الخميس 28 مارس 2024
اقتصاد

هل كان قرار بنك المغرب رفع سعر الفائدة صائبا؟ تعرف على جواب الخبير الاقتصادي زهير لخيار

هل كان قرار بنك المغرب رفع سعر الفائدة صائبا؟  تعرف على جواب الخبير الاقتصادي زهير لخيار زهير لخيار (يمينا) وعبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب
ماهي تداعيات قرار بنك المغرب رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 3 في المائة؟ هل سيؤدي هذا القرار إلى كبح مستوى التضخم ويأتي بنتائج إيجابية أم لا؟ وهل شروط الرفع من سعر الفائدة تسري على حالة المغرب استنادا إلى تراجع القدرة الشرائية للمغاربة؟
أسئلة وأخرى تطرحها "أنفاس بريس" على زهير لخيار، خبير اقتصادي وأستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني - الدار البيضاء.
 
للمرة الثالثة على التوالي، قرر بنك المغرب رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 3 في المائة؟ ما تعليقك على هذا القرار، هل سيأتي بنتائج إيجابية ويكبح مستوى التضخم أم العكس؟
إن مراقبة وتتبع التوازنات الاقتصادية تقتضي من السلطات النقدية والمالية اتباع السياسة المناسبة في الوقت المناسب إذا ما حدث أي اختلال في هذه التوازنات، ومن أجل التصدي لأي مشكل اقتصادي كان فإن هذه السلطات تجد نفسها أمام إعمال السياسة النقدية أم السياسة الموازناتية – هناك من يسميها بالسياسة المالية– أم هما معا إذا اقتضت الضرورة ذلك، إذا فتحديد الهدف المتوخى من السياسة هو الذي يحدد طبيعة وحجم هذه السياسة، وبالتالي وحسب سؤالكم فإن هدف البنك المركزي كان هو كبح مستوى التضخم، ومن أجل ذلك قرر رفع سعر الفائدة الرئيسي لأن هناك اعتقاد اقتصادي سائد يقول -أنه في حالة وجود معدل تضخم عال جدا الناتج عن الارتفاع المضطرد للطلب، فإنه من الممكن رفع نسب الفائدة للمساهمة في غلاء الائتمان، وجعله بعيدا المنال عن مستعمليه وبالتالي سيتراجع الطلب الذي سيفضي إلى تراجع التضخم أما إذا كانت نسبة التضخم منخفضًة، فيجب خفض نسب الفائدة وذلك لدفع الفاعلين الاقتصاديين إلى الائتمان و بالتالي تحفيزهم على الاستثمار و بالتالي الطلب.
 
وبالتمعن في هذه الاعتقاد النظري يمكن القول أولا أنه لا يسري على حالتنا في المغرب، لأنه حسب هذه النظرية فالرفع من الفائدة مشروط بأن يكون التضخم ناتج عن ارتفاع الطلب والحال أن القدرة الشرائية للمغاربة تعاني الآن من التراجع وبالطبع فإن هذه القدرة الشرائية هي من أهم مكونات الطلب إن لم نقل فهي الطلب نفسه وبالتالي فالرفع من نسبة الفائدة لا يجدي لأن الطلب متدهور أصلا.
 
وترتيبا عليه فشروط الرفع من معدل الفائدة غير متوفرة بل قد يساهم في تعميق نسب التضخم وارتفاع الأثمان، إن الأدبيات الاقتصادية المتعارف عليها دوليا تفيد أن التعاطي مع السوق النقدي أي معنى النقود فيه قد تفرق الاقتصاديون في هذا الباب إلى تيار يعتبر أن النقود سلعة كباقي السلع تباع وتشترى، والثمن الذي يحدد توازن عرضها وطلبها هو معدل الفائدة، وإذا ما سلمنا بتوجهات هذه المدرسة يمكن القول أن الرفع من سعر الفائدة يعني الرفع من سعر سلعة من أهم السلع، وعلى اعتبار أن التضخم هو ارتفاع الأثمان فتمت مساهمة منا في الرفع من الأثمان وبالتالي تغذية التضخم .أما إذا ما سلمنا برأي المدرسة الثانية، والتي ترى أن النقود ليست سلعا تباع وتشترى، بل هي فقط وسيلة للتبادل التجاري، سيقع نفس الأمر في معدل التضخم إذا تم الرفع من سعر الفائدة، بحكم أن البنوك ستلجأ للاقتراض لدى البنك المركزي بسعر مرتفع، ولن تلجأ إلى خفض ائتمانها كما يعتقد واضعوا هذه السياسة و بالتالي وحفاظا على رقم معاملاتها ستلجأ هذه البنوك إلى الاقتراض بالرغم من رفع سعر الفائدة الرئيسي، وستعكس هذه البنوك ذلك على المستثمرين، الذين سيقومون بدورهم بعكس هذه الزيادة أو أكثر منها على أسعار منتوجاتهم أو خدماتهم للمواطن المشتري، وبالتالي سترتفع الأثمنة، مما سيساهم في تعميق التضخم وليس الحد منه.
 
كما تجدر الإشارة أن قنوات السياسة النقدية إن كانت صالحة لتخفيف المشكل متعددة ولا تقتصر على سعر الفائدة فقط بل تتعداه إلى أدوات أخرى يمكن استعمالها مجتمعة أو متفرقة من قبيل ما يسمى بالأدوات الموضوعية كقناة معدل الفائدة وقناة الائتمان، وقناة الميزانية العمومية وقناة أسعار الأسهم وقناة سعر الصرف....أما الأدوات الذاتية فهي مرتبطة بتوقعات السوق وبذلك يمكن القول أنه لا يمكن التحكم في أي مجمع اقتصادي بالاعتماد على قناة واحدة فقط وهي قناة سعر الفائدة، وإلا سيصنف ضمن خانة الإجراء وليس السياسة الاقتصادية لأن هذه الأخيرة كما عرفها الخبراء هي مجموعة من الإجراءات المنسجمة لتحقيق الهدف.
 
ما تأثير قرار بنك المغرب على الاستهلاك والطلب الداخلي والإقبال على القروض البنكية الاستهلاكية والعقارية وقروض التجهيز وغيرها؟
إن الرفع من سعر الفائدة، لم يسبق له أن كان إيجابي التأثير في خفض معدلات التضخم، وباستعراضنا لكل الأزمات التي مر منها العالم نجد أن السبب الرئيسي إلى جانب أسباب أخرى هو نسبة الفائدة المرتفعة.
 
وعليه فإن تداعيات الرفع من سعر الفائدة على المغاربة ستظهر على المدى القريب أو على المتوسط، إلى أقصى تقدير حيث ستشهد الأثمنة ارتفاعا أخر في جميع المجالات، بما فيها المواد الأساسية، فكل زيادة في سعر الفائدة باعتباره تكلفة يتنقل لا محالة إلى المواد الأخرى.
 
كما نذكر فقط هنا بأن بنك “وادي السليكون” الذي يعتبر من أكبر بنوك أمريكا قد اضطر إلى التركيز في استثماراته على سندات الخزينة؛ مما تسبب في أزمة نقدية وعجز عن تلبية طلب زبنائه وكان السبب في ذلك هو أن البنك المركزي الأمريكي قد رفع من سعر الفائدة لديه.
 
وحتى وإن اعتبرنا أن فرضية الرفع من الفائدة سيحد من التضخم فلا يستقيم ذلك بالاعتماد على هذا الرفع لوحده، بل يجب إدماج هذه السياسة ضمن إجراءات أخرى لتعضض هذا الإجراء وذلك من قبيل العمل على خفض تكلفة الطاقة مثلا، الرفع من عرض السلع والخدمات حتى لا يرتفع ثمنها توفير نقل الأشخاص والبضائع بأثمنة مقبولة إلى غيرها من الإجراءات التي ستساهم في فعالية الرفع من الفائدة لتقزيم حجم التضخم.
 
إضافة إلى ذلك فإن الاقتصاد حينما يكون في حالة تضخم فهو يدفع الفاعلين الاقتصاديين إلى التوقع أنه سيكون هناك استمرار في ارتفاع الأثمان في المستقل وهو ما يدفعهم إلى استباق هذا الارتفاع، وذلك برفع الطلب على السلع والخدمات قبل أن تستمر هذه الأثمان في الزيادة، وبالتالي فالرفع من معدل الفائدة سينمي هذا الانطباع عند الفاعلين ويدفعهم إلى التسابق سواء نحو السلع والخدمات أو نحو الائتمان نفسه وبذلك سيساهم هذا الرفع في تفاقم المشكل عوض الحد منه.
 
إن العمل على تنظيم مستوى الطلب الكلي عموما والاستهلاك على الخصوص لهو الحافز الوحيد لنجاح أي سياسة اقتصادية سواء كانت نقدية أو موازناتية، ولذلك اعتبرت النظرية الكينزية التي يصطلح عليه بنظرية الأزمات أن الزيادة في الإنفاق العمومي يشكل زيادة في الطلب الفعال الذي يؤدي بالمقاولات إلى الرفع من الإنتاج والتشغيل. وهو الشيء الذي يؤدي إلى عملية تراكمية لزيادة الدخل والطلب والإنتاج الذي يشكل ما يسمى بالمضاعف الكينزي الشهير. كما اعتبرت هذه النظرية أنه حتى السياسة النقدية التوسعية التي تتخذ شكل زيادة في كمية النقد أو انخفاض في سعر الفائدة لها نفس الآثار لأنها تحفز الاستثمار، والاستهلاك من خلال تشجيع الأسر على خفض ادخارهم والرفع من الاستهلاك.
 
وبالتالي فقد أصبح من الضروري الاهتمام بالطلب الداخلي وتقويته كمبدأ أساسي لضمان نجاعة كل السياسات والإجراءات المرافقة التي تقوم بها الدولة باعتبارها دولة متدخل في الاقتصاد.
 
وترتيبا عليه يجب التركيز على المحددات الأساسية للصمود الاقتصادي وصنع مؤشرات خاصة به من أجل بناء مناعة جديدة للاقتصاد المغربي والسهر على ديمومتها وتصليبها.
 
إن الصمود الاقتصادي لا يعدو إلا أن يكون قدرة على إبقاء الإنتاج قريبًا من إمكاناته بعد الصدمة. وتعتمد هذه القدرة بدورها على قدرة الإطار المؤسسي لتخفيف الأثر الأولي للصدمات الخارجية وتقليل استمرار الفجوة اللاحقة بين الناتج الفعلي والمحتمل. ويميل التنظيم الصارم للأسواق المالية إلى إضعاف هذين المكونين إلى الحد الذي يجعل آلية انتقال السياسة النقدية أقل فعالية. وعلى النقيض من ذلك، فإن قوانين سوق العمل والمنتجات تشكل غموضا نظريًا على مستوى تأثيراتها على الأسواق ولكن على المستوى التجريبي فإنه بدا واضحا هذا التأثير على الصمود الاقتصادي.
 
لقد أصبح من الأساسي جدا أن يهتم الاقتصاد المغربي بدعامتين أساسيتين لضمان صمود اقتصاده وهي متمثلة في توفره أولا على الكوابح الماكرو اقتصادية للصدمات وثانيا على بنية هيكلية اقتصادية قوية.
 
ما مدى تأثير الانهيار المفاجئ لبعض البنوك الأمريكية التي أعلنت إفلاسها على القطاع البنكي والنقدي الوطني؟
قبل الحديث عن تداعيات انهيار هذه البنوك على الاقتصاد الوطني عموما والقطاع البنكي والنقدي على الخصوص، يجدر بنا أن نتحدث أولا عن بعض أسباب هذا الانهيار والتي جاء على رأسها سحب مجموعة من العملاء لما يناهز 111 مليار فرنك سويسري وذلك أن هؤلاء العملاء كانوا بين مطرقة رفع نسب الفائدة الذي تسبب بارتفاع كلفة القروض، وسندان صعوبات قطاع التكنولوجيا في حد ذاته.
 
كما يجب أن نشير في هذا المقام أن الانهيار الذي وقع لسيليكون فالي بانخفاض سنداته دفع بالمحللين إلى الرجوع سنة إلى الوراء والتذكير بأن المتاعب التي يعاني منها هذا البنك الآن كان السبب فيها هو أن البنك المركزي قد أقدم على رفع نسبة الفائدة وذلك اعتقادا منه أنه سيساهم في محاربة التضخم.
 
وهو ما اضطر أحد أكبر البنوك في العالم إلى اقتراض مبالغ ضخمة من أجل تعويض هذه الخسائر التي تعرض لها بشكل مستمر خلال هذه الفترة، وهو الأمر الذي فتح جدلا حول مدى مصداقية البنوك المركزية عموما في التصدي أو على الأقل احتواء التضخم الاقتصادي.
 
وقد اختلفت الآراء حول مدى امتداد هذه الأزمة إلى القطاع المالي والبنكي الأمريكي كله لكن الغالب في تصريحات مختصيهم أن الأزمة تم احتوائها باللجوء إلى مجموعة من الآليات التي نعتبرها مرحلية ولن تضمن استقرار القطاع وعدم الرجوع إلى أزمات أخرى، بل هي مجرد مسكنات من أجل تجاوز الألم وبالتالي لا تعتبر حلولا بنيوية من أجل التعافي التام للقطاع البنكي والنقدي.
 
وباعتراف أكبر اقتصاديي أمريكا فإن الأمر مرتبط أساسا بالسياسة المالية المتبعة بالقطاع المالي الأمريكي وخصوصا سياسة الفائدة المتبعة من طرف البنك الفدرالي الأمريكي.
 
وتتمثل هذه الحلول المرحلية في تدخل الاحتياطي الفدرالي للبنوك الأمريكية وذلك بمنح قروض تناهز 12 مليار دولار. بل يقرون بأن ما يقومون به يعتبر مؤقتا أي ليس بنيويا وذلك حينما قرر الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أن المبالغ المستحقة في إطار ما يسمونه “ببرنامج التمويل المؤقت للبنوك” قد بلغت 11,9 مليار دولار.
 
وبالرغم من كل هذه الجهود المبذولة والتي ذكرنا بعضها فقد فوجئت السلطات الأمريكية بتراجع قيمة سهم بنك كريدي سويس مرة أخرى وذلك بالرغم من الإعانات الضخمة التي قدمت له وبالتالي يظهر جليا أن المسالة مرتبطة بالدرجة الأولى بمدى ثقة المواطنين في المؤسسات المالية.
 
أما فيما يتعلق بجوهر سؤالكم، فإنه يمكن القول أن ما حدث في أمريكا يعتبر مجرد إنذار يفيد أن الاقتصاد ينبغي أن ينبني على أسس مستدامة ومتينة تضمن صموده أماما كل الهزات التي تصادفه، وبالتالي فإن هذه المخاطر تعتبر حبيسة الاقتصاد الأمريكي وعلى فرض عكس ما صرح به مسؤولو أمريكا أي أن الأزمة لم يتم احتوائها فإن القطاع البنكي بالمغرب لن يتأثر مرحليا بهذه الاهتزازات، لأنه لا توجد بنوك مغربية لها علاقة بالبنك المنهار بل حتى على مستوى المنطقة العربية كذلك، ولكن تجدر الإشارة أنه إذا استمرت هذه الأزمة المالية و النقدية وتحولت إلى أزمة اقتصادية وخصوصا في تأثيرها على عاملين أساسيين هما الدولار وسعر الفائدة فقد تتأثر اقتصاداتنا الوطنية.
 
أما السبب الثاني الذي يجعلنا نؤكد على أن المغرب سيظل في منأى عن تأثيرات هذه الانهيارات المالية إن انحصرت في الجانب النقدي والمالي فقط فهو مرتبط بأسلوب التدبير المالي والنقدي بالمغرب مقارنة مع أمريكا، حيث أننا لا نعتمد نفس أسلوب المعاملات المالية والتي تخضع بالمغرب لمراقبة ومتابعة أشد من النظام المالي والنقدي الأمريكي ولعل هذا من حسنات الاصطفاف ضمن الدول غير المتقدمة كما يزعمون !!!!!!!!!