الجمعة 7 فبراير 2025
سياسة

قبلة الوزيرة بنعلي: بلاغة الصورة وأبعاد السيرورة التدليلية لإنتاج المعنى..

قبلة الوزيرة بنعلي: بلاغة الصورة وأبعاد السيرورة التدليلية لإنتاج المعنى.. ليلى بنعلي ومحمد دخاي
ارتباطا بما أسمته وسائل الاعلام المغربية والأجنبية بـ (القبلة والقبلة الحميمية وقبلات باريس والقبلة الحارة والتشلقيم والقبلة الساخنة ...) وهي من الاوصاف المتعددة التي وسمت بها وسائل الاعلام وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية في تفاعل ما بين (اللفظي والايقوني) اثناء متابعتها الإعلامية للخبر. وهو خبر نقل في الاصل عن صحيفة أسترالية (زعمت فيه) ان وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية، ليلى بنعلي، ومن خلال ادراجها لصورة تظهر سيدة مجهولة قيل بانها (الوزيرة) يقبلها رجل بشكل حميمي فيه نوع من التعنيف بحكم ان السيدة غير متفاعلة معه كما تبين بعض الإشارات السيميائية الدالة من خلال يدها اليمنى المبسوطة وارتفاع الرجل اليمنى من الأرض. وهي الصورة جرى تداولها بشكل كبير على مدى الأيام الماضية. ذلك ان مرافقة النص اللغوي للعلامة البصرية في اغلب المتابعات الإعلامية التي قمنا برصدها (صورة الوزيرة) غير متوازنة او متوافقة. أي انها لا تراعي (صون المعنى من هلامية وإطلاقيه التلقي) بحكم ان الكثيرون تحدثوا عن عدم وضوح الصورة لان وجه الوزيرة لا يظهرا أبدا كما في حالة (لويس روبياليس)، رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم، الذي اثار موجة انتقادات حادة ضده في إسبانيا إثر تقبيله اللاعبة (جينيفر هيرموسو) على الفم.
 
الخطاب الإعلامي المغربي وهو يمارس سلطة التلفظ من خلال هذا الخبر، وانطلاقا مما نشرته العديد من الجرائد والمواقع الإليكترونية فهو لم يتناوله من باب التشكيك فيه مراعاة لفرضية نقل خبر زائف (الفايك نيوز) حيث تكمن خطورته في " قلب موازين القوى السّائدة في المجتمع، وتُقنع بما كذبت وأشاعت، وتستهدف الأشخاص والشّخصيّات العامّة، وبثّ الفوضى والنّزعة الطّائفيّة والفتنة، وتهديد استقرار البلدان وأمنها، ومراوغة المواطن والتلاعب بالدّيمقراطيّة."
 
ذلك انه وفي قراءة نقدية فقد أوردت العديد من وسائل الاعلام المغربية الخبر حيث يتوهم منه على انه خبر صحيح، وهو ما يرصده المتلقي من خلال بعض المفاهيم المعجمية الحاسمة في التبيلغ من خلال إقناعه بان رفض الوزيرة للتعليق عليه وعدم الخروج ببلاغ في الامر يحسم في حقيقة تبادلها القبل. حيث يستحضر المتلقي شخصية الانثى، كما في التمثلات السلبية التي يستحضرها عنها المجتمع، الذي لا يقبل من سيدة هي (الوزيرة والام والزوجة) ان تدخل في علاقة يرى على انها غير شرعية وبمواطن (نصراني)، وفي سياق سياسي وثقافي وديني ساخن عرف طرح حزب الوزيرة للعلاقات الرضائية ولقانونية المطالبة بعقد الزواج في الفنادق. فقد أوردت جريدة الاخبار في موقعها الاليكتروني مثلا بان الوزيرة رفضت (التعليق على الصورة التي نشرتها جريدة أسترالية منسوبة إليها، وهي تتبادل القبل مع ملياردير أسترالي.) بينما وصف موقع صفحات نيوز الخبر على انه (فضيحة الوزيرة المغربية ليلي بنعلي (القبلة الحميمية) مع رجل أسترالي). معززا مقاله بصورة لسيدة غير معروفة ولا تظهر ملامحها، وهو نفس ما ذهبت اليه مواقع جزائرية كموقع الراي نيوز في اطار استهداف المملكة إعلاميا .بينما تحفظت مواقع أخرى عن الخبر واصفة إياه بالمزعوم كموقع هسبريس وموقع الحرة وموقع انفاس بريس قبل ان تخرج الوزيرة المعنية في بلاغ للراي العام بغاية الدفاع عن الذات وتزكيتها، باعتباره آلية تواصلية واستراتيجية وان ما جرى لا يخرج عما وصفه موقع البلد من ان الوزيرة تدفع ثمن اللعب مع الكبار، بمعنى أن السياق هو الذي يقوم بإنتاج معاني متعددة عن اشخاص ولو بصور غير واضحة في ابعادها السيميائية والدلالية لأن الخطابات والصور عن الاحداث السياسية واللغة السياسية بالمعنى الواسع، هي التي توجد في قلب تجارب أغلبية المواطنين وليس الاحداث نفسها .
 
فهل تدفع الوزيرة فعلا ثمن اللعب مع الكبار، ارتباطا بموقعها السياسي وارتباطاته الاقتصادية المحتملة؟ وهل هو استهدف سياسي لا يخرج عن احداث مشابهة أخرى تعرضت ليه سيدات شكلن جزءا من الوعي الجمعي السياسي المغربي؟ (صور امينة ماء العينين بفرنسا صور نادية ياسين بتركيا وغيرها..).
 
فالخطاب السياسي يحفل بقضايا متعددة على مستوى بناء استراتيجياته التواصلية ، سواء من خلال تتبع الممارسات السياسية على مستوى مخاطبة الراي العام ، او من خلال توظيف الخطاب الدعائي القائم على التشهير والضرب في الاخر بغاية التأثير على توجهات الرأي العام واقناعه من جهة او بغاية رد الاعتبار، او بهدف حشد الأنصار والمتعاطفين من جهة أخرى ،وذلك عبر استعمال صور لها ابعاد جنسية لمسؤولين معروفين سياسيا او رياضيا او إعلاميا ، وتوظيف استعارات سواء من الحقل الديني و الامثال الشعبية او المتن الحكائي وغيرها، كما في وصف الطالبي العلمي هذا الأسبوع لنبيل بن عبد الله بالمعضوب عليه حيث ابدى " تأسفه من ان يقوم شخص مغضوب عليه بتنصيب نفسه للحديث بإسم المغاربة عن قضايا هو وحكومته من تسببوا في فشلها.
كما يحفل المشهد السياسي المغربي بالعديد من الاستعارات والافعال الكلامية والانساق غير اللغوية (الصور والكاريكاتور) وهي تصنف ضمن الحجج المصطنعة او الجاهزة كنوع من التدليل ولا تقع في نطاق الحقائق الثابتة ولا وقائع يتفق عليها بشأنها، وذلك لان تواجدها قائم في الخطاب السياسي كصيغ خطابية تحدد لغايات معينة. حيث ترتبط البنية الدلالية بالبنية التصورية وذلك لان البنية الدلالية هي البنية التصورية، فكل ما يتصور يعبر عنه في اللغة، أي كما هو متصور في الذهن. ومن هنا فالبنية الدلالية هي البنية التصورية او انها اسقاط للبنية التصورية في مجال اللغة. ثم لان تحليل الخطاب السياسي لا يمكن ان يكون عابرا للتخصصات، فلا يمكن مقاربته دون أدوات معرفية من حقول معرفية عدة مثل اللسانيات والبلاغة والسيميوطيقا وعلوم الاتصال وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ وغيرها".
ومن بين الاستعارات التي تم توظيفها في الخطاب السياسي كما تحددت إعلاميا المغربي نذكر:(جوج فرانك، المداويخ، طحن مو، اللعب الافتراضي، التماسيح والعفاريت، الدولة العميقة، ما دون البغل وفوق الحمار، الحمار، الذئب الشارف، انقاذ الحزب من براثن الذئاب، .....) وهي وحدات معجمية تدخل فيما يسميه (بول ريكور) بالاستعمال المتوحش للكلام. وتؤدي وظيفة تمثيلية تنطلق من العلاقة الموجودة بين مادة الفعل السياسي وبين المرجعيات الثقافية حسب طبيعة السياقات التي تنسج في العملية السياسية، وهو ما يسميه عادل عبد اللطيف بسياق الموقف وهو " المحيط الذي يؤطر والملابسات الحافة بالحدث الخطابي " .والذي يأتي في إطار الفعل ورد الفعل عبر استعمال استعارات تصورية تنهل من قاموس الحيوانات والتي غالبا ما تحضر بشكل سلبي بغرض تحطيم الاخر ، وهو ما اثار جدلا سياسيا بخصوص ذلك، ذلك ان هذه الحجة تفتح باب التأويل لدى المتلقي انطلاقا من تفعيل ذاكراته الموسوعية لاستقراء دلالتها وحدوث الاقناع لديه عبر تقوية مسار المحاججة الخطابية مع المرسل، حيث يقول جمال العسري في مقال بموقع انفاس بريس عن توارد ذلك في الخطاب السياسي المغربي حيث يقول : " ليكن الله في عوننا نحن الشعب المقهور ... فرئيس حكومتنا ذئب شارف ... ورئيس برلماننا حمار صغير ... بشهادتهما هما معا ... وعلى لسانيهما هما ... وهكذا ضعنا ... ما بين ذئب ... وحمير بتشديد الياء!»، علما انها لا تحضر دائما بشكل سلبي بل قد تحضر بشكل إيجابي. بعض المواقع تناولت خبر (قبلة الوزيرة) عن طريق الحرص على بلوغ القصد ، او عن طريق أساليب توجيهية عند المتلقي حتى لا يفهم منها ان نقل الخبر فيه نوعا الانحياز ضدا في الوزيرة باعتبارها خصما مفترضا ، وهي الأساليب التي بواسطتها تأخذ قيمتها التداولية كما يتجلى ذلك في النداء أو الامر او الاستفهام " حيث أورد بعضها من مثل موقع رصد المغرب و الاخبار 24 حجة الاستدراج بالسؤال عبر تركيب استفهامي يستدرج به المتلقي من اجل توجيهه الى فهم خطابه المحايد يجعله يطرح سؤالا ضمنيا من خلال المؤشرات الحجاجية غير المصرح بها ( زيف الخبر – عدم وضوح الصورة -مصدر الخبر .....الخ) حيث يستفهم (عبد الرحيم اريري) في موقع انفاس بريس عن الامر قائلا:" هل السيدة "المُشَلْقَمَة"، التي تظهر في الصورة مع الملياردير الأسترالي، هي الوزيرة ليلى بنعلي أم لا؟...
 
رأينا كيف تعددت أبعاد تداولية الخبر في الاعلام وبأنماط كثيرة تعود بنا من جديد ومن خلال البحث في تحليل الخطاب الإعلامي الى طرح سؤال الأفعال الإنجازية والحجاجية وأهميتها التواصلية في الأداء الخطاب الإعلامي عامة ومنه المغربي وسياقاته الاتصالية من اجل استيعاب الخبر ، وكذلك من اجل تحقيق ما يسمى بالكفاءة التواصلية وهو مفهوم أرى انه جاء لتعويض ما يسمى بأخلاقيات المهنة ، ارتباطا مما يسميه (أوزفالد ديكرو) بالمكاشفة ، وهو شرط يتمثل في قول المتكلم للحقيقة كما يتصورها موجودة في الواقع أو كما يدركها في الواقع ،سواء كانت لغوية وغير لغوية كما في الصورة الموظفة من طرف الجريدة الأسترالية باعتبارها مرجعا حجاجيا يبين بلاغة الصورة في وسائل الاعلام ، وهو المنطلق الذي أرى ان الوزيرة ذهبت اليه لتبرير استهدافها سياسيا خصوصا في ظل الحديث عن تعديل حكومي قريب ، دون ان ننسى حادثا مماثلا من خلال استهدف زميل لها من نفس حزب الاصالة والمعاصرة وذلك بعد تسريب صورة للوزير عبد اللطيف الميراوي مع أعضاء يقال بانهم محسوبون على جماعة العدل والإحسان . فليست الصورة متعة شكلية فحسب، ولكنها أداة إقناع، وقناة اتصال، وهي ذات سلطة حجاجية كبرى تظهر في الطريقة التي تفرض بها على المتلقي نوعا من الانتباه للمعنى الذي تعرضه، وفي الطريقة التي تجعله يتفاعل مع ذلك المعنى حتى وان كان غير حقيقي.