الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد أخازي: فشل الحوار الاجتماعي بالتعليم بين عجز الوزير والخيارات الاستراتيجية

خالد أخازي: فشل الحوار الاجتماعي بالتعليم بين عجز الوزير والخيارات الاستراتيجية خالد أخازي
نعم... نثمن آلية الحوار الاجتماعي في قطاع التعليم بشكلها المنهجي والمنتظم التي أقرها بنموسى مع الشركاء من النقابات ذات التمثيلية...
صدق وعده وإن لم ينصف موظفات وموظفي القطاع... لأن القرار قد يكون بعيدا عن يد سي شكيب وحتى رئيس الحكومة نفسه...
فلا أحد يمكن أن يجادل أن سي شكيب وعد فأوفى... وكان في الموعد... وكانت له الإرادة الصادقة... لكن الإرادة واحدها غير كافية ما لم تعضدها القدرة وهامش كبير من اتخاذ القرار.
وعد الرجل الذي قدم للمغاربة النموذج التنموي باعتماد منهجية ومقاربة تفاوضية بأجندة زمنية محددة... ولأنه يعرف قيمة الزمن... ومركزيته في التنمية.. فقد التزم زمانيا..وإن تأخر مشروع القانون الأساسي عن موعده... فليس كل مطلوب حقيق بالوجود...
لم نعش فراغا... ولا بياضا... التوتر.. والتجاذب سادا أحيانا..
لم تتوسل النقابات عقد اجتماع مزبدة مهددة مرغية... وإن كانت تدق طبولها كلما احتدم النقاش... وتتبرأ لقواعدها مما أتى أو سيأتي بوقع سيء على رجال ونساء التربية الوطنية...
بنموسى بشر بحوار منتظم ولم ينكث وعده..
نجح الحوار شكلا وفشل مضمونا... حقيقة...
وقد نبهنا إلى ذلك...
نبهنا إلى أن عددا من الملفات ذات التكلفة المادية المحدودة بل المنعدمة تتجاوز إرادة بنموسى...
فتكلفة مثلا ملف التعاقد سياسية واستراتجية أكثر منها مادية...
ومهما رقى سي شكيب بالحوار القطاعي سيكون هو نفسه عاجزا عن حلحلة عدد من المفات ذات الطابع الاستراتيجي..
نبدأ بالأساتذة والأستاذات المتعاقدين...
هذا الملف لا يحتاج قرارا من بنموسى...
ولا يحتاج أيضا قرارا من أخنوش..
فهو ملف أكبر من الحكومة...
ملف متشابك مع خيار جهوي ومالي... وورش أولي... قبل التعميم وتخفبف التدبير المالي عن المركز...وخلق إدارة مالية تدبيرية جهوية مستقلة..
هو اختيار الدولة تناغما مع إملاءات الممولين والمقرضين الدوليين...
فتخفيض تكلفة التعليم لا ينفصل عن مطلب المقرضين الدوليين بتخفيض التكلفة الاجتماعية ورفع الدولة يدها عن القطاعات التي تعد غير انتاجية وتحرير الدرهم وخوصصة القطاع العام والتوجه نحو إلغاء مجانية التعليم وتخفيض فاتورة الأجور...
القطع مع الدولة الاجتماعية... والتحول نحو ليبرالية السوق حيث يحتكم الكل للسوق يفترض كم حدد المانحون والمقرضون الدوليون تخفيض التكلفة الاجتماعية وكتلة اجور موظفي وموظفات الدولة وخصوصا في قطاع التعليم والصحة...
وها نحن أمام قانون مالي للسنة المقبلة لا ذكر فيه لمناصب مالية للتربية الوطنية إلا في حدود مناصب لا تتعدى300منصب ... بينما الآلاف من المناصب الجهوية التعاقدية لا مكان لها في الميزانية العامة للدولة في خانة التوظيف... وقد نجد المخصصات لهذه الفئة في خانة لا علاقة لها بالموارد البشرية..
وهذا احتيال تقني للتمويه الميزاناتي على عدد المناصب المستحدثة...
أقول إن قضية التعاقد... خيار استراتيجي للدولة...
ولا يمكن لبنموسى أن يحسم في هذا الملف..
بل حتى رئيس الحكومة عاجز عن اتخاذ قرار فيه...
هو يحتاج إلى إرادة سياسية كبرى...
أي تغيير بنيوي في الاستراتيجية الوطنية للتوظيف في علاقتها بالجهوية وبالتزامات المغرب لدى المقرضين الدوليين...
فإذا كان الأمر غير مكلف ماديا فهو مكلف لخيار استراتيجي للدولة... ويمكن أن يؤثر على صبيب الثقة بين المغرب والصناديق الدولية المقرضة والممولة للمشاريع الاستراتيجية...
من الصعب أن نجد الحل في وزارة بنموسى...
ولا عند أخنوش...
لكن الحل في التحرر من وصاية البنك الدولي على اقتصادات الدول النامية والتدخل في خياراتها الاقتصادية الوطنية...
والتحرر يعني شجاعة تتأسس على تمنية محلية وقدرات على التدبير دون الحاجة لتغطية العجز بأموال أجنبية...
لأننا في أزمة... فمن الصعب التحرر من التزاماتنا الاقتصادية والاجتماعية..
ولا حل لنا غير التنمية والديمقراطية للتمتع بالسيادة الاقتصادية...
فالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي حولا الدول إلى شبه شركات... بمقاربة مقاولاتية... وكل تدبير للدولة يجب أن يتأسس على مقاربة مقاولاتية..
يعني لا شيء بدون مقابل... التعليم ... الصحة...وضرب المجانية هو جزء من مشروع عولماتي يطبق بحذافيره... يعني القطع مع الدولة الاجتماعية.. والتحول من مقاربة الدولة الراعية إلى الدولة الشرطي المنظمة للسوق..
ملف المتعاقدين ليس ماليا ولا اجتماعيا... بل سياسيا استراتيجيا بالدرجة الأولى...
يحتاج إلى قرار شجاع... فيه تنصل من منظومة مالية اقتراضية ترهن الخيارات الكبرى للدولة...
لا أعرف... شخصيا... كيف سيكون مآل هذا الملف... الذي هو في العمق شائك ومعقد.. لأنه ليس بطبيعته مادي... بل استراتيجي.. أفقي..
أما باقي المفات فأكثرها ذو طبيعة مالية... لا يتطلب غير قناعة وشجاعة في اتخاذ القرار لإنصاف ضحايا منظومة أجرية غير متوازنة وتتسم بترسيخ الغبن واللامساواة..
فتوحيد المسار المهني لرجال ونساء التربية والتعليم والإدارة والتوجيه والتفتيش وغيرهم من الأطر يفترض بكل موضوعية فتح الحق في الدرجة الممتازة لمن تم تسقيف مسارهم في السلم الحادي عشر وأخلاقيا قبل أن يكون قانونيا ... من المعيب والمثبط للعزائم والقاتل للتنافسية والطموح حشر رجال ونساء التعليم لسنوات في السلم11في حين أن زملاءهم لهم التكوين نفسه والشهادات عينها يتمتعون بحق الترقي إلى الدرجة الممتازة..
الأمر إن كان يحتاج إلى حوار مركزي... فهذا تهرب من تنفيذ التزام سبق الحسم فيه... وربما الدرجة الجديدة تحتاج إلى حوار مركزي... لكن التمتيع بخارج السلم لا يحتاج إلى ذلك... لأننا لن نأتي بتغيير بنيوي يؤثر على بنية الوظيفة العمومية... بل سننصف ما كان يجب أن ننصف في سياق قانون أساسي قادر على احتواء الحلول الجديدة...
أظن أن عدد من الملفات... مهما بدت مكلفة تحتاج فقط إلى إرادة سياسية لتسويتها، لأن عدم السلم الاجتماعي في قطاع التعليم يكلفنا غاليا.. وخير للجميع ألا يتجهوا إلى الباب الغلق...
ملفات أخرى...
كملفات ضحايا زنازين الغبن و" الحكرة" وخريجي مراكز تكوين المعلمين بالسلمين 8 و 9...والملحقين.. لا بد أن تحسم سريعا... لأن تكلفتها متحكم فيها مقارنة مع باقي الملفات...
بقي أن أذكر أنه من العار الاستمرار في تجميد ترقيات الموظفين والموظفات بقطاع التربية الوطنية...لحد الساعة... وتدبير قلة الاعتمادات على حساب وضعيتهم الاجتماعية وإيقاع ترقيتهم.... وهذا ملف بيد أخنوش الذي عليه أن يغلق هذا الملف تماما بتنسيق مع وزيريه على المالية... لتعود وتيرة الترقي و التسوية إلى إيقاعها العادي تقنيا وإداريا..
هامش١: أهمس في أذن با شكيب للمرة الثانية... هل تعلم أن هناك جمعية من مغرب الأبيض والأسود تسمى جمعية التعاون المدرسي... بدون مكتب وطني... وفي رصيدها الملايين... وهناك جمعية المخيمات الصيفية المدرسية... سأرفع القبعة لك... لو قمت بافتحاص لهما... وأنهيت هذا الشكل من الجمعيات البائدة... والتكفير في صيغة جديد تليق بمغرب هذا الزمن الحداثي...
هامش٢: إن كانت الوزارة ورطت نفسها في مدة الآجال التي قاربت السنة لطلب الإدماج في إطار متصرف تربوي، فلا ضرر أن توافي من قدم طلبا بذلك بقرار الإدماج، وإن كنا متفهم تأجيل الترقية بالاختيار حتى إغلاق القوس الزمني لهذه العملية.
هامش٣: إن كانت الجهات المسؤولية لجأت إلى صيغة جمعيات النجاح لتدبر الفراغ القانوني الذي لا يسمح للمدير بالقيام بدور متصرف آمر بالصرف، فأظن أنه حال الوقت لحل هذه الجمعيات والتحول نحو المؤسسة ذات التسيير الذاتي المحدود بإعطاء المتصرف التربوي صفة الآمر بالصرف.
هامش ٤: طريقة إسناد المهام لرؤساء المصالح والأقسام تحتاج إلى إعادة النظر... وفق شبكة واضحة المعالم تكرس الموضوعية والتميز والأنصاف وتضيق هامش الذاتية والولاءات والإرضاءات...
هامش٥: إعادة النظر في القانون المنظم للتعليم الخصوصي، يعني سد الباب أمام كل أشكال الابتزاز والريع المحتملين... وهناك مفاصل في القانون الحالي منها يدخل الشيطان... فهل أغلقتها....
خالد أخازي، روائي وإعلامي مستقل