الخميس 28 مارس 2024
اقتصاد

أحمد حضراني: مدى انسجام القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.. تساؤلات ؟!

أحمد حضراني: مدى انسجام القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.. تساؤلات ؟! د . أحمد حضراني
لم يكن تناسل أربعة قوانين تنظيمية للجماعات الترابية موفقا ومنسجما مع نص وروح الفصل  146 من الدستور، الذي نص على قانون تنظيمي تركيبي، يضم 10 عناصر كحد أدنى، تكون من مشمولات هذا القانون التنظيمي في شكل مدونة. وإذا كان سؤال الدسترة قد طرح في حينه، وغض القضاء الدستوري الطرف عن ذلك، فإن عدم التناغم "العمودي" كأصل، انعكس على مستوى الفروع، وبشكل أفقي(عدم انسجام  القوانيين التنظيمية الثلاثة المؤطرة للجهات والعمالات والأقاليم والجماعات).
 
ويمكن الاستشهاد ببعض الأمثلة في الشق التنظيمي وفي الجانب المالي.
 
1-    مسألة مبادرة المجلس لإقالة الرئيس : المراقبة الذاتية 
يلاحظ أن هناك اختلاف في المقتضيات القانونية، التي تناولت هاته المسألة، حيث يمكن لثلثي (3/2) الأعضاء المزاولين مهامهم في حظيرة المجلس الجماعي، وبعد انصرام أجل ثلاث(3) سنوات من مدة انتدابه(نصف المدة)، تقديم ملتمس مطالبة الرئيس بتقديم استقالته، وهي الإمكانية المتاحة للمجلس مرة واحدة خلال مدة انتدابه. و يدرج هذا الملتمس وجوبا في جدول أعمال الدورة العادية الأولى من السنة الرابعة التي يعقدها المجلس. وإذا رفض الرئيس تقديم استقالته جاز للمجلس في نفس الجلسة أن يطلب بواسطة مقرر يوافق عليه بأغلبية ثلاث أرباع (4/3) الأعضاء المزاولين مهامهم، من عامل العمالة أو الإقليم إحالة الأمر على المحكمة الإدارية المختصة لطلب عزل الرئيس، حسب المادة 70 من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات. بينما ذهبت المقتضيات المماثلة على مستوى التنظيم الإقليمي إلى اعتبار  رئيس مجلس العمالة أو الاقليم مقالا من مهامه بمجرد الموافقة على طلب الإقالة بتصويت ثلاثة أرباع (4/3) أعضاء المجلس المزاولين مهامهم(المادة 71 من القانون التنظيمي رقم 14-112 المتعلق بالعمالات والأقاليم)،وهو نفس الإجراء والمآل بخصوص إقالة رئيس مجلس الجهة ( المادة 73 من القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات).
يلاحظ من خلال ما سبق  أن رفض  مجلس الجماعة  الاستجابة لملتمس تقديم استقالته، فيحق للمجلس أن يتخذ مقررا، يطلب من خلاله من عامل العمالة أو الإقليم إحالة الأمر على المحكمة الإدارية المختصة لطلب عزل الرئيس. وهو الشيء الذي لم ترتبه المقتضيات المماثلة بالنسبة للمجالس الاقليمية والجهوية، التي تجيز إقالة رؤسائها بمجرد اتخاذ مقرر في هذا الشأن، وبشكل نهائي، ودون طلب الإحالة بواسطة  ممثل السلطة المركزية (العامل أو الوالي)على المحكمة الإدارية.
- فلماذا  قننت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية عدم الانسجام وعدم التناغم ما بين هاته المقتضيات؟  
- ما مبرر اعتبار المجلس سيد نفسه في اتخاذ المقرر النهائي لإقالة رئيس المجلس الإقليمي وكذا الجهوي، ودون الحاجة للإحالة على القضاء، خلافا لذلك المتخذ بواسطة المجلس الجماعي، وكأن هذا الأخير قاصر؟
-هل لأن عدد الجماعات  القاعدية كثير (1503)؟ ويجب تلجيم اندفاع مجالسها، خاصة وأن رؤساء الجماعات "المخضرمين" يستحضرون الفصل الثاني والسابع ( سيف ديموقليس) من ظهير 30 شتنبر 1976؟
-وما العمل إذا لم يقم العامل بتحريك هاته الإحالة؟ وحتى إذا تمت هل يراقب القاضي الإداري  جانب المشروعية أو الملائمة أم هما معا؟
 
2-التأشيرة على الميزانية
تعرف الميزانية بأنها  الوثيقة التي يقدر ويؤذن بموجبها بالنسبة لكل سنة مالية، مجموع موارد وتكاليف الجماعة الترابية. وهي اللآلية  المادية لترجمة البرامج والمشاريع التنموية على المستوى الترابي، وكذا تأمين السير العادي والوظيفي  لمصالحها.
وحصن المشرع الرهان على الميزانية من خلال الحرص على  تداول المجلس  بخصوصها (المادة92)، وإن رفض ذلك، والذي من شأنه أن يهدد  مصالح الجماعة  الترابية ككل، وبالتالي المس بحسن سير مجلسها أن  يفضي لحل المجلس برمته (المادة 73). وهذا ما وقع لمجلس جماعة إفران، الذي تم حله بموجب حكم  المحكمة الإدارية بمكناس رقم 2023/7110/24 في 21 فبراير 2023 :"... نظرا للخلافات العميقة بين أعضاء مجلس الجماعة ، تعذر  معه انعقاد لجنة  المالية أكثر من مرة وعدم حضور الأغلبية المعارضة لدورة المجلس الاستثنائية ... مما عرقل انعقاد الدورة في وقتها وعدم  احترام الآجال القانونية لدراسة واعتماد ميزانية 2023؛ ليتم رفض مشروع الميزانية من طرف مجلس الجماعة وعدم اتخاذ أي مقرر بخصوص الجزء المتعلق بالمصاريف، مما يعتبر رفضا لممارسة المجلس للمهام المنوطة به ..."
 وإذا كان الرئيس (الآمر بالصرف)، هو الذي يعد مشروع الميزانية وينفذها بعد انتزاع مقرر الموافقة عليها بواسطة المجلس التداولي، المستتبع بالتأشير عليها من قبل عامل العمالة أو الإقليم أومن ينوب عنه، داخل أجل عشرين (20) يوما من تاريخ التوصل بها من لدن  رئيس المجلس، فإن  عدم اتخاذ أي قرار بخصوص التأشيرة على الميزانية (وغيرها من المقررات المذكورة بموجب المادة 118 )، وبعد انصرام  الأجل  المذكور يعد بمثابة تأشيرة (الموافقة الضمنية). وهو ما سلكت مسلكه المادة 109 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم. بيد أن المقتضيات المماثلة، والخاصة بالتأشيرة على ميزانية الجهة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية(المادة 115 )، فأضافت المقتضيات التالية:" لا  تكون مقررات المجلس المتعلقة بالميزانية ... قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 202 من هذا القانون التنظيمي (أي داخل أجل 20 يوما من تاريخ التوصل بها ).
وإذ يمكن استحضار حكم  المحكمة الإدارية بمكناس، رقم 2021/7110/31  بتاريخ 24فبراير2021، وهي تنظر  في الطعن الذي تقدمت به  جماعة الرشيدية قصد إلغاء القرار عدد 7597 / ق ج م/ الصادر عن والي جهة درعة تافيلالت، عامل إقليم الرشيدية بتاريخ 09/12/2020 ، برفض التأشير على مشروع ميزانية الجماعة لسنة 2021. لكونه وجه المذكرة، موضوع الملاحظات على مشروع الميزانية خارج الأجل القانوني  (أي بعد أجل 20 يوما من التوصل بها )؛ مما يجعل القرار الضمني السلبي بالامتناع عن التأشير على ميزانية الجماعة لسنة 2021 مخالف للقانون. كما أن المقتضى التالي من المادة 202 من القانون التنظيمي للجهات :" تؤشر السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية على الميزانية داخل أجل عشرين (20) يوما من تاريخ التوصل بها  غير منصوص عليه في المادة المماثلة (المادة 189من القانون التنظيمي للجماعات).
فالملاحظ أن المشرع خص التنظيم الجهوي باستثناء، مخالف للتنظيم الجماعي والإقليمي ، يخرج  ميزانية الجهة من دائرة الموافقة الضمنية، وكأنه بذلك يحقق التوازن في عدم المطابقة – البينية- بين القوانين التنظيمية الثلاث، المقتضى الاستثنائي الخاص بإحالة مقرر المجلس الجماعي بإقالة الرئيس على القضاء، وتفريد ميزانية الجهة  بالتأشيرة الصريحة. وقد يتفهم الأمر من جانب  غير شكلي،  بالرهان السياسي والتنموي  للجهة. لكن ماذا عن جماعات (ميتروبول) نظام المقاطعات؟
ويثار السؤال بخصوص اللجوء إلى دورة استثنائية للتداول في ميزانية الجهة، ودراسة المجلس لجميع الاقتراحات المتعلقة بتعديل الميزانية التي من شأنها تفادي أسباب رفضها( المادة 200). وهل هاته الأسباب موضوعية قانونية (التوازن، الصدقية، تسجيل النفقات الإجبارية)، أم قد تعود لمخالفة توجهات دورية إعداد الميزانية مثلا). 
وإذا تشبت المجلس بموقفه، ومن المفترض أنه سيد نفسه، و"محنط بمبدأ التدبير الحر" ورفض الملاحظات المقدمة، فهو مهدد برفض التأشيرة، وقيام السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بوضع ميزانية للتسيير على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها ...( المادة 201 ).
وإذا كانت إمكانية الطعن أمام القضاء متاحة، فقد كان منصوصا عليها  بصريح  المادة 43 من  القانون رقم 47.96  المتعلق بتنظيم الجهات :" يجوز للمجلس الجهوي في حالة الرفض أن يرفع الأمر إلى المحكمة الإدارية داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغ الرفض"، رغم أن الوالي أو العامل مركز الجهة كان هو الآمر بالصرف .
فهل بمقدور المجالس الجهوية لمغرب الحاضر في شخص رؤسائها، أن يطعنوا في المقررات السلبية لوزارة الداخلية، هاته الأخيرة التي قد ترجح  الجانب التقني خلافا للمجالس المنتخبة التي تكون أسيرة الهاجس السياسي. ورغم الرهان على برنامج التنمية الجهوية ومشاريع إعداد التراب التي تتعطل  في غياب الميزانية. وبصرف النظر عن هاته التساؤلات فإن مدعاتها، ومن جانب الشكلانية القانونية ، هو غياب الانسجام بين المقتضيات القانونية المؤطرة للجماعات الترابية في النازلة الواحدة.
فأين كان مهندسو وزارة الداخلية؟ وهل اشتغلوا على مشاريع هاته النصوص في شكل لجان منعزلة؟ وأين كان خبراء ثلاجة التشريع (الأمانة العامة للحكومة؟ أما البرلمان فكأنه لم يراوح غرفة التسجيل؟ !