حل الأديب والشاعر الدكتور عبد القادر وساط ( المعروف بأبو سلمى)، ضيفا على الصحافية اعتماد سلام، في برنامج "سيرة" بإذاعة ميدي 1. استهلت اعتماد تقديمها للضيف بقولها: "حياة في الكلمات، هكذا اختار ضيفنا الأستاذ عبد القادر وساط أن يعنون سيرته الحبلى بالكلمات والأشعار والأدب والعلوم وغيرها".
واستطردت كاشفة عن مساره قائلة: "هي سيرة أديب موسوعي ولد نواحي اليوسفية، عشق الأدب لكنه درس الطب، كتب الشعر لكنه تهيب من نشره، ترك اسمه واختار اسم ابنته ليوقع شبكات الكلمات المسهّمة، التي أقبل عليها القراء ووجدوا فيها وسيلة للمعرفة والمتعة".
وأوضحت المتحدثة أن ضيف حلقتها هو "الكاتب والشاعر والطبيب النفسي الذي انقادت له الكلمات، صدرت له أعمال في الشعر والقصة والترجمة، وألف موسوعة طبية هي الأولى من نوعها" وشددت على أنه "في زمن تغيّر كثيرا، ظل هو مصرّا على القيام بما يحبّ أن يقرأ ويكتب، لا يبحث عن مجد، أو شهرة، أو مال".
في بداية حلقة البرنامج "سيرة" طلبت معدة ومقدمة البرنامج اعتماد سلام، من ضيفها الدكتور وساط، أن يختار عنوانا لسيرته، حيث قال بلغة الأديب والشاعر: "لو كنت مجبرا على الاختيار، لاخترت عنوان ـ حياة في الكلمات ـ "، مشددا على أن هذا العنوان هو "ملخص سيرته التي وصفها بالمتواضعة".
"أنفاس بريس" تشرك قرائها في هذه السيرة العطرة للدكتور وساط:
واستطردت كاشفة عن مساره قائلة: "هي سيرة أديب موسوعي ولد نواحي اليوسفية، عشق الأدب لكنه درس الطب، كتب الشعر لكنه تهيب من نشره، ترك اسمه واختار اسم ابنته ليوقع شبكات الكلمات المسهّمة، التي أقبل عليها القراء ووجدوا فيها وسيلة للمعرفة والمتعة".
وأوضحت المتحدثة أن ضيف حلقتها هو "الكاتب والشاعر والطبيب النفسي الذي انقادت له الكلمات، صدرت له أعمال في الشعر والقصة والترجمة، وألف موسوعة طبية هي الأولى من نوعها" وشددت على أنه "في زمن تغيّر كثيرا، ظل هو مصرّا على القيام بما يحبّ أن يقرأ ويكتب، لا يبحث عن مجد، أو شهرة، أو مال".
في بداية حلقة البرنامج "سيرة" طلبت معدة ومقدمة البرنامج اعتماد سلام، من ضيفها الدكتور وساط، أن يختار عنوانا لسيرته، حيث قال بلغة الأديب والشاعر: "لو كنت مجبرا على الاختيار، لاخترت عنوان ـ حياة في الكلمات ـ "، مشددا على أن هذا العنوان هو "ملخص سيرته التي وصفها بالمتواضعة".
"أنفاس بريس" تشرك قرائها في هذه السيرة العطرة للدكتور وساط:
أنت ابن مدينة اليوسفية حدثنا عن طفولتك التي زاوجت فيها بين الدراسة في المدرسة وبين لَمْسِيَّدْ حيث درست القرآن الكريم.
طفولتي الأولى كانت في قرية صغيرة تسمى لَمْزِينْدَةْ، بناحية اليوسفية، وهي قرية عمالية أسسها المكتب الشريف للفوسفاط بعد اكتشاف الفوسفاط في تلك الناحية، هناك قضيت السنوات السّت الأولى من طفولتي، وهناك كان الوالد رحمه الله، حائرا مثل جميع الآباء في ذلك الزمن، بين الدراسة أو المدرسة العصرية كما يسمونها والدراسة التقليدية في الكتّاب. ولكي يضع حدا لهذا التردّد وهذه الحيرة سجلني فيهما معا، هكذا صرت أتابع دراستي بالتوازي في الكتّاب القرآني حيث نحفظ القرآن بالطرق التقليدية المعروفة (اللوحة ولقلم واكراك والصلصال)، وفي الوقت نفسه بمجرد ما أغادر الكتاب أمضي بسرعة إلى المدرسة. استمر هذا الوضع سنين طويلة، وكان مرهقا جدا، لكن مع ذلك كانت الفائدة منه كبيرة جدا سواء على صعيد الذاكرة وعلى صعيد تعلم اللغة العربية وتشربها منذ الطفولة الأولى، وإن كنا في الحقيقة نحفظ القرآن دون فهم، لكنه كان تدريبا رائعا للذاكرة.
طفولتي الأولى كانت في قرية صغيرة تسمى لَمْزِينْدَةْ، بناحية اليوسفية، وهي قرية عمالية أسسها المكتب الشريف للفوسفاط بعد اكتشاف الفوسفاط في تلك الناحية، هناك قضيت السنوات السّت الأولى من طفولتي، وهناك كان الوالد رحمه الله، حائرا مثل جميع الآباء في ذلك الزمن، بين الدراسة أو المدرسة العصرية كما يسمونها والدراسة التقليدية في الكتّاب. ولكي يضع حدا لهذا التردّد وهذه الحيرة سجلني فيهما معا، هكذا صرت أتابع دراستي بالتوازي في الكتّاب القرآني حيث نحفظ القرآن بالطرق التقليدية المعروفة (اللوحة ولقلم واكراك والصلصال)، وفي الوقت نفسه بمجرد ما أغادر الكتاب أمضي بسرعة إلى المدرسة. استمر هذا الوضع سنين طويلة، وكان مرهقا جدا، لكن مع ذلك كانت الفائدة منه كبيرة جدا سواء على صعيد الذاكرة وعلى صعيد تعلم اللغة العربية وتشربها منذ الطفولة الأولى، وإن كنا في الحقيقة نحفظ القرآن دون فهم، لكنه كان تدريبا رائعا للذاكرة.
ـ (تقاطعه): لأنكم كنتم في سن صغيرة بطبيعة الحال أستاذ وساط
نعم، أنا التحقت بالكتاب والمدرسة في الوقت نفسه في سن الخامسة، ولم أكن وحدي في هذا الوضع، لأن التلاميذ كانوا قلة قليلة، فلم يكن هناك العدد الكافي لملئ الأقسام وننتظر حتى سن السابعة. كانوا يبدأون التسجيل من سن الخامسة، وأنا واحد من الذين التحقوا في هذا السن بالكتاب والمدرسة في آن. كانت وثيرة مرهقة والحق يقال، حيث نصحو مع الفجر يوميا ونمضي إلى الكتاب.
ـ (تقاطعه): حيث الفقيه سي عمر في الانتظار
الفقيه سي عمر أبو حفص رحمه الله، وأرجو له الرحمة والمغفرة في هذا اليوم، لقد لعب دورا كبيرا في تكويننا وكان شديد الصرامة، لكنها كانت صرامة في مصلحة الجميع، لم يكن متهاونا إطلاقا في مسألة الحفظ أو في هذه الأمور المتعلقة بالقرآن.
ـ أستاذ عبد القادر وساط أنت هو الطفل الثاني لأسرة مكونة من سبعة أبناء والأكبر هو الأستاذ الشاعر والكاتب أمبارك وساط، جمعكما في طفولتكما الشعر العربي القديم والاهتمام به.
صحيح، في هذه المرحلة كنا قد انتقلنا من قرية لمزيندة إلى مدينة اليوسفية، وأنا في سن التاسعة، وكان من حسن حظنا وجود مكتبة فخمة رائعة جدا، أنشأها المكتب الشريف للفوسفاط، بناية فخمة لن أنساها قطّ، فيها آلاف الكتب العربية والفرنسية، فكنّا نمضي إليها بانتظام، ولم يكن هناك أي مقابل مادّي، يكفي أن يكون والدك عاملا بقطاع الفوسفاط، لتستفيد من خدماتها. كان فيها شخص يعمل بتلك المكتبة رحمه الله، أذكره جيدا اسمه عِيَّادَةْ مِيمُونْ، كان رجلا رائعا حقا، ولم يكن يكتفي بتسليمنا الكتب التي نرغب فيها، بل كان يتدخل ويناقشنا. أذكر مرّة وقع اختياري على "مدام بوفاري" هنا تدخل وقال لي، إذا شئت رأيي ـ بأدب شديد ـ فهذا الكتاب لا يصلح لسنك وسأقترح عليك كتابا غيره، واقترح علي كتابا لم أنساه إلى اليوم هو Les Grandes Esperances وكان نعم الإقتراح، وإلى اليوم أتذكر جيدا جميع أحداث الآمال الكبرى لشارل ديكنز، وكان أول كتاب أقرأه باللغة الفرنسية، وطبعا بالكثير من الصعوبة والبحث في المعجم وما إلى ذلك. هذه المكتبة كان لها دور لا يوصف في تكويننا ونحن أطفال.
كان الوالد رحمه الله، وإن كان رجلا أميّا، كان مولعا بالكتب، فكان يمضي للسوق وفي ذلك الزمن كان بائع الكتب تجده إلى جانب الخضار، وبائع الملابس القديمة، فكان يمرّ عليه بالضرورة ويشتري منه بعض الكتب. أذكر يوما جاءنا بكتاب ضخم وهو تاريخ الأدب العربي، للكاتب حنا الفاخوري، ولن أصف لك الدور الذي لعبه ذلك الكتاب في طفولتنا، وكانت هناك مجلة اسمها "البيّنة" كان يشتري أعدادها كل شهر، كل هذا كان يصبّ في تكويننا وفي انفتاحنا على الأدب وعلى القراءة في تلك السّن المبكرة.
ـ العجيب أستاذ عبد القادر أن هذا الشّغف بالأدب والاهتمام باللغة العربية وهذه القراءات لكتب مهمة في تاريخ الأدب العالمي رغم كل ذلك كان توجهك علميا في دراستك الجامعية.
نعم، سأحكي لك ما حدث بالضبط، كان عندنا أستاذ فرنسي لا أدري إن كان لا يزال على قيد الحياة أو توفي إلى رحمة الله، اسمه "أستاذ لُومْبَارْ" يذكره جميع أبناء جيلي باليوسفية، في السنة التوجيهية حين يختار التلميذ أن يتوجه إما إلى الدراسة الأدبية وإما للدراسة العلمية، كنت اخترت الأدب، كان عشقي للأدب لا يتصور، فدعاني الأستاذ "لُومْبَارْ" إلى قاعة الأساتذة، وقال لي أنت الآن في بلد يحتاج إلى شباب ذوي تكوين علمي، وأنت لديك نتائج جيدة جدا في المواد العلمية وينبغي أن تتوجه للدراسة العلمية، فاعترضت، وقلت له إنني أحب الأدب، علما أنه كان يعرف عشقي للأدب، حيث كان يمدني بالكثير من الكتب. قال لي الأدب تقرأه في البيت والعلوم تتكون فيها في الثانوية وبعدها في الجامعة. وكذلك كان.
لكنني كنت دائما أحسّ ـ لا أكتمك ـ حتى اليوم، بأنني إلى حدّ ما غريب في دنيا العلوم، وأن جبلّتي أدبية. ورغم ذلك مضيت في سلك العلوم إلى أن تسجّلت في كلية الطبّ وما تلى ذلك من دراسة.
لكنني كنت دائما أحسّ ـ لا أكتمك ـ حتى اليوم، بأنني إلى حدّ ما غريب في دنيا العلوم، وأن جبلّتي أدبية. ورغم ذلك مضيت في سلك العلوم إلى أن تسجّلت في كلية الطبّ وما تلى ذلك من دراسة.
ـ تخرجت طبعا طبيبا عاما ثم تخصصت في الطب النفسي.
تخرجت في الطب العام في بداية الأمر، ومباشرة بعد ذلك نودي علي مثل جميع أبناء جيلي من الأطباء للخدمة العسكرية في أقاليمنا المسترجعة، حيث قضيت سنة رائعة جدا في الجنوب بالجدار الأمني، ثم عدت بعد ذلك واجتزت مسابقة للتخصص واخترت التخصص في الأمراض العقلية والنفسية، وكان لذلك الاختيار سبب واضح وهو أن هذا مجال في الطب يجمع بين الأدب والعلم. كان هذا ما دفعني إلى اختياره دون غيره من الاختصاصات. لقد مضت عقود من الزمن كما قال الشاعر: "ثم انقضت تلك السنون وأهلها وكأنهم أحلام"، مضى الزمن بسرعة لا تتصور.
ـ وأنت طالب وبمجرد وصولك للدار البيضاء، صرت تبحث عمّا يؤدي إلى اللقاء بالكلمات أو كنت تبحث عن ذلك الرجل الذي جبلّته أدبية. ذهبت إلى المحرر اعتقد؟
حصلت على شهادة الباكلوريا في سن السابع عشرة، وكنت قبل ذلك وأنا في اليوسفية قبل حصولي على الباكلوريا، كنت أرسل محاولات شعرية إلى جريدة المحرر، وكانت تنشر، وكنت أسعد سعادة كبرى حين أجدها، حيث كانت هناك صفحة مخصصة للشعراء الشباب. كان ارتباطنا بجريدة المحرر ارتباطا وثيقا، حتى الوالد رحمه الله كان يوميا يرسلني كي أشتري له الجريدة وأقرأ له ما جاء فيها، فلما حللت بالدار البيضاء وتسجّلت في السنة الأولى بكلية الطبّ، كان من الطبيعي تماما أن أذهب للبحث عن مقر جريدة المحرر، في ذلك الزمن كان عمر بن جلون أكثر من نار على علم، فكنت أحلم برؤيته وفي الوقت نفسه بنسج بعض العلاقة المباشرة مع الجريدة التي كانت علاقتي بها عن بعد قبل ذلك الوقت. هكذا بدأت الرحلة الجديدة مع جريدة المحرر. لم يسعفني الحظ طبعا من رؤية عمر بن جلون، ومع مرور الزمن صرت عضوا في هيئة تحريرها.
ـ أولى قصائدك الشعرية نشرت في المحرر، كيف كان شعور الوالد وأنت تقرأ له شعرك على صفحة الجريدة؟
الحق أنني لم أحدثه عنها، كنت أقرأ عليه أخبار الشرق الأوسط على الخصوص، أنت تعرفين في ذلك الزمن أن الجريدة كانت تلعب دورا أساسيا، وغالبا ما كنت أشتري له جريدة المحرر، وجريدة العلم، فأقرأ عليه الأخبار بالدرجة الأولى كان بحكم عمله في المكتب الشريف للفوسفاط كان منتميا لنقابة الاتحاد المغربي للشغل وكانت حركة نقابية عجيبة جدا في ذلك الزمن، فكان يهتم أيضا بأخبار النقابة وجديدها وما إلى ذلك. لكنني لم أتحدث إليه قط في مسألة ما كنت أنشره من شعر. أذكر جيدا أن أول قصيدة نشرتها في المحرر وهي عن بيروت، كانت الحرب في تلك الفترة وكنا نتعاطف مع تلك الأوضاع المحزنة في تلك العاصمة الجميلة. لم يكن نشري للشعر سرّا، إخوتي كانوا على علم، إنما الوالد لم أحدثه قط في الأمر.
أيضا كان هناك برنامج إذاعي لابد من ذكره "مع ناشئة الأدب"، وتحية رجل لعب دورا أساسيا في هذا الباب وهو المرحوم إدريس الجّاي، فهذا الشاعر المغربي كان له برنامج إذاعي فكنا نرسل إليه قصائدنا وكان يختار منها ما نال اعجابه إلى حد ما، وكانت تقرأه إحدى المذيعات بصوتها الرائع جدا مع موسيقى. ولا تسألي عن الفرحة وأنت تستمع إلى قصيدتك بذلك الصوت الجميل مرفوقا بتلك الأنغام الجميلة. كانت أياما رائعة في الحقيقة.
تغيرت الأمور بشكل مؤسف في زمننا هذا، أنا سأقول لك، هناك آفة كبرى ابتلينا بها في هذا الزمن، أخطر من "كورونا" ومن جميع ما يمكن أن نتخيله، وهي آفة الهاتف المحمول. أمر على المقهى هناك خمس أو ست أصدقاء جالسين معا، ولا أحد منهم يكلم الآخر، كل مشغول بشاشة هاتفه، لا يلتفت إلى ما حوله، وحتى داخل الأسر لم يعد أحد يتحدث إلى أحد، لقد افتقدنا الكثير بسبب هذه الآفة، وأنا أسميها آفة في حقيقة الأمر.
ـ لماذا كنت تتردد أو "تخجل" في نشر ديوان شعري، رغم تمكنك ورغم إشادة الكبار مثل أحمد المجاطي، بشعر عبد القادر وساط؟
أنا في الحقيقة لا أتردد، أنا أتهيّب من نشر الشعر، أتذكر قول أحد الشعراء القدامى، أظن أنه البحتري، قيل له: لم لا تكثر من قول الشعر؟ فقال: "ما يأتيني لا أريده، وما أريده لا يأتيني".
-تقاطعه: الشاعر الذي اغتنى بفضل نوال المتوكل ـ تلك من ألاعيب الكلمات المسهمة في الجريدة.
-تقاطعه: الشاعر الذي اغتنى بفضل نوال المتوكل ـ تلك من ألاعيب الكلمات المسهمة في الجريدة.
يسترسل: هي من الألغاز الطريفة التي يتذكرها الكثير من القراء.
أنا استغرب حين أرى بعض الشعراء الذين احترمهم وقد أصدروا عشرة دواوين شعرية في ظرف زمني وجيز، وأنا أقول المتنبي نفسه مات وهو في سن الواحدة والخمسين وترك حوالي مائة صفحة من الشعر فقط. الإكثار هو جرأة على الشعر قد لا تكون محمودة العواقب، والآن تفاقم الأمر، لأنه صارت سهولة في النشر، كنا نكتب قصيدة وتبعثها عن طريق البريد وتنتظر رأي لجنة النشر فيها، وهل تنشر أم لا. اليوم أنت تكتب قصيدة وتنشرها في الثانية التي تلي الكتابة في الفيسبوك، فلم يعد هناك ذلك الوازع، ولم يعد الإنسان يعيد النظر في قصائده ويعيد تنقيحها، ينشرها كما هي. لا ننسى مثلا أن زهير بن ابي سلمى، كان يمضي سنة كاملة في تنقيح قصيدته وكانت له قصائد تسمى الحوليات، وهي قصائد تعود إلى الحول، يعني السنة، وهذا هو سبب التهيّب. الإنسان لا يجب أن ينشر كل ما يرد بباله.
أنا استغرب حين أرى بعض الشعراء الذين احترمهم وقد أصدروا عشرة دواوين شعرية في ظرف زمني وجيز، وأنا أقول المتنبي نفسه مات وهو في سن الواحدة والخمسين وترك حوالي مائة صفحة من الشعر فقط. الإكثار هو جرأة على الشعر قد لا تكون محمودة العواقب، والآن تفاقم الأمر، لأنه صارت سهولة في النشر، كنا نكتب قصيدة وتبعثها عن طريق البريد وتنتظر رأي لجنة النشر فيها، وهل تنشر أم لا. اليوم أنت تكتب قصيدة وتنشرها في الثانية التي تلي الكتابة في الفيسبوك، فلم يعد هناك ذلك الوازع، ولم يعد الإنسان يعيد النظر في قصائده ويعيد تنقيحها، ينشرها كما هي. لا ننسى مثلا أن زهير بن ابي سلمى، كان يمضي سنة كاملة في تنقيح قصيدته وكانت له قصائد تسمى الحوليات، وهي قصائد تعود إلى الحول، يعني السنة، وهذا هو سبب التهيّب. الإنسان لا يجب أن ينشر كل ما يرد بباله.