وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (يمينا)، ومحمد الطيّار، خبير وباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية
أكد محمد الطيّار، وهو خبير وباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، على أن «العلاقات المغربية الروسية علاقات عريقة تعود إلى القرن الثامن عشر للميلاد والتي تتميز بالاحترام المتبادل طيلة هاته العقود. نفس الأمر استمر حتى في عهد الحقبة السوفياتية، حيث شهدت زيارة ثلاثة رؤساء لمجلس السوفيات إلى المغرب، كما عرفت زيارة المغفور له الحسن الثاني إلى الاتحاد السوفياتي عام .«1966
ويؤكد الخبير الطيّار، في تصريح لأسبوعية «الوطن الآن»، على أن هذا النهج استمر بعد ذلك، حيث «تمت زيارة الملك محمد السادس في عامي 2002 و2016 إلى روسيا، وكذا زيارة الرئيس الروسي فلادمير بوتين إلى المغرب في عام 2006. فطيلة هاته السنوات، حرص المغرب كما حرصت روسيا، على تنويع المبادلات والشراكات بعلاقات شراكة متينة و قوية، حيث يعدّ المغرب ومصر والجزائر من أهم الشركاء الاقتصاديين لروسيا في المنطقة، حيث أن ميزان التبادل التجاري يتنامى سنة بعد أخرى».
وبرأي الخبير والباحث الطيّار، فإن «زيارة وزير الخارجية الرّوسي للمنطقة، في هذا الوقت الحسّاس الذي يشهد تجاذبات وتقلبات في العلاقات الدّولية والتوازنات الدولية، خاصة مع الحرب الروسية على أوكرانيا، الذي ما يزال غبارها لم ينقشع بعد».
ويفكّك محاورنا هذا الوضع بـ «وجود ثلاثة محددات رئيسية قد تشكل الملامح المستقبلية لتطوّر العلاقة بين البلدين الروسي والمغربي».
الأول: أن المغرب برهن على استقلال قراره السيادي، وروسيا من خلالها موقفها، ورغم أن الجزائر حاولت إغراء روسيا بإبرام صفقات عسكرية ضخمة، حتى تقتنص موقفا من روسيا في مجلس الأمن في قضية الصحراء المغربية. والتطورات الأخيرة لسياسة النزام العسكري في التعامل مع روسيا، والذي برز في ارتماء النظام العسكري في أحضان فرسنا بشكل مذلّ، واتفاقيات توريد الغاز مع فرنسا وإيطاليا بالشّكل الذي دفع روسيا أن ترفض استقبال الرئيس الجزائري الذي كان من المنتظر أن يزور روسيا في أواخر يناير 2023. والتقارير الصحفية أبلغت الجانب الروسي أنها غير مستعدة لاستقبال الرئيس تبون، بحكم ما بدا مؤخرا من خيانة واضحة للنظام العسكري الجزائري، خاصة بعد الضغوطات التي مارستها الإدارة الأمريكية عليه، وزيارة مسؤولين جزائريين لفرنسا في الآونة الأخيرة.
الثاني: تبيّن أن المغرب حينما مارس بشكل واضح استقلال قراره السّيادي من الموقف للحرب الروسية الأوكرانية، وأنه لم ينحاز بشكل كبير لجهة معينة. تم الإعلان عن شراكة بين روسيا والمغرب في الطّاقة النووية. وهذا أمر مهمّ جدّا يشكل صفعة، سواء لأوروبا التي دأبت على ابتزاز المغرب أو للنظام العسكري في الجزائر. وهذا يبيّن أن الشراكة المغربية الروسية في خضم أزمة روسيا مع الغرب، وهي ثمرة الشراكة التي لم تتأثر بالصّراع المفتوح فيما حدث في المحيط الإقليمي والدّولي.
الثالث: إشارة لا تتعلق بالموقف الروسي في مجلس الأمن بقضية الصحراء المغربية، وهو موقف لا يضرّ المصالح المغربية. يتعلق الأمر بظهور خريطة المغرب كاملة غير مبتورة في اجتماع عكسري في روسيا، وهي إشارة بليغة من روسيا. كما قامت روسيا بتغيير سفيرها في الجزائر منذ أشهر بعد تصريح له من الجزائر، يؤيد أطروحة النظام الجزائري في تقرير المصير، حيث تم استدعاؤه، وعوض بسفير روسيا في المغرب الذي كانت له علاقات متينة مع بلادنا. وهاتان الإشارتين (خريطة المغرب كاملة في اجتماع عسكري روسي، وتغيير السفير الروسي في الجزائر بسبب تصريحات مضرة بالعلاقات الروسية المغربية)، تدلّ على أن روسيا لها موقف مساند للمغرب على صحراءه، ناهيك على أن روسيا لديها العديد من الاتفاقيات مع المغرب.
فزيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي فلافوف يتم في وقت برزت فيه الجزائر التي كانت تعتبر حليفا بارزا لروسيا في المنطقة، وبعد زيارة شنقريحة إلى روسيا. كما يعدّ إشارة مهمة من روسيا للنظام العسكري في الجزائر، بعدما ألغى مناورات عسكرية روسية جزائرية على الحدود المغربية نتيجة الضغوط الأمريكية المبرمجة من ذي قبل.
كما أن زيارة لافروف للمغرب تأتي في خضم اصطفاف فرنسا إلى جانب أطروحة النظام العسكري في الجزائر. فإلى حدود الآن أبرمت عدة اتفاقيات بين الطرفين، بعدما طالب المغرب فرنسا بالخروج بموقف واضح، وفي ظل الضّغوط الأمريكية التي طالبت فرنسا بعدم إبرام صفقات عسكرية من حجم كبير.
وفي سياق التوازن الذي ينهجه المغرب والإجراءات التي يقوم بها المغرب للتّصدي لجميع أشكال الابتزاز التي تقوم بها أوروبا تجاه المغرب: فمرة الهجرة، ومرة حقوق الانسان، مرة قضية الصحراء المغربية...تعتبر روسيا بالنسبة للمغرب الخيار البديل أمام الإبتزاز الأوروبي، خاصة بعد القرار الأخير للبرلمان الأوروبي الذي يعدّ شكلا من أشكال الإبتزاز، وبعد الاتفاقيات التي وقعتها فرنسا وإيطاليا في الغاز مع النظام الجزائري.
وهي أيضا رسالة واضحة لتنويع الشركاء، فالمغرب حريص على توطيد علاقته الاقتصادية والتجارية كخيار آمن تجاه الابتزاز الأوروبي.