Thursday 26 June 2025
رياضة

المخيمات الصيفية.. هل الأطفال المغاربة سواسية أمام وزارة الشباب؟

المخيمات الصيفية.. هل الأطفال المغاربة سواسية أمام وزارة الشباب؟ مشهد من مخيم صيفي للأطفال
يكتسي‭ ‬البرنامج‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بوصفه‭ ‬نشاطًا‭ ‬موسميا،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬أثبت،‭ ‬عبر‭ ‬تاريخه،‭ ‬أنه‭ ‬مختبر‭ ‬بيداغوجي‭ ‬للقيم،‭ ‬وآلية‭ ‬بديلة‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬الرمزي‭ ‬والمعرفي‭ ‬للطفولة،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يحتل‭ ‬موقعًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يظل‭ ‬السؤال‭ ‬الجوهري‭ ‬مطروحًا:‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يعكس‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج،‭ ‬في‭ ‬مضمونه‭ ‬وتدبيره،‭ ‬رؤية‭ ‬حقيقية‭ ‬للنهوض‭ ‬بالطفولة‭ ‬المغربية؟‭ ‬وهل‭ ‬تنسجم‭ ‬الممارسة‭ ‬الميدانية‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يُرفع‭ ‬من‭ ‬شعارات‭ ‬حول‭ ‬"الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الرأسمال‭ ‬البشري"،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭  ‬أصوات‭ ‬فاعلة‭ ‬من‭ ‬الحقل‭ ‬الجمعوي‭ ‬بخصوص‭ ‬تفويت‭ ‬هذه‭ ‬فضاءات‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب،‭ ‬وإخضاعها‭ ‬لمنطق‭ ‬السوق؟
 
إن‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬تكشف‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬المخيمات‭ ‬الصيفية‭ ‬الموجهة‭ ‬للأطفال‭ ‬ليست‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬وزارة‭ ‬الشباب‭ ‬«الوصية‭ ‬على‭ ‬القطاع»‭ ‬وبين‭ ‬الفاعلين‭ ‬الجمعويين‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعكسه‭ ‬البيان‭ ‬الصادر‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬يونيو‭ ‬2025،‭  ‬عن‭ ‬الاجتماع‭ ‬الاستثنائي‭ ‬لـ‭ ‬«اتحاد‭ ‬المنظمات‭ ‬المغربية‭ ‬التربوية»،‭ ‬إذ‭ ‬وصف‭ ‬البيان‭ ‬الوضع‭ ‬بـ‭ ‬«الخطير»،‭ ‬متهمًا‭ ‬الحكومة‭ ‬بتجاهل‭ ‬نداءات‭ ‬الفاعلين،‭ ‬والمضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬تفويت‭ ‬مراكز‭ ‬استقبال‭ ‬وتخييم‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬إلى‭ ‬جهات‭ ‬استثمارية،‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬«الشراكة»،‭ ‬وفي‭ ‬تغييب‭ ‬لأي‭ ‬مقاربة‭ ‬تشاركية‭. ‬
 
وسجّل‭ ‬اتحاد‭ ‬المنظمات‭ ‬التربوية‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬عدد‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬المخيمات‭ ‬تراجع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مهول‭ ‬بنسبة‭ ‬70%،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يميط‭ ‬اللثام‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬حقيقية‭ ‬عنوانها‭ ‬الأكبر‭ ‬التناقض‭ ‬بين‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬حول‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والممارسة‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬«تسليع»‭ ‬الفضاءات‭ ‬التربوية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُفرغ‭ ‬التخييم‭ ‬من‭ ‬رسالته‭ ‬التكوينية،‭ ‬ويدفعه‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬الخدمة‭ ‬المؤدى‭ ‬عنها،‭ ‬مما‭ ‬يُقصي‭ ‬الفئات‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة،‭ ‬ويحوّل‭ ‬التخييم‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬جماعي‭ ‬إلى‭ ‬سلعة‭ ‬محكومة‭ ‬بالقدرة‭ ‬الشرائية‭. ‬وهنا‭ ‬ينهار‭ ‬مفهوم‭ ‬«الفضاء‭ ‬العمومي»،‭ ‬ونصبح‭ ‬أمام‭ ‬امتياز‭ ‬لصالح‭ ‬الفئة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬الأداء،‭ ‬لأن‭ ‬المال‭ ‬سيصبح‭ ‬هو‭ ‬المحدد‭ ‬الرئيس‭ ‬للولوج‭ ‬إلى‭ ‬المخيمات‭.‬
 
تحذير‭ ‬اتحاد‭ ‬المنظمات‭ ‬التربوية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التغاضي‭ ‬عنه‭ ‬إطلاقا،‭ ‬رغم‭ ‬«الموقف‭ ‬الرسمي»‭ ‬الذي‭ ‬ينتصر‭ ‬للطفولة،‭ ‬إذ‭ ‬يعيد‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬سؤال‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬العمومي،‭ ‬وجدوى‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬وزارة‭ ‬الشباب‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وفداحة‭ ‬انقسام‭ ‬فضاءات‭ ‬الطفولة‭ ‬و«تفييئها»‭ ‬اجتماعيا،‭ ‬وكلفة‭ ‬التمايزات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬تُمتحن‭ ‬فيه‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التشاركية‭ ‬والمساواة‭ ‬القانونية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬مما‭ ‬يهدد‭ ‬العقد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬نفسه‭. ‬
 
في‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬الجدل،‭ ‬يقدم‭ ‬«الحق‭ ‬في‭ ‬التخييم»‭ ‬نفسه‭ ‬بوصفه‭ ‬حقا‭ ‬أساسيا‭ ‬ينبغي‭ ‬حمايته‭ ‬والدغاع‭ ‬عنه،‭ ‬لا‭ ‬باوصفه‭ ‬نشاطًا‭ ‬مناسباتيًا‭ ‬ينتهي‭ ‬بنهاية‭ ‬الصيف،‭ ‬بل‭ ‬مكونًا‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بما‭ ‬تعنيه‭ ‬من‭ ‬ضمان‭ ‬لتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬وتأمين‭ ‬لفضاءات‭ ‬تربوية‭ ‬عمومية‭ ‬تُتيح‭ ‬للأطفال،‭ ‬كل‭ ‬الأطفال‭ ‬دون‭ ‬تمييز،‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬والإبداع‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬المواطنة‭ ‬من‭ ‬قيم،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المسواة‭ ‬القانونية‭ ‬والحقوقية‭.‬
 
من‭ ‬هذا‭ ‬المنظور،‭ ‬فإن‭ ‬المساس‭ ‬بفضاءات‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقليص‭ ‬العرض‭ ‬أو‭ ‬تفويتها،‭ ‬يُعد‭ ‬تهديدًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬لمكتسبات‭ ‬الطفولة‭ ‬المغربية،‭ ‬ولتراكمات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬الذي‭ ‬شكّل‭ ‬رافعة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬الطفولة‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬«تحديث»‭ ‬مؤسسات‭ ‬التخييم‭ ‬و«خوصصتها»،‭ ‬وبين‭ ‬«النجاعة»‭ ‬و«الإقصاء»،‭ ‬وبين‭ ‬«الشراكة»‭ ‬و«الاستيلاء»‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الطفولة‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬بالعائدات‭ ‬المادية،‭ ‬بل‭ ‬بمستوى‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬لبناء‭ ‬الإنسان‭ ‬المواطن‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الرهان‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬وضعت‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬بوصفها‭ ‬مجال‭ ‬لبناء‭ ‬الإنسان،‭ ‬وليس‭ ‬مجالا‭ ‬تجاريا‭ ‬للتنافس‭ ‬على‭ ‬المكاسب‭ ‬المالية‭.‬
 
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬وزارة‭ ‬الشباب‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬التخييم‭ ‬والانتماء‭ ‬الوطني،‭ ‬وتسعى،‭ ‬لتأكيد‭ ‬ذلك،‭ ‬إلى‭ ‬إدماج‭ ‬فئات‭ ‬متعددة‭ ‬«أطفال‭ ‬الجالية،‭ ‬فئات‭ ‬الهشاشة،‭ ‬ومشاركون‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬نائية»،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬البنيوية‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬وجودها،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬والتكوين،‭ ‬والموارد،‭ ‬مما‭ ‬يُلزم‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬الداخلي،‭ ‬وإشراك‭ ‬الفاعلين‭ ‬الجمعويين‭ ‬والتربويين‭ ‬في‭ ‬التقييم‭ ‬المرحلي‭ ‬للمشروع‭. ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬مثلا،‭ ‬إطلاق‭ ‬«مخيمات‭ ‬التجوال‭ ‬الكشفي»‭ ‬التي‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬التخييم‭ ‬والبعد‭ ‬البيئي،‭ ‬أو‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬تبني‭ ‬مشاريع‭ ‬رقمية‭ ‬إدماجية‭ ‬تعتمد‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬داخل‭ ‬بعض‭ ‬المخيمات‭ ‬النموذجية،‭ ‬لنسلم‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬تحوّلا‭ ‬نوعيا‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬التخييم،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬«البرنامج‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم»،‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬«نوايا‭ ‬حسنة»،‭ ‬بل‭  ‬يتطلب‭ ‬أساسا‭ ‬كفاءات‭ ‬معرفية‭ ‬وعاطفية،‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬بلورة‭ ‬مشروع‭ ‬بيداغوجي‭ ‬يدمج‭ ‬القيم‭ ‬والاختلاف،‭ ‬ويؤطر‭ ‬الأنشطة‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬دامجة‭ ‬تستجيب‭ ‬للحاجيات‭ ‬الحقيقية‭ ‬للأطفال‭. ‬فالمخيم،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنظور،‭ ‬ليس‭ ‬تنظيمًا‭ ‬ظرفيًا‭ ‬للزمن،‭ ‬بل‭ ‬مشروع‭ ‬تنشئة‭ ‬اجتماعية‭ ‬متكامل‭ ‬يجيب‭ ‬على‭ ‬سؤال:‭ ‬«أي‭ ‬مواطن‭ ‬نريد‭ ‬لمغرب‭ ‬الغد؟»‭.‬
 
يضع‭ ‬التربويون‭ ‬الميدانيون‭ ‬الفاعلون‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬الخيمات‭ ‬الأصبع‭ ‬على‭ ‬الجرح،‭ ‬فالإكراهات‭ ‬الحقيقية‭ ‬لا‭ ‬تتصل‭ ‬فقط‭ ‬بالمحاولات‭ ‬المستمرة‭ ‬لتفويت‭ ‬فضاءات‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب‭ ‬للخواص،‭ ‬منذ‭ ‬مرحلة‭ ‬منصف‭ ‬بلخياط،‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬المخيمات‭ ‬ودور‭ ‬الشباب‭ ‬ومراكز‭ ‬الاصطياف‭ ‬في‭ ‬المزاد،‭ ‬لولا‭ ‬يقظة‭ ‬الجمعيات‭ ‬والأعلام،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬تتطلبه‭ ‬العمليات‭ ‬الميدانية‭ ‬اليومية‭ ‬داخل‭ ‬المخيم،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬ضعف‭ ‬التكوين،‭ ‬وصعوبة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهشاشة‭ ‬الموارد‭ ‬اللوجستية،‭ ‬وغياب‭ ‬مستلزمات‭ ‬الدعم‭ ‬النفسي‭ ‬والتربوي،‭ ‬ويصل‭ ‬الأمر‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬التغذية،‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬الإشراقات‭ ‬بفضل‭ ‬اشتغال‭ ‬الفريق‭ ‬التربوي‭ ‬وفق‭ ‬منهجية‭ ‬تشاركية،‭ ‬وتفعيل‭ ‬ورشات‭ ‬متنوعة‭ ‬مثل‭ ‬المسرح‭ ‬التفاعلي،‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والأنشطة‭ ‬الرياضية‭.‬
 
لقد‭ ‬كان‭ ‬إطلاق‭ ‬استراتيجية‭ ‬«التخييم‭ ‬للجميع»‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الوزير‭ ‬الأسبق‭ ‬محمد‭ ‬الكحص‭ ‬لحظة‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬التخييم‭ ‬في‭ ‬المغرب‭. ‬إذ‭ ‬أثبت‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬اشتغل‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭  ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬شعار‭ ‬ظرفي،‭ ‬بل‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬دمقرطة‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬المخيمات،‭ ‬وتوسيع‭ ‬العرض‭ ‬التربوي‭ ‬ليشمل‭ ‬فئات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ممثلة‭ ‬بالشكل‭ ‬الكافي،‭ ‬خاصة‭ ‬أطفال‭ ‬الهامش،‭ ‬والمناطق‭ ‬القروية،‭ ‬وأبناء‭ ‬المهاجرين‭. ‬وقد‭ ‬استندت‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬تكاملي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬شريكًا‭ ‬داعمًا،‭ ‬لا‭ ‬وصيًا‭ ‬متعاليًا،‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬تعاقدية‭ ‬مع‭ ‬الحركة‭ ‬الجمعوية‭ ‬التربوية،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬إشراف‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي‭ ‬واستقلالية‭ ‬الجمعيات‭. ‬كما‭ ‬وضعت‭ ‬تلك‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬اللبنة‭ ‬الأولى‭ ‬لربط‭ ‬التخييم‭ ‬بالمواطنة‭ ‬الفاعلة،‭ ‬والتنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬الفرص،‭ ‬وفتح‭ ‬أفق‭ ‬التكوين‭ ‬المستمر‭ ‬للأطر،‭ ‬وإنشاء‭ ‬مراكز‭ ‬استقبال‭ ‬تراعي‭ ‬الكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬المجالية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تشهد‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬الجمعيات‭ ‬الفاعلة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬اتحاد‭ ‬المنظمات‭ ‬التربوية،‭ ‬التي‭ ‬تتحسر‭ ‬على‭ ‬مآل‭ ‬استراتيجية‭ ‬«التخييم‭ ‬للجميع»،‭ ‬وكيف‭ ‬تعرضت‭ ‬للوأد،‭ ‬كما‭ ‬تعرض‭ ‬صاحبها‭ ‬للإبعاد،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬حظيت‭ ‬بتأييد‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الجمعوية‭.‬
 
فمنذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬شهد‭ ‬البرنامج‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬تراجعا‭ ‬مستمرا‭ ‬غير‭ ‬معلن،‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬الجمعيات،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تقلص‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬البنيات،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬ذروته‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬تفويت‭ ‬المراكز‭ ‬لجهات‭ ‬استثمارية،‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭ ‬«الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الفضاءات»‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬الفاعلون‭ ‬المباشرون‭ ‬انحرافًا‭ ‬واضحًا‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬«التخييم‭ ‬للجميع»،‭ ‬وخيانة‭ ‬للطفولة‭ ‬المغربية،‭ ‬وضربا‭ ‬لحقها‭ ‬في‭ ‬التخييم،‭ ‬وتحريفا‭ ‬لكل‭ ‬رهاناته‭ ‬الرمزية‭ ‬والقيمية‭ ‬والمواطناتية،‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي،‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التكوين‭ ‬إلى‭ ‬زبائن‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العروض‭ ‬التخييمية‭.‬
 
صحيح‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الوزاريون،‭ ‬يعلنون،‭ ‬اليوم،‭ ‬عن‭ ‬مشاريع‭ ‬ضخمة‭ ‬مثل‭ ‬«المدن‭ ‬التخييمية‭ ‬الكبرى»،‭ ‬و«ربط‭ ‬المخيم‭ ‬بالحماية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتعليم‭ ‬غير‭ ‬النظامي»،‭  ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المفارقة‭ ‬المؤلمة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬المستفيدين،‭ ‬كما‭ ‬سجّل‭ ‬اتحاد‭ ‬المنظمات‭ ‬التربوية‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بيانه‭ ‬السالف‭ ‬الذكر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬كبيرة‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬جدية‭ ‬الرؤية‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬استلهام‭ ‬منجزات‭ ‬الماضي‭ ‬وتراكماته‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تُحذّر‭ ‬منه‭ ‬الجمعيات‭ ‬التربوية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره،‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬البعض،‭ ‬بمقاومة‭ ‬التحديث‭ ‬أو‭ ‬معاكسة‭ ‬التجديد‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الاتهامات‭ ‬المغرضة‭ ‬والآثمة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مضمون‭ ‬«الدولة‭ ‬الاجتماعية»‭ ‬كما‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬«استراتيجية‭ ‬التخييم‭ ‬للجميع»،‭ ‬وعن‭ ‬المكتسبات‭ ‬الرمزية‭ ‬لتخييم‭ ‬عمومي‭ ‬مجاني‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬المساواة‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرض،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمواطنة،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭ ‬وتسليع‭ ‬القيم‭ ‬وتقويض‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعي‭ ‬غير‭ ‬مكتوب‭.‬
تفاصيل أوفي تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن