الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

فؤاد زويريق: اندحار عسكر الجزائر في حرب "الدحميس"

فؤاد زويريق: اندحار عسكر الجزائر في حرب "الدحميس" فؤاد زويريق
 ساذج من ظن بأن أزمة قميص فرقة نهضة بركان المغربي في عمق الجزائر هي أزمة تافهة، أو أزمة تحتمل السخرية والهزل، النظام الجزائري ليس غبيا أو بليدا حتى يحارب قميصا دخل بلاده وتجاوز حدوده تحت أنظار العالم وباعتراف تام من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم وما جاوره، القميص بدون خريطة المغرب كاملة لن يكون سوى قميصا رياضيا عاديا، لن يزعجه ولن يهدد أركانه الجغرافية ولا العسكرية، الخريطة المغربية التي يوشح بها صدر القميص هي البركان الذي جعله ينفجر ويقذف حمم غضبه وحقده في كل اتجاه، الكل يعرف بأن النظام العسكري الشائخ في الجزائر حارب ومازال يحارب الوحدة الترابية لبلادنا منذ عقود، يستنزف أموال الشعب الجزائري في قضية خاسرة لا ناقة له فيها ولا جمل، فقط لأنه يعاني من تضخم أناه وبواسيره من فرط الشيخوخة المزمنة، الشعب الجزائري كان سيكون من أغنى شعوب العالم لو تم استغلال ثرواته بشكل عادل ولصالحه، لكن للأسف النظام الذي يحكمه بارع في تحويلها الى سراب والى ماء مسكوب في رمال صحرائه وصحرائنا، النظام العسكري الجزائري لا يشكل تهديدا لنا فقط بل حتى للجزائر نفسها ولباقي بلدان المنطقة، وقد سبق له مرارا أن هددها في محطات عدة، والتاريخ والجغرافية يشهدان على ذلك، قميص نهضة بركان اختزل موقفنا كمغاربة بكل أطيافنا وجغرافيتنا الداعم لقضية صحرائنا وتشبثنا بكل حبة رمل فيها، ذاك القميص الذي انبجس من أقصى شمال شرق المملكة، تلك المنطقة البعيدة جدا عن صحرائنا الجنوبية والقريبة جدا من الجزائر، وهذه رمزية لها ما لها في موقعة القميص هذه.
 القميص اختزل أزمة تاريخية ممتدة تحسب بوحدات الزمن وبعدد حبات الرمال المخضبة بدماء الأبرياء، فكل أزمة يفتعلها النظام الجزائري تجعلنا نحن المغاربة نستحضر آلامنا معه ليس مع هذا النظام فقط فالتهديد الآتي من الشرق يتجاوز هذا النظام زمنيا وبمئات السنين، فالمغرب كان ومازال يُهدَّد من هذه المنطقة بالذات، فلاش باك الى الخلف، لن نتعمق في التاريخ القديم، لنقف على اعتابه القريبة نوعا ما من الامبراطورية العثمانية التي استعمرت كل البلدان العربية حتى "الجزائر" وأوقفتها الدولة السعدية الحاكمة في المغرب أنذاك والتي حلت محل الدولة الوطاسية، فكانت الجبهة الشرقية للمغرب مشتعلة بشكل دائم بسبب العثمانيين ومحاولاتهم المتكررة غزو المغرب، لولا قوته، وخير دليل معركة وادي اللبن التي جرت بين التركي حسن بن خير الدين باشا حاكم تلمسان الذي دخل المغرب من الجزائر والسلطان السعدي أبو محمد عبد الله الغالب والتي انتصر فيها السعديين انتصارا كبيرا وسحقوا الجيش التركي الذي عاد فارا الى قواعده في الجزائر، من الجهة الشرقية أيضا تغلغل إلى المغرب الاحتلال الفرنسي فبعد احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 لم تخف طموحها في احتلال جارتها المغرب، وخصوصا عندما قام السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن بن هشام بحماية المقاوم الجزائري الأمير عبد القادر ودعم الجزائريين، وكانت النتيجة الهزيمة في معركة إسلي وما أعقبها من معاهدات وتدخلات فرنسية وأوربية مجحفة ضد المغرب الى ان فرضت الحماية عليه سنة 1912.  
فلطالما عانى المغرب من هذه الجهة ومازال بل حتى بعد الاستقلال، إذ احتضن المغرب المقاومة الجزائرية ومدها بالسلاح وبعدها تنكروا له وزاحموه في حدوده المشروعة لتقوم حرب الرمال بين الأشقاء سنة 1963، ثم معركة أمكالة الأولى سنة  1976، حيث هاجمت ألوية من الجيش الجزائري قرى داخل المغرب ليتدخل الجيش المغربي دفاعا عنها، ثم بعدها معركة أمكالة الثانية وغيرها من المعارك التي كان يتدخل ويهاجم فيها الجيش الجزائري مباشرة... بعيدا عن تسليح الحركة الانفصالية البوليساريو واحتضانها من طرف النظام العسكري الجزائري لتكون شوكة في حلق المغرب، وبعيدا عن المعارك في الصحراء المغربية بين جيشي بلدين جارين، فمازال المغاربة يتذكرون ونحن المراكشيون خصوصا الاعتداء الإرهابي على فندق أطلس أسني بمراكش سنة 1994 وبإيعاز من النظام الجزائري، بل ومازلنا كمغاربة نتألم من الجريمة غير مغتفرة تلك التي ارتكبها النظام الجزائري يوم هجر وطرد سنة 1975 350 ألف مغربي من الجزائر في ليلة عيد الأضحى، وسميت بالمسيرة السوداء التي جاءت كرد فعل على المسيرة الخضراء التي قام بها المغاربة إلى الصحراء الجنوبية المستعمرة من طرف الاسبان أنذاك، والتي قام بها 350 ألف متطوع مغربي وهو نفس العدد الذي طرد من الجزائر حقدا وغلا.   
موقعة القميص ليست بمعزل عن باقي الأزمات والصراعات التي يشعلها النظام الجزائري من حين لآخر حتى يحتفظ بشرعيته ويغطي على فساده أخطرها تسليح مرتزقة لتفتيت الوحدة الترابية لبلادنا ولا أظن أن بلدا أو شعبا في العالم يرضى بتقسيم أراضيه، هي قضية عادلة وواضحة بل الكثير من الجزائريين أنفسهم غير راضين عن هذا الوضع ويعانون من جبروت هذا النظام، ولدي أصدقاء جزائريون يحبون المغرب ويعشقونه، فالشعب الجزائري له احترامه وتقديره ولا أظن أنه هو نفسه سيقبل بأن يغتصب وطنه وتقسم أرضه.