الأحد 6 أكتوبر 2024
سياسة

فرنسا توظف "الكومبارس" زكرياء المومني لـ "التحرش" بالمغرب

فرنسا توظف "الكومبارس" زكرياء المومني لـ "التحرش" بالمغرب

بانعقاد ما سمي اللقاء الدولي حول "التعذيب في العالم والإفلات من العقاب" بمدينة سامبريو Saint-Brieuc غرب فرنسا يوم 29 يونيو الماضي، يجد المغرب نفسه أمام لحظة استفزاز جديدة تشنها الدولة الفرنسية مجددا على السيادة المغربية. ما يبعث على الاستفزاز ليس عقد لقاء موضوعاتي بمناسبة اختيار منظمة العفو الدولية لمسألة التعذيب كقضية مركزية، تزامنا مع إحياء اليوم العالمي لمناهضة التعذيب. ولكن عنصر الاستفزاز كامن تحديدا في اختيار زكريا المومني لتقديم شهادة مزعومة عما تعرض له من تعذيب في ما يدعي أنه تلقاه داخل المغرب. والغريب أن الأيادي الخفية المتحكمة في تنظيم ذلك اللقاء لم تجد في نهج سيرة هذا الملاكم سوى أنه ضحية للتعذيب، دون دراسة سياق هذا اعتقال الرجل وحقيقته والتباساته. والغريب أكثر أن زكريا قد تقدم، هو الآخر، بشكاية ضد عبد اللطيف حموشي مدير مديرية مراقبة التراب الوطني "الديستي"، مدعيا أنه شاهده شخصيا يعاين فعل التعذيب الممارس عليه. وبذلك يكون هذا زكريا رابع مدع ضد الإدارة المغربية، بعد المغاربة من أصل فرنسي: عادل المطالسي ونعمة لسفاريومصطفى أديب. والأنكى من ذلك أن محامي المومني  الذي تقدم بالشكاية هو باتريك بودوان الرئيس الشرفي للفدرالية الدولية لرابطة حقوق الإنسان FIDH، الذي سبق لكاتبها العام ويليام  بوردون أن تقدم بشكاية مماثلة باسم الانفصالي لسفاري.

فهل يحدث كل ذلك بالصدفة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يهم القارئ المغربي أن يعرف من هو زكريا المومني؟ وكيف تصنعه الإدارة الفرنسية ليصبح اليوم الاسم الحركي "المناهض" للتعذيب في المغرب؟

قبل سنة 2010، لم يكن أحد في المغرب وفرنسا على حد سواء يعرف زكريا  المومني كصاحب فكرة ما حول حقوق الإنسان، أو كناشط حقوقي أو كصاحب دعوة ما في الموضوع. بل إن كل ما كنا نعرفه عنه هو حصوله على بطولة العالم في رياضة "اللايت كونتاكت Light-contact" سنة 1999. وبهذه الصفة المتميزة ظل يتحرك في دواليب الإدارة المغربية للحصول على امتيازات بكل الأساليب الممكنة الظاهر منها والخفي، بإدعاء أن حصوله على هذا الامتياز يسمح له بالاستفادة من المأذونيات (الكريمات) أوغيرها. وذلك ما حصل بالفعل، فلقد تمكن حسب تقارير بهذا الخصوص، من الحصول على رخصتي نقل من الدرجة الأولى (سيارة أجرة كبيرة). ثم عاد بعد ذلك إلى الطمع في مراكمة امتيازات أخرى، ولو بطريقة الابتزاز. وحين تعذر عليه ذلك جرب صيغا أخرى في النصب والاحتيال. من ذلك أنه توسط لدى مواطنين مغربيين لتسفيرهما إلى الخارج، وللحصول على عقود عمل في أوروبامقابل عمولات مالية. وهو ما لم ينكره زكريا نفسه.فيما بعد، تبين للمواطنين أنهما كانا ضحية نصب بين تقدما على إثره بشكاية أفضت، بعد التحقيق، إلى اعتقال المومني بالمطار في شتنبر 2010، ثم تقديمه إلى المحاكمة. وفي أكتوبر من نفس السنة صدر الحكم عليه بثلاث سنوات نافذة، تحولت على مستوى الاستئناف إلى ثلاثين شهرا، ثم إلى عشرين شهرا ليستفيد من عفو ملكي، وليطلق سراحه بعد سبعة عشر شهرا من الاعتقال.

هنا سيتحول الرجل بقدرة قادر فرنسي، من متابع في قضية الحق العام إلى داعية في المجال الحقوقي وإلى ضحية مزعوم للشطط في استعمال السلطة، تماما كما حدث في ملف المطالسي (المتاجر في المخدرات، ونعمة (الانفصالي) وأديب (المخل بمثياق المهنة العسكرية).

بقليل من التأمل ينكشف الخيط الرابط بين الملفات الأربعة: النصابون الذين خضعوا للمحاكمات بشكل علني، وبدون احتجاجات لا من جهة مغربية أو فرنسية أو دولية، يصبحون منددين بالوضع الحقوقي في المغرب، بمساعدة فرنسية توفر لهم المنبر من هناك للإساءة للمغرب. وليس صدفة كذلك أن يختاروا نفس مسؤول الإدارة الترابية المغربية للإدعاء ضده. ما يبرز خلاصة مركزية تفيد وجود تناغم مدروس يستند على أطروحة التعذيب كذريعة للنيل من المغرب.

السؤال المطروح بهذا الخصوص. ماذا يعني هذا التناغم؟ ولماذا يتم انطلاقا من تاريخ واحد: هو فبراير 2014، الذي تفجرت فيه أربعة ملفات:

- حادثة قيام الشرطة الفرنسية بمحاصرة بيت السفير المغربيبباريس، في فبراير الماضي،من أجل استدعاء مدير مديرية مراقبة التراب الوطني "الديستي" من طرف القضاء هناك للاستماع إليه في ملف مزعوم حول التعذيب،

- حادثة التصريح المشين للمندوب الفرنسي في الأمم المتحدة  في حق المغرب، المنشور بجريدة "لوموند" بتاريخ 20 من الشهر نفسه، والوارد ضمنمقابلة مع الممثل الإسباني خافيير بارديم، حيث نسب إلى الدبلوماسي الفرنسي قوله "إن المغرب يشبه العشيقة التي نجامعها كل ليلة، رغم أننا لسنا بالضرورة مغرمين بها، لكننا ملزمون بالدفاع عنها"،

- حادثة إخضاع وزير الشؤون الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار، يوم 26 مارس الماضي، للتفتيش المهين بمطارشارل دوغول، وهو في طريق العودةإلى المغرب، بعد مشاركته في القمة الثانية حول الأمن النووي بلاهاي، وذلكفي خرق سافر لكل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية،

- انتهاء بالزيارة الوقحة والجبانة التي قام بها، يوم 18 يونيو الماضي، مصطفى أديب إلى المستشفى الفرنسي "فال دو غراس"، حيث يرقد الجنرال المغربي عبد العزيز بناني.

ليس لهذا التناغم من تفسير سوى التأكيد على أن السيادة المغربية في مرمى الخصوم، مع فارق أساسي أن هؤلاء الخصوم لم يعودوا موجودين فقط في البيت التقليدي الجزائري، لكنهم صاروا مقيمين في الديار الفرنسية التي تربطنا معها اتفاقيات شراكة وتعاون وعلاقات تاريخية عريقة.

لقد سبق أن أثرنا في مناسبات مماثلة حاجة المغرب إلى تبني سلوك أكثر حزما يقوم أساسا على فضح هذا الإذعان من طرف هذه الأيادي الفرنسية لمبدأ النصب والاحتيال، والتحول من موقف رد الفعل إلى الفعل المتزن، والتحرك من أجل وضع الإدارة الفرنسية أمام مسؤولياتها التاريخية، حفاظا لا فقط عن السيادة المغربية، ولن أيضا على مصالح فرنسا في المغرب.