السبت 27 يوليو 2024
سياسة

بعد‭ ‬إقبار‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع.. حكومة أخنوش تحرض على الفساد ونهب المال العام

بعد‭ ‬إقبار‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع.. حكومة أخنوش تحرض على الفساد ونهب المال العام عزيز أخنوش، رئيس الحكومة و الوزير عبد اللطيف وهبي
إذا‭ ‬كان‭ ‬للفساد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وجه‭ ‬وقناع‭ ‬وذراع‭. ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مدخل‭ ‬لمحاربته‭. ‬ولعل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬وآليات‭ ‬هذه‭ ‬المحاربة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الهياكل‭ ‬والنصوص‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تلتقي‭ ‬مع‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬وفي‭ ‬صداراتها‭ ‬الملكية‭ ‬المتمثلة‭ ‬لروح‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬الذي‭ ‬ربط‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة،‭ ‬مؤكدة‭ ‬دائما‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬التحديات‭ ‬الداخلية‭ ‬باتجاه‭ ‬بناء‭ ‬مغرب‭ ‬التقدم‭ ‬والكرامة‭. ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬إحداث‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬سنة‭ ‬2017،‭ ‬بمرسوم‭ ‬رقم‭ ‬264-17-2‭ ‬يهدف،‭ ‬كآلية‭ ‬للحكامة،‭ ‬إلى‭ ‬"تتبع‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مختلف‭ ‬التوجهات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والتدابير‭ ‬والمشاريع‭ ‬والإجراءات‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتعزيز‭ ‬النزاهة‭ ‬ونشر‭ ‬قيم‭ ‬التخليق‭ ‬والشفافية،‭ ‬ومواكبة‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬المعنية‭ ‬ببرامج‭ ‬السياسة‭ ‬العمومية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمكافحة‭ ‬الفساد"‭. ‬ويتآزر‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬بوجود‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬والهيئات‭ ‬المدنية‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الحقوقي،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬العصب‭ ‬الأساسي‭ ‬لنشاطها‭ ‬الجمعوي‭. ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المرجعيات‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬المادة‭ ‬20‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭.‬
على‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬تخصص‭ ‬«الوطن‭ ‬الآن»،‭ ‬ملف‭ ‬هذا‭ ‬العدد،‭ ‬للجدل‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬ظهور‭ ‬بند‭ ‬محاربة‭ ‬جريمة‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬تعديل‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬واختفائه‭ ‬بما‭ ‬يعكس‭ ‬حالات‭ ‬التردد‭ ‬بين‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الوثبة‭ ‬باتجاه‭ ‬المستقبل‭ ‬مقابل‭ ‬حالات‭ ‬تشده‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬أيضا‭ ‬كون‭ ‬بلادنا‭ ‬تعيش،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬سرعات‭ ‬متناقضة‭ ‬تعبر‭ ‬حالة‭ ‬تأزم‭ ‬مرحلة‭ ‬الانتقال‭ ‬نحو‭ ‬الديموقراطية‭ ‬بكامل‭ ‬أسسها‭.‬
‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬مارس‭ ‬2015‭ ‬كانت‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬والحريات‭ ‬«أيام‭ ‬حكومة‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران»‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬عن‭ ‬عملها‭ ‬بصدد‭ ‬إتمام‭ ‬إعداد‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬جنائي‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬تقادم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المضامين‭ ‬التي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬وضعها‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1962،‭ ‬وضمن‭ ‬التعديلات‭ ‬المطروحة‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬إحداث‭ ‬بند‭ ‬تجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭.‬
وبينما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الصياغة‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬مسالكها‭ ‬التشريعية‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬إقرار‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬جنائي‭ ‬متجدد،‭ ‬تعطلت‭ ‬المسالك‭ ‬في‭ ‬حكومتي‭ ‬بنكيران‭ ‬وسعد‭ ‬الدين‭ ‬العثماني‭ ‬بتبريرات‭ ‬مختلفة‭.‬
في‭ ‬نونبر‭ ‬2021‭ ‬قررت‭ ‬حكومة‭ ‬عزيز‭ ‬أخنوش‭ ‬رسميا،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬تعيينها‭ ‬سوى‭ ‬وقت‭ ‬يسير،‭ ‬سحب‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬المعني‭ ‬الحامل‭ ‬لرقم‭ ‬16.10،‭  ‬وبررت‭ ‬ذلك‭ ‬بصعوبة‭ ‬مناقشته‭ ‬بشكل‭ ‬مجزأ،‭ ‬وبضرورة‭ ‬مناقشته‭ ‬في‭ ‬شموليته،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬مصطفى‭ ‬بايتاس،‭ ‬الوزير‭ ‬المنتدب‭ ‬لدى‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬المكلف‭ ‬بالعلاقات‭ ‬مع‭ ‬البرلمان‭ ‬الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة‭.‬
في‭ ‬24‭ ‬يوليو‭ ‬2023‭ ‬أكد‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬وهبي،‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬سحب‭ ‬مشروع‭ ‬مجموعة‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬من‭ ‬البرلمان،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬الأسئلة‭ ‬الشفهية‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب،‭ ‬موضحا‭ ‬بأن‭ ‬«بعض‭ ‬الفصول‭ ‬التي‭ ‬سحبت‭ ‬تطرح‭ ‬إشكالا»،‭ ‬وبأن‭ ‬«الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬تطبيقه،‭ ‬كيف‭ ‬سنتعامل‭ ‬مع‭ ‬مبدأ‭ ‬قرينة‭ ‬البراءة‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬دستوريا،‭ ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬تناقضا؟»
السؤال‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق:
لماذا‭ ‬اتخذ‭ ‬قرار‭ ‬السحب؟
ولماذا‭ ‬تتعثر‭ ‬المسالك‭ ‬التشريعية‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬ما‭ ‬قالت‭ ‬الحكومة‭ ‬إنه‭ ‬ثغرة‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬السابق؟
وهل‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬التعطيل‭ ‬المتوخى‭ ‬منه،‭ ‬حسب‭ ‬منطوق‭ ‬الحكومة،‭ ‬فقط‭ ‬تحويل‭ ‬المجزإ‭ ‬إلى‭ ‬الشمولي؟
الآن،‭ ‬وبعد‭ ‬هدر‭ ‬الزمن‭  ‬النفسي‭ ‬والمادي‭ ‬منذ‭ ‬طرح‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬تجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬قبل‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬التفسير‭ ‬البليغ‭ ‬لقرار‭ ‬السحب،‭ ‬يجد‭ ‬تفسيره‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬منذ‭ ‬تعيينها‭ ‬أنها،‭ ‬ببساطة‭ ‬ووضوح،‭ ‬حكومة‭ ‬الباطرونا‭ ‬التي‭ ‬تلهف‭ ‬كل‭ ‬الامتيازات،‭ ‬وبأنها‭ ‬حكومة‭ ‬الأثرياء‭ ‬الجشعين‭ ‬الذين‭ ‬يناصرون‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬النهار‭ ‬والليل‭ ‬ضدا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬رفعته‭ ‬من‭ ‬وعود‭ ‬وشعارات‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬الأغلبية‭ ‬الحكومية‭ ‬الحالية،‭ ‬وضدا‭ ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬الحكومي‭ ‬وتصريحات‭ ‬الوزراء‭ ‬بخصوص‭ ‬ادعاء‭ ‬«الدولة‭ ‬الاجتماعية»،‭ ‬تزامنا‭ ‬مع‭ ‬ادعاء‭ ‬تجفيف‭ ‬منابع‭ ‬الفساد،‭ ‬وإنصاف‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬العدالة‭ ‬وتركيز‭ ‬مبدأ‭ ‬الشفافية‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العمومي‭. ‬
وها‭ ‬هي‭ ‬قراراتها‭ ‬المكلفة‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬المغاربة‭ ‬وجيوبهم‭ ‬ونفسياتهم:‭ ‬التوالي‭ ‬التدريجي‭ ‬في‭ ‬الزيادات‭ ‬الملتهبة‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية،‭ ‬وإبطال‭ ‬معاني‭ ‬الحوار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مع‭ ‬النقابات‭. ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬احتداد‭ ‬التعبيرات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬التي‭ ‬عشنا‭ ‬تواصلها‭ ‬الغاضب‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والتشغيل‭.‬
‭   ‬
وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬مقيت‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬نبهنا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق،‭ ‬ويهم‭ ‬إقدام‭ ‬الحكومة‭ ‬ذاتها‭ ‬على‭ ‬إقبار‭ ‬34‭ ‬تقريرا‭ ‬لهيأة‭ ‬النزاهة‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬تتضمن‭ ‬1000‭ ‬توصية‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬لردع‭ ‬المتلاعبين‭ ‬بالمال‭ ‬العام،‭ ‬وتجويد‭ ‬مسطرة‭ ‬استراداد‭ ‬الدولة‭ ‬للأموال‭  ‬المنهوبة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭  ‬آليات‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭.‬
مجمل‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬نص‭ ‬تجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬إلى‭ ‬الترسانة‭ ‬التشريعية‭ ‬المغربية‭. ‬بل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬كل‭ ‬النصوص‭ ‬الذاهبة‭ ‬نحو‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬تنزيل‭ ‬المنظومة‭ ‬الدستورية،‭ ‬وضمنها‭ ‬الخطب‭ ‬الملكية،‭ ‬وتجديد‭ ‬هوية‭ ‬ووظائف‭ ‬الهياكل‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالمراقبة‭ ‬وحماية‭ ‬المال‭ ‬العمومي،‭ ‬ودعم‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬المدني‭ ‬الذي‭ ‬يحارب‭ ‬الفساد‭.‬
يقال‭ ‬إن‭ ‬الديموقراطية‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬إلا‭ ‬بوجود‭ ‬الديموقراطيين‭. ‬بناء‭ ‬عليه‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الفساد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُكافح‭ ‬أبدا‭ ‬بوجود‭ ‬المفسدين‭.‬