الثلاثاء 14 يناير 2025
سياسة

المغرب‭ ‬لم‭ ‬يوقع‭ ‬لدي ميستورا‭ ‬شيكا‭ ‬على‭ ‬بياض.. المبعوث الأممي فـي الصحراء، بين المهمة والمنزلق!

المغرب‭ ‬لم‭ ‬يوقع‭ ‬لدي ميستورا‭ ‬شيكا‭ ‬على‭ ‬بياض.. المبعوث الأممي فـي الصحراء، بين المهمة والمنزلق! غوتريش وستيفان دي ميستورا(يسارا)
لحد الساعة، لم يخرج المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، عن صمته ليشرح دواعي "استفزاز" المغرب بزيارته الأخيرة لجنوب إفريقيا للبحث عن حل لنزاع الصحراء، والحال أن بريتوريا تقع خارج الأطراف التي وردت اسميا في جدول أعمال النزاع، كما أنها دولة معروفة باصطفافها، سياسيا وديبلوماسيا، إلى جانب الجزائر ضد "مغربية الصحراء"؛ وهو ما يطرح السؤال التالي: هل وصلت الأمم المتحدة إلى الباب المسدود بخصوص هذ النزاع؟ أم أن هذا "اجتهاد" شخصي للمبعوث الخاص؟
هذا السؤال ليس وليد اليوم، فقبل نحو 24 سنة (فبراير 2000)، أجرت الأمم المتحدة تقويما شاملا لمخطط تسوية نزاع الصحراء، وخلص تقرير الأمين العام، كوفي عنان، إلى أن كافة الجهود التي بذلت من أجل التوفيق بين الجانبين باءت بالفشل
. وقال إنه بناء على المشاورات التي أجراها مع مبعوثه الخاص، فإن تنفيذ خطة التسوية تعرقلت سنة بعد أخرى بفعل خلافات أساسية بين الطرفين. الأمر الذي أوصل التسوية إلى الطريق المسدود، مما يجعل "خيار خروج الأمم المتحدة من الأزمة مطروحا".
لقد أوضح عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، أن "المغرب لن يسمح بأن تصبح صحراؤه أرضا للمناورة الدبلوماسية لبريتوريا الداعمة للجزائر والبوليساريو". وهو ما يعيدنا إلى الخطوات الخاطئة التي قام بها مبعوثون سابقون في الصحراء، مثل جيمس بيكر وكريستوفر روس، بل يذكرنا بسقطة الأمين العام السابق بان كيمون، الذي تخلى عن "واجب الحياد" ووصف الصحراء المغربية بـ "أرض محتلة".
وتبعا لذلك، فإن المغرب الذي وافق، دائما، على الدفع باتجاه الحل السياسي على قاعدة سيادة المغرب، سيقف بالمرصاد لكل مسؤول يريد، بعد "الاصطدام بالعجز" والوقوف على "استحالة تقريب وجهات النظر تحت إشرافه"، إعادة النظر في المسلسل السياسي من زاوية توسيع الأطراف والذهاب بالملف إلى سيناريو آخر خارج القاعدة الخماسية المتفق سلفا حولها.
لقد آمن المغاربة بأن "المغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها". ولهذا، فإن المغرب التجأ إلى طرق أخرى للدفاع عن قضيته الوطنية الأولى، وذلك من أجل تعضيد موقفه، حيث نجح، دون التخلي عن المسار الأممي، في حشد اعتراف الدول العظمى بمغربية الصحراء وتأييديها لوجاهة مقترح الحكم الذاتي (100 دولة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، إسبانيا، ألمانيا، بلجيكا.. إلخ)، فضلا عن فتح العديد من القنصليات بالأقاليم الجنوبية "حوالي 30 قنصلية". بل إن المغرب، الذي أطلق استثمارات ضخمة بصحرائه، يعمل على قدم وساق من أجل تفعيل "نداء طنجة" القاضي بطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي وإنهاء صفتها القانونية التي تدعمها الجزائر وجنوب إفريقيا، مما سيعتبر تقدما ملموسا في دعم وتقوية مخطط الحكم الذاتي المغربي، خاصة أن خطة الطرد ستكون، حسب الموقعين على "النداء"«30 دولة إفريقية»، مسنودة بحجج واقعية وقانونية مؤسساتية.
لقد عملت الديبلوماسية المغربية على مدار سنوات، حتى والملف معروض على الأمم المتحدة، على الانتقال بمقترح الحكم الذاتي إلى السرعة الثانية. حيث كان الملك محمد السادس قد فاجأ كل المتتبعين، بمن فيهم كابرانات الجزائر، حين أكد، في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء "6 نونبر 2005"، أن المغرب لن يبقى مكتوف الأيادي أمام "مناورات الغير"، وأنه سيدخل، في سياق الإصلاحات التنموية التي يقوم بها، مرحلة "الجهوية المتقدمة والمتدرجة التي تشمل كل مناطق المغرب، وفي مقدمتها جهة الصحراء، وذلك إلى أن يتم التوافق السياسي بشأن مقترح الحكم الذاتي، واعتماده كحل نهائي، من طرف المنتظم الأممي. كما كان واضحا أشد الوضوح حين قال في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب (20 غشت 2022) أن "ملف الصحراء المغربية هو "النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".
لقد مل المغرب من "نفاق الدول الغربية"، وحرصها على "إبقاء الوضع على ما هو عليه"، واللعب على رعاية التوازن في العلاقة بين الرباط والجزائر، وهو ما حتم عليه مطالبة شركائه بالخروج من المنطقة الرمادية أو من "اللاموقف" بخصوص نزاع الصحراء، ذلك أن العديد من الدول الغربية، بما فيها فرنسا ولا تخلو من حركة أو حركات انفصالية، لكنها "تقمعها" أو "تتجاهلها"، بينما ترعى الحركات الأخرى التي تندلع خارج أراضيها، وتبحث لها عن مسوغات الوجود في القانون الدولي، كما حصل مع أغلب الدول العربية، حيث دعمت بريطانيا وأمريكا الانفصال في جنوب السودان، وتم تدويل قضية الصحراء المغربية، وفُرض الانفصال تقريبا في الجزء الكردي من العراق، بينما تجري المساعي والمؤامرات حثيثة لتقسيم ليبيا وسوريا واليمن، والسكوت عن المس بالسيادة المصرية على سيناء، فضلا عما يجري في العديد من بؤر التوتر عبر العالم، وخاصة في فلسطين وبورما والصين "الروهينغا والإيغور"..إلخ.
ليس هذه هي المرة الوحيدة التي حاول فيها المغرب حل النزاع من زاوية الحرص على "كرامة الخصم" «الوطن غفور رحيم» ودق آخر مسمار في نعش نزاع دام أزيد من 49 سنة. ذلك أنه ظل يسعى، منذ افتعال النزاع، إلى "حل سياسي متفاوض عليه"»، وكان اعتماد الجهوية أحد خيارات التسوية الملائمة لجميع الأطراف، بينما ظلت الجزائر متأهبة ودميتها البوليساريو، لقرع طبول الحرب والابتزاز والاستفزاز والإرشاء الدولي، ظنا منها أن أسلوب "الرفض" و«المواجهة الإعلامية» و«التحرش الديبلوماسي» و«التلويح بالعودة إلى السلاح» هي القواعد الأساسية لتحقيق الانتصار وإرغام المغرب على التخلي عن صحرائه.
لقد اختار العسكر الجزائري، أمام حزم وقوة الحضور الديبلوماسي المغربي، القطع مع مسار المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بدعوى أنها ليست طرفا في نزاع الصحراء، والحال أن الجميع يعرف حق المعرفة بأن البوليساريو مجرد "خادمة" لأجندة كابرانات الجزائر، وأن الخصم الفعلي والمباشر للرباط هم حكام قصر المرادية الذين فعلوا كل شيء، وأنفقوا أموال الشعب الجزائري "ومازالوا" دون طائل، لكسر شوكة المغاربة واستنزافهم ماليا وديبلوماسيا وعسكريا.
الكل يدرك أن الجزائر هي من يعرقل مسار التسوية، وهي التي تنفق ملايين الدولارات من أجل استمرار العرقلة، وهي من يصرف على البوليساريو ويستضيفها ويقوم بتسليحها، وهي من تنتفض ضد الدول التي اعترفت بمغربية الصحراء "إسبانيا نموذجا"، وهي التي تمد يدها بخفة للدول التي تعادي المغرب (إيران، جنوب إفريقيا، حزب الله، سوريا)، وهي التي تعترض على كل مبادرة مغربية للارتقاء بدول الاتحاد الأوروبي، وهي التي تدس البوليساريو في كل حسابات الصراع الإقليمي دوليا وإفريقيا، وهي التي تمارس ديبلوماسية "إحراق العجلات" في طريق المغرب، كلما نجح في إقناع دولة عظمى بوجاهة مخطط الحكم الذاتي، وهي التي تعتبر كل من صافح الرباط أو أبرم معها اتفاقية عدو يستحق الموت!
لقد اعتبر المغرب زيارة ديميستورا لجنوب إفريقيا خطوة في الاتجاه الخاطئ، وأن بريتوريا "ليس لها الوزن والتأثير الكافيين لكي تلعب دورا في ملف الصحراء"، كما أكد أن الرباط لها "ثلاثة عناصر غير خاضعة لا للنقاش، ولا للتفاوض، وهي وجود أربعة أطراف لاغير في نزاع الصحراء، ولا يمكن لأحد أن يمس بها، كما أن الإطار الوحيد هي الموائد المستديرة، بالإضافة إلى أن حل النزاع يكون في إطار مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة المغربية"». وكل مساس بهذه القواعد سيجعل تسوية النزاع أمرا مستحيلا، وهو ما يعني نهاية المسار الذي ترعاه الأمم المتحدة. فهل يتجه هذا المبعوث الأممي، مثل سابقيه (7 مبعوثين)، إلى الباب المسدود؟ هل يعلن غوتيريش فشل هذا المسار، ورفع اليد عن هذا الملف؟
من الصعب الإقرار بذلك، فالمغرب - المسنود بموقف الدول العظمى - انخرط في مسار التسوية من باب الحرص على انتزاع الشرعية الدولية، ولا يطالب إلا بالتمسك بالقواعد، ومن حقه أن ينتفض ضد أي إخلال بالمسؤولية في قضية يعتبرها حيوية ومحط إجماع وطني، كما لن يسمح بالعبث بمصالحه بكل الجرأة اللازمة في الفعل والخطاب، هذا في الوقت الذي اختارت الجزائر التنصل من مسؤوليتها التاريخية في النزاع، وإقحام أنف جنوب إفريقيا في مواجهة لا تمت لها بصلة!
المغرب لم يوقع لأي كان شيكا على بياض، ولن يحيد عن تمسكه بمغربية صحرائه، وكل حل خارج السيادة المغربية على أراضيه الجنوبية غير مرحب به، ولن يؤدي بمسار التسوية إلا نحو الفشل. وفي كل الأحوال "يظل المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الأخير من أسبوعية " الوطن الأن"