمي، وتطوير إنتاجية الأغنام والمواشي من السلالات المحلية، التي تعتبر أكثر ملاءمة للتغيرات المناخية، حتى أن نفقاتها (العلف...) أقل، وذات جودة كبيرة. لقد كان من المفروض تطويرها، ولما لا تصديرها.
فالمغرب مهدّد تهديدا حقيقيا في أمنه وسيادته الغذائية إذا لم نتدارك الأمر، خصوصا مع السياسات الفلاحية غير الملائمة التي قلّلت من عدد الأغنام والمواشي المحلية وفاقمت معاناة الفلاحين الصغار الذين يأملون تأمين عيشهم وتحقيق دخل لكرامتهم. يجب أن لا ننسى أن الفلاحين الصغار هم الذين يساهمون بشكل أساسي في نحو تلبية الاكتفاء الذاتي للمغاربة لأن معظم انتاجيتهم (الزّراعية والحيوانية) متجهة نحو الأسواق الداخلية.