الأربعاء 5 فبراير 2025
سياسة

اليونسي: هناك ميكانيزمات تعبد الطريق لأشخاص تحوم حولهم شبهات فساد للمزاوجة  بين السياسة والرياضة

اليونسي: هناك ميكانيزمات تعبد الطريق لأشخاص تحوم حولهم شبهات فساد للمزاوجة  بين السياسة والرياضة عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السّياسية والقانون الدّستوري بكلية الحقوق - سطات
قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ أستاذ العلوم السّياسية والقانون الدّستوري في كلية الحقوق بسطات، إن "هناك إبقاء مكانيزمات تسمح باستمرار أشخاص بين لرياضة والسياسة شبهات فساد، وأن الخلل يكمن في البنية ككل، واستمرار هذا النوع من السّياسيين قد يكون حاجة مرحلية للدولة لتأدية وطائف معينة لكن هي في العمق، وفي الأفق المنظور تؤدي إلى تآكل الشرعية العقلانية للنّظام السّياسي".  وفي ما يلي نص الحوار:
 
تناسلت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬الفضائح‭ ‬عند‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬مسؤولون‭ ‬رياضيون‭ ‬وبرلمانيون‭ ‬أو‭ ‬رؤساء‭ ‬جماعات‭ ‬ترابية،‭ ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬ذلك؟
 ليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬دستورا‭ ‬وقانونا‭ ‬المواطن‭ ‬ذي‭ ‬الأهلية‭ ‬الإنتخابية‭ ‬من‭ ‬تقلد‭ ‬المناصب‭ ‬الانتدابية‭ ‬كيفما‭ ‬كان‭ ‬وضعه‭ ‬المالي‭ ‬أو‭ ‬الإجتماعي‭. ‬والحد‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الاعيان‭ ‬أو‭ ‬الأثرياء‭ ‬للسياسة‭ ‬هو‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬الخيال،‭ ‬وجميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬ديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬هجينة‭ ‬أو‭ ‬سلطوية‭ ‬يحضر‭ ‬فيها‭ ‬علاقة‭ ‬السلطة‭ ‬بالمال‭. ‬يبقى‭ ‬الفرق‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يضع‭ ‬قوانين‭ ‬وقواعد‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬ثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬ومؤسساتية‭ ‬لتنظيم‭ ‬حضور‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬السياسة‭.‬
الإشكال‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬هو‭ ‬تعقد‭ ‬مما‭ ‬نتصور‭ ‬نظامنا‭ ‬الإنتخابي‭ ‬يفرز‭ ‬علاقات‭ ‬زبونية‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والإدارة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبين‭ ‬المال‭ ‬والناخبين‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وبالتالي‭ ‬النّخبة‭ ‬التي‭ ‬تدبر‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬الوطني‭ ‬والمحلي‭ ‬ببلادنا‭ ‬هو‭ ‬إفراز‭ ‬طبيعي‭ ‬لهذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الزبائنية‭. ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يعطي‭ ‬يسعى‭ ‬لاستعادة‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬بصيغة‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭.‬
وأنا‭ ‬أختلف‭ ‬معك‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بفضائح،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مخالفات‭ ‬صريحة‭ ‬للقانون‭ ‬مثلا‭ ‬حالات‭ ‬تضارب‭ ‬المصالح،‭ ‬هناك‭ ‬منعشين‭ ‬عقاريين‭ ‬هم‭ ‬الآن‭ ‬يمارسون‭ ‬تفويض‭ ‬التعمير‭ ‬بالجماعات‭ ‬ووزراء‭ ‬فاعلين‭ ‬في‭ ‬الصّناعة‭ ‬والتجارة،‭ ‬فهناك‭ ‬جرائم‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي،‭ ‬لكن‭ ‬المساطر‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭.‬
إذن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬ككل‭ ‬واستمرار‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السّياسيين‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حاجة‭ ‬مرحلية‭ ‬للدولة‭ ‬لتأدية‭ ‬وظائف‭ ‬معينة‭ ‬لكن‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬وفي‭ ‬الأفق‭ ‬المنظور‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬الشرعية‭ ‬العقلانية‭ ‬للنّظام‭ ‬السّياسي‭.‬
‮ ‬
هؤلاء‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬أحزاب‭ ‬سياسية‭ ‬مغربية،‭ ‬فكيف‭ ‬تعطي‭ ‬الأحزاب‭ ‬لنفسها‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬تزكيات‭ ‬لسياسيين‭ ‬تلاحقهم‭ ‬متابعات‭ ‬وشبهات‭ ‬فساد‭. ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬هاته‭ ‬الأحزاب‭ ‬تبرأ‭ ‬مما‭ ‬حصل‭ ‬ويحصل؟
الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تعاني‭ ‬أزمة‭ ‬حقيقية،‭ ‬أزمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بهويتها‭ ‬ووظائفها‭ ‬وحضورها‭ ‬المجتمعي‭. ‬والأحزاب‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تؤدي‭ ‬وظائف‮ ‬‭ ‬الدّولة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدستور‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬التكوين‭ ‬والتأطير‭ ‬وتدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬السلطة،‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬هي‭ ‬مؤسسة‭ ‬وساطة‭ ‬بامتياز‭.‬
السؤال‭ ‬الآن‭ ‬حول‭ ‬التشبيب‭ ‬داخل‭ ‬الأحزاب‭. ‬هناك‭ ‬أزمة‭ ‬مزمنة‭ ‬في‭ ‬التشبيب‭ ‬والانتماء‭ ‬للأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬نادر‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الشباب‭ ‬والطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬والمثقفة،‭ ‬بالتالي‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬تحولت‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬انتخابية‭ ‬تقوم‭ ‬بعمل‭ ‬موسمي‭ ‬هو‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭. ‬وبالتالي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬المنتخبة‭ ‬لتضمن‭ ‬لنفسها‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬الصّورة،‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬السلطة‮ ‬‭. ‬وبالتالي‭ ‬براغماتيا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬بروفايل‭ ‬انتخابي‭ ‬يستطيع‭ ‬انتزاع‭ ‬المقعد‭ ‬ليؤدي‭ ‬وظيفة‭ ‬حسابية‭ ‬وليس‭ ‬تمثيلية‭.‬
والأقدر‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬ترجمة‭ ‬العلاقة‭ ‬الزبائنية‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬تصويت،‭ ‬مما‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬نظام‭ ‬انتخابي‭ ‬جديد‭ ‬أضعف‭ ‬القاسم‭ ‬الإنتخابي‭ ‬وألغى‭ ‬العتبة‭. ‬وبالتالي‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬صدفة‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬اختبارات‭ ‬إرادية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬إرادية‭ ‬للدولة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭.‬
‮ ‬
هل‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لوقف‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬المهام‭ ‬وتعددها،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬المنع‭ ‬بين‭ ‬رئاسة‭ ‬الجهة‭ ‬وعضوية‭ ‬البرلمان‭ ‬وغيره؟
في‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬إجراءات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المنع‭ ‬من‭ ‬ازدواجية‭ ‬المهام‭ ‬وترسيخ‭ ‬حالات‭ ‬التّنافي‭ ‬وسعي‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬إلى‭ ‬الحدّ‭ ‬من‭ ‬تضارب‭ ‬المصالح‭ ‬في‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬وكذا‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الاحالة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬للحدّ‭ ‬من‭ ‬الترحال‭ ‬النيابي،‭ ‬تبقى‭ ‬بدون‭ ‬معنى‭ ‬مادام‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إبقاء‭ ‬على‭ ‬مكانيزمات‭ ‬قانونية‭ ‬وسياسية‭ ‬وتدبيرية‭ ‬تسمح‭ ‬باستمرار‭ ‬أشخاص‭ ‬عليهم‭ ‬شبهات‭ ‬فساد‭ ‬منذ‭ ‬زمان،‭ ‬لا‭ ‬هي‭ ‬فاسدة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬المؤسسات‭ ‬المختصة،‭ ‬ولاهي‭ ‬تؤدي‭ ‬أدوارا‭ ‬معينة‭ ‬يتم‭ ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬
الرّياضة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬غزاها‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬والمال،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬مآرب‭ ‬شتى:‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالشعور‭ ‬أن‭ ‬جمهور‭ ‬الكرة‭ ‬هو‭ ‬خزّان‭ ‬انتخابي،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بشبهات‭ ‬اعتماد‭ ‬الاندية‭ ‬الرياضية‭ ‬لتبييض‭ ‬الأموال‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬منها‭ ‬الأندية‭ ‬الكبرى‭. ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬عمل‭ ‬إجراءات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التعامل‭ ‬المالي‭ ‬النّظيف‭ ‬الذي‭ ‬تترتب‭ ‬عنه‭ ‬عقوبات‭ ‬شتى‭. ‬وبالتالي‭ ‬عدم‭ ‬ضبط‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬قانونيا‭ ‬يسمح‭ ‬بطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬حول‭ ‬مصدر‭ ‬ومآل‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬تنفق‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬الوطنية‭.‬