الأربعاء 26 يونيو 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: الباك بطعم المنون

صافي الدين البدالي: الباك بطعم المنون صافي الدين البدالي
عرفت امتحانات البكالوريا هذه السنة مأساة حقيقية حيث في أول يوم لهذه الإمتحانات، أقدمت مرشحة من مدينة آسفي على الإنتحار بعد إخراجها من  مركز الامتحان  بعد اتهامها بالغش وطردها مباشرة إلى خارج المؤسسة وهي في حالة نفسية خطيرة أدت بها إلى إلقاء نفسها في البحر بكورنيش آسفي بعدما تهاون الطاقم الإداري و التربوي بالمركز بعدم تقديم أية مساعدة نفسية أو الاحتفاظ بها ،إلى أن  يحضر ولي أمرها وهو ما يضع  الطاقم المشرف في وضعية المسؤولية الجسيمة في هذا الإنتحار الذي حول طعم  امتحان الباك من طعم التفاؤل إلى طعم المنون..

وهنا نطرح السؤال: من المسؤول عن هذه الوضعية، وقد تتلوها وضعيات انتحارية أخرى لا قدر الله ؟هل التلميذ ام الأستاذ أم الوزارة ؟
إن تحديد المسؤولية يجعلنا نستحضر سياسة التعليم في بلادنا ،ذلك لأن عملية انتحار الشابة على خلفية الغش كشفت بالفعل هشاشة التعليم في بلادنا، و كشفت مدى ازدياد تراجع التعليم بعشرات الدرجات في سلم الترتيب العالمي بالنسبة للتعليم .إن الانتحار على خلفية الغش سببه تراجع المدرسة العمومية المغربية عن دورها التاريخي الذي كان يجعل من التلميذ الإنسان الذي يعتمد على الذات ، الإنسان الباحث و المبدع و القادر على التعاطي مع حل المشكلات، كانت حسابية أو لغوية أو فلسفية. إلى ذلك كانت للمدرسة مكانتها الإجتماعية و الثقافية و الإنسانية .كانت منبع مكارم  الأخلاق و يتخرج منها أطر متشبعين بالحس الوطني و بروح المسؤولية . لكن لما تم التخلي عن المدرسة العمومية من طرف الدولة و ألقت بها في بحر الظلمات تخلت عن واجبها كرها، وأصبحت من متلاشيات الدولة مثلها كمثل القطاعات الإجتماعية من صحة و رعاية اجتماعية حقيقية ، تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي سيء الذكر، لأنه مؤسسة لها أهداف استعمارية / صهيونية، تسعى إلى استعباد الشعوب عبر الأنظمة غير الديمقراطية  كالمغرب. لذلك فإن الغش الذي أصاب  المدرسة العمومية ليس منها أو عليها، بل هو مرض مجتمعي أصاب المجتمع المغربي في جميع مناحي الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و الفنية و الرياضية.

فأينما تولي وجهك تجد الغش ، تجده في الوسط الجامعي و في المؤسسات الإنتاجية و في الجماعات الترابية و في إسناد الصفقات و في بناء الطرقات والقناطر و البنايات . كما تجده في إسناد المناصب و في المباريات و في المصحات و المستشفيات إلى آخره  …و الحكومة تراعي مظاهر الغش و الفساد والإثراء غير المشروع والتلاعب في الصفقات و في الأسعار و تضارب المصالح و التلاعب و الغش في الدعم لفائدة أرباب النقل و لفائدة مستوردي الأغنام و الحبوب و لفائدة  الفلاحين .إن الحكومات المغربية المتعاقبة منذ الإستقلال باستثناء حكومة عبد الله ابراهيم، كلها حكومات ظلت ترعى الغش و لا تحاربه، بل تغض الطرف عن  مرتكبيه ، خاصة من ذوي النفوذ.

إن التلميذة التي انتحرت هي ضحية سياسة الغش الذي ترعاه الحكومة ، ولا ذنب لها، رحمها الله، بل هو ذنب من يحمي كبار  الغشاشين ويعاقب الضعفاء .. وما كان لأطر مركز الامتحانات أن يتسرعوا في الدفع بهذه الشابة إلى  الإنتحار..