الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

مصطفى القباج.. باحث أكاديمي بملكات متعددة

مصطفى القباج.. باحث أكاديمي بملكات متعددة الكاتب والباحث المغربي مصطفى القباج
■ السيرة والمسار : 
 حل الكاتب والباحث المغربي مصطفى القباج، ضيفا في حلقة هذا الاسبوع من برنامج "مدارات" على امواج الاذاعة الوطنية من الرباط، في جلسة فكرية، حاوره خلالها الاعلامي عبد الاله التهاني في عدة قضايا، تتصل بمساره وكتاباته وإسهاماته الاكاديمة، واصفا إياه في ورقته التقديمية لهذه الحلقة، بأنه "أسهم بعمق في مجمل التحولات الثقافية التي عرفها المغرب الحديث، مستحضراو مساره الثقافي والاكاديمي كأستاذ جامعي في الدراسات الفلسفية، وكمديرا علمي لأكاديمية المملكة المغربية، إضافة إلى إشرافه سابقا على الفكري اللجنة المغربية للتربية والثقافة والعلوم ونشاطه في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وفي هيآت تابعة للامم المتحدة بجنيف.
كما اشار الى الحضور الوازن لمحمد مصطقى القباج كعضو مؤسس في العديد من الهيئات الثقافية المغربية، كاتحاد كتاب المغرب، والجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، والجمعية الفلسفية المغربية، وكذا مشاركاته في هيئات ومؤسسات علمية خارج المغرب، كعضويته في مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، ومركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، والمجلس القومي للثقافة العربية.
 
■ مشاغل فكر وانتاجية باحث: 
وتوقفت الورقة التقديمية لمعد البرنامج عند رصيد محمد مصطفى القباج من المؤلفات التي تناول فيها قضايا فكرية وإبداعية وتربوية وسوسيولوجية (الطفل المغربي وأساليب التنشئة الاجتماعية بين الحداثة والتقليد"/"الأمية في المغرب هل من علاج"/ التربية والثقافة في زمن العولمة/ مقاربات في الحوار والمواطنة  ومجتمع المعرفة/ مقاربات فكرية وسياسية في الشأن العربي الراهن/ حوار الثقافات وحقوق الإنسان في زمن العولمة/ مشاغل فكر / عصارة فكر/ مبحث الحرية في الفكر المغربي المعاصر/ محمد عزيز الحبابي الفكر المتحرك /  المسرح والفلسفة: بعض من تجليات صلات وثيقة/  من قضايا المسرح المغربي / شذرات/ عم يتحدثون، وهو كتاب ضخم في شكل سلسلة ، صدرت تباعا في  أربعة أجزاء.
 
■ رجل يختار زمن الصمت ووقت الكلام: 
وذكر الكاتب الاعلامي عبد الإله التهاني، بأن مصطفى القباج "أسهم كثيرا وبعمق في حقل الإنتاج النظري، ولاسيما في مجالات التربية وتدريس الفكر الفلسفي والمشكلات المجتمعية، مسجلا أنه يمتلك قدرات متميزة في كتابة فن البورتريه، والمقالة البحثية، والوقفات الفكرية التأملية، وأنه باحث وكاتب  ينتقد، دون أن يهاجم، وينصف دون أن يجامل، ويتخذ الموقف الفكري الحاسم في وقت لا يتوقع منه أحد  أن يفعل ذلك".
واستطرد يقول بأن مصطفى القباج، جمع في ثقافته بين الأصيل والجديد، وأن منهجه في التفكير، يتشابه مع أسلوبه في العمل، من حيث الضبط والتدقيق والتحري والإلتزام، ناعتا إياه بأنه مفكر مغربي أنيق في مظهره دوما، كما هو أنيق في ذوقه الأدبي، لا ينخرط في الجدالات العنيف، ويختار بعناية وقت الكلام وزمن الصمت".
وفي رده على تساؤلات معد ومقدم البرنامج ، تحدث محمد مصطفى القباج عن  الجزء الرابع من سلسلته الفكرية والأدبية القيمة التي يصدرها تباعا ، تحت  عنوان: "عم يتحدثون"، معتبرا  أن الإنسان حريص على أن يعطي لكتبه عناوين واضحة ودالة تثير الانتباه، مبرزا أنه حين نشر كتابه (عم يتحدثون) سنة 2006 بدون ترقيم، لم يكن يتوقع أنه سوف تتوفر لديه فيما بعد، مادة كتابية من النصوص التأملية والفكرية والانطباعية، كبيرة مما نشره سابقا في الصحف والمجلات، وما حرره من محاضرات ومداخلات  وحوارات". 
وأوضح القباج  في هذا السياق، بأن نصوصه المتراكمة هي التي أثث بها الأرقام الأربعة من سلسلة "عم يتحدثون"، لافتا إلى  أنه حافظ على عنوان أجزاء "عم يتحدثون"،  بشكل قار لهذه السلسلة، مبررا ذلك بأن انشغالاته، وانشغالات الباحثين من كتاب ومبدعين في المشارق والمغارب العربية، هي جزء من ذاكرة ثقافية تستحق الحفاظ عليها، ولربما تحتاج إليها الأجيال الصاعدة، في إطار مشاريعها الفكرية من مباحث وأطاريح"، وأن هذا الامر  يمثل له هاجسا توثيقيا لديه ، للحفاظ على نصوص قد تفيد في المستقبل ، منبها أن نصوص أجزاء سلسلة "عم يتحدثون"، تعكس ما يتحدث عنه، ومن هنا جاء عنوانها وجاء معه السبب الحقيقي في احتفاظه بنفس هذا العنوان، في كل أجزاء تلك السلسلة من الاصدارات. 
وأكد القباج أنه حريص على أن تصدر كتبه، بأقصى ما يكون من الضبط والجودة، واختيار حجم الحرف، وجمالية الإخراج الفني.
وفي سياق حديثه عن مضمون المحتوى الذي تضمنه الجزء الرابع من كتابه "عم يتحدثون"، أوضح الأستاذ القباج أنه يعتبر نفسه كاتب مقالات مركزة، ولا يدعي أبدا أنه صاحب نسق متكامل، وأنه رغم ذلك يلتزم في كتاباته المختلفة، بالمعايير العلمية والمنهجية، مع نوع من التساهل، بمعنى أن تكون في متناول مختلف الفئات من القراء، وهذا يعني بنظره أن ذلك التساهل، يفرض عليه أن يخاطب القراء ويلتمس منهم أن يقرأوا  كتبه بقدر من التسامح، وخاصة الأكاديميين منهم، معتبرا أن التسامح في تقديره هو مسلك أخلاقي، يستوجب قدرا كبيرا من التواضع العلمي.

 
■ هوامش حول السيرة الذاتية: 
وعن سؤال يتعلق بتضمينه في الجزء الرابع من سلسلة "عم يتحدثون"، حلقات حواره الطويل المتسلسل مع جريدة "المساء" المغربية،، ضمن  (ركن كرسي الاعتراف)، والذي استعرض فيه  مساره الفكري والإنساني والوظيفي، وما إذا كان سيكتب مستقبلا سيرته الذاتية بنفس أدبي، أوضح الأستاذ مصطفى القباج أن العديد من زملاءه في الجامعة، وغيرهم من مثقفين ومبدعين مطلعين على مساره الشخصي والفكري والجمعوي، وطنيا وعربيا ودوليا، كانوا يلحّون عليه إلحاحا كبيرا، لان يكتب سيرته الذاتية، وخاصة الوقوف على ما يتعلق بأحداث تاريخية مهمة،  كان له فيها إسهام فيها، وتجهل حقائقها وتفاصيلها، مما يعرضها للكثير من التحريفات والتزييفات.
وسجل أنه لهذا السبب قرر الاستجابة لـ "كرسي الاعتراف"  بصحيفة " المساء"، وأن يستغل هذه الفرصة لتكون شبه سيرة ذاتية "، ثم قرر إعادة  نشرها ضمن مواد القسم الرابع من كتابه (عم يتحدثون) بعنوان دال هو: (وتلك الأيام)، دون أن يقف عند المعطيات الشخصية والمهنية،، بقدر اهتمامه بتقديم شهادات دالة واضحة ، على أحداث كان  طرفا فيها.
ومن بين هذه الوقائع والأحداث، تحدث ضيف برنامج "مدارات"، عن مرحلة عمله في أواخر الستينيات من القرن العشرين، كعضو في ديوان  الوزير المرحوم المهدي بن بوشتى بوزارة  الشبيبة والرياضة، وتنظيمه لأول موسم ثقافي في المغرب، حيث طاف ذلك الموسم جميع مدن وأقاليم المملكة، وساهم فيها العديد من أعلام المغرب مثل محمد الفاسي، وإبراهيم الكتاني، وعبد الله شقرون، ومحمد عزيز الحبابي وغيرهم. كما أشار إلى أنه كان وراء مبادرة تأسيس المركز الوطني لتكوين أطر الشبيبة والرياضة، و كان أول مدير له.
 
■ حكاية ميلاد كلمات النشيد الوطني المغربي:
وروى الاستاذ مصطفى القباج قصة كتابة كلمات النشيد الوطني الرسمي للمملكة، أيضا أنه في مبرزا أنه خلال ولاية الوزير المرحوم بدر الدين السنوسي، حصل أن كان هذا الأخير في دروة رياضية خارج المغرب، وعند عودته جمع العاملين في الديوان، وقال لهم: لقد شعرت بأسف شديد، أن النشيد الوطني  لجل الدول الإفريقية، كان يقدم بكلمات إلا النشيد الوطني المغربي، كان يقدم بالعزف فقط. فكان أن اقترح  الجميع على الوزير رفع  هذا الأمر إلى الملك المرحوم  الحسن الثاني، قبل الانتقال للبحث عن شاعر مغربي يكتب كلمات النشيد الوطني، وهو ماقام به الوزير بدرالدين السنوسي، الذي بمجرد ما تلقى موافقة الملك الحسن الثاني رحمه الله على المقترح، كلف الاستاذ القباج بالاشتغال على الموضوع، حيث بادر إلى الاتصال أولا بالمرحوم الشاعر الهاشمي الخياري، الذي اعتذر عن عدم تمكنه من كتابة كلمات النشيد الوطني، ثم أجرى الاتصال بالشاعر إدريس الجاي لكن دون نتيجة أيضا، حيث أبلغه بعد أسبوع من الأخذ والرد،  بأنه عاجز عن هذا الأمر.
وكان أن التجأ الاستاذ مصطفى القباج  إلى الشاعر مولاي علي الصقلي رحمه الله، حيث بعدما أخذ  وقته الكافي، اتصل بالوزير بدرالدين السنوسي وبالاستاذ القباج كذلك، لابلاغهما أنه بدأ يجد الخيوط الأساسية لكلمات النشيد الوطني الرسمي للمغرب، لكنه يحتاج إلى موسيقار، يترجم له النوتات المتحركة والساكنة، لكي يصل إلى إيجاد الميزان أو البحر الشعري المناسب ، بما يسهل الوصول إلى ملاءمة الكلمات مع الإيقاع.
وبعد أن أوضح الاستاذ مصطفى القباج أن مسألة كتابة كلمات النشيد الوطني للمغرب، خضعت لتزييفات وتحريف للحقيقة، وأنه معني بتقديم تصحيحات ضرورية حول هذا الموضوع.
وفي هذا السياق، أشار إلى أنه تبعا لموافقة الشاعر مولاي علي الصقلي رحمه الله والتزامه بكتابة كلمات النشيد الوطني الرسمي للمغرب، ورغبته في الحصول على النوتات الساكنة والمتحركة، قام هو بالاتصال بعدد من الموسيقيين في المغرب، الذين نصحوه بالاتصال مع الموسيقار المغربي المرحوم عبد الوهاب الكومي رحمه الله، والذي لم يتردد في  تزويد الشاعر مولاي عي الصقلي بالنوتات المتحركة والنوتات الساكنة التي طلبها، فكان أن وفق هذا الشاعر في كتابة النشيد الوطني المغربي، فقدم إلى الملك المرحوم الحسن الثاني، الذي كلف الجوق الملكي بتسجيل النشيد، وحين سمعه أبدى بعض الملاحظات حول  بعض الالفاظ التي ارتأى رحمه الله  أنها صعبة في اللسان على جمهور الناس، واقترح استبدالها بكلمات بسيطة ومفهومة.
وتحدث القباج عن الفترة التي تم تكليفه خلالها من طرف الوزير بدر الدين السنوسي،  بتدبير الشأن المسرحي، وصلاته بفرقة المعمورة للمسرح ، وتعرفه على  المسرحي الكبير  عبد الصمد الكنفاوي ، السغروشني وأحمد الطيب لعلج، وغيرهم من كبار  المسرحيين.
 
■ الملك المرحوم الحسن الثاني وقصة ساحة جامع الفنا:
 وفي سياق متصل ورغبة  منه في تصحيح ما سماه بالتزييف والمغالطات، كشف ضيف البرنامج  حقيقة دوره في مسألة أخرى مهمة، تتعلق باشتغاله على رد الاعتبار لساحة جامع الفنا بمراكش كتراث إنساني شفوي، من خلال إعداده لمذكرة مركزة في الموضوع، رفعت إلى الملك الحسن الثاني رحمه الله، ورد عليها بملاحظات حررها  جلالته بخط يده، أمرهم فيها بعدم الاكتفاء بالتواصل مع الباحثين الأكاديميين والعلماء بخصوص التراث الشفوي لساحة جامع الفنا بمراكش، بل عليهم أيضا التواصل بشيوخ الساحة وروادها من أهل الملحون والحكواتيين والحلايقية.
وأكد القباج أن العمل استمر على هذا النهج، إلى أن تم إقرار ساحة جامع  الفنا كتراث إنساني، بعد تنظيمهم  ندوة دولية كبرى بمراكش حول الموضوع، خلصت إلى صياغة أرضية حول مفهوم التراث اللامادي للإنسانية.
 وهكذا تم الاعلان  لأول مرة عن ساحة جامع الفنا كساحة للتراث اللامادي الإنساني.
واستغرب القباج للتحريفات التي تم تداولها حول هذا  الموضوع.
وفي سياق آخر، تحدث الاستاذ عن الفكر الفلسفي الحديث بالمغرب، مشيرا إلى أنه عرف ثلاثة أجيال، وهم جيل المؤسسين، ومنهم عزيز الحبابي والجابري والعروي وفاطمة المرنيسي، وعبد الرزاق الدواي وعلي أومليل، وجيل المخضرمين كسالم يفوت ومحمد وقيدي وعبدالحق منصف وسواهم، والجيل الحالي كمحمد نوالدين أفاية وعبدالاله بلقزيز وغيرهما.
 
■ بين العروي والجابري: 
وفي سؤال يتعلق بأفكار المفكر المغربي عبداله العروي في كتابه "الايديولوجية العربية المعاصرة"، ودعوته المبكرة للانخراط في الحداثة كما أنتجها الغرب، وضرورة التشبع بالقيم الليبراليبة، لبناء دولة حداثة ديمقراطية، تساءل الاستاذ مصطفى القباج حول مدى راهنية وصلاحية أطروحة عبدالله العروي، وما إذا كانت لها صوابية قاءمة  إلى اليوم.
وفي هذا الصدد، أسهب في المقارنة بين موقف العروي المتجاوز للتراث والداعي إلى القطيعة معه، وإلى الانخراط في الحداثة والقيم الليبرالية، مقابل موقف المرحوم محمد عابد الجابري الذي كان يعارض القيام بالقطيعة مع التراث العربي الاسلامي، ويقول بضرورة توظيف واستثمار الجوانب النيرة والعقلانية في هذا  التراث، من أجل تحقيق النهضة وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
وأشار القباج إلى أن هذا الخلاف الفكري بين العروي والجابري، حصل رغم انتسابهما إلى مرجعية سياسية واحدة ومشتركة، تتمثل في انتماء الرجلين إلى حزب الاتحاد الاشتراكي.