إن تناول موضوع التمييز العرقي والتعصب القبلي بإقليم زاكورة ليس بالأمر السهل والهين، ومما يزيد من صعوبة الخوض فيه كون جميع الدراسات التي تناولت الحياة الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالإقليم لم تجرؤ على اقتحام هذه «العلبة السوداء». فالموضوع هام وصعب وجد حساس، وهذا ما تطلب منا اتخاذ الكثير من الحيطة والحذر أثناء عملية التنقيب عن تجليات ومظاهرالتعصب القبلي والتمييز العرقي، خصوصا وأن الأمر يهم ساكنة يقدر عددهابـ 283368 نسمة تقطن بحوالي 360 دوارا (قصر)، منها حوالي 120 دوار تسكنها عناصر «اضراوى» وحوالي120 دوار أخرى تقطنها عناصر أمازيغية والباقي يضم مزيجا من السود والعرب.
إعداد: مبارك كرزابي
إننا بتناولنا هذه الظاهرة فليس من باب إحياء النزعة العرقية أو القبلية بالمنطقة أو تضخيمها، بل بهدف إزاحة اللثام عن هذا المسكوت عنه بإقليم زاكورة، والذي ظل على مر الزمان ضمن الطابوهات التي يغض النظر عنها معظم الباحثين في التاريخ الاجتماعي للمنطقة.. تتكون ساكنة إقليم زاكورة، من خليط من العناصر العربية والأمازيغية والضراوية، إضافة إلى أقليات من الشرفاء والمرابطين والأحرار… فأثناء جولاتنا بهذه الدواوير وقفنا على حقيقة وهي أنه لا أحد يشك في علاقة التضامن والتآزر التي أصبحت تربط في الظروف الراهنة بين هذه المكونات البشرية، على اختلاف أعراقها وألوانها وقبائلها، خصوصا في القصور (الدواوير) التي تضم جميع هذه المكونات (عربي، ضراوي، شريف، أمازيغي، حروعبد …). فوحدة القبيلة (القصر) تفرض على الجميع علاقة الود وتبادل الزيارات في مناسبات الأعراس والأعياد والمؤازرة أثناء حدوث الكوارث. إلا أن علاقة التآخي والتساكن هاته تخفي وراءها ظواهر اجتماعية وثقافية، ينعتها البعض بالتعصب العرقي أو الرغبة في التميز عن الآخر، فيما يصنفها البعض ضمن التمييز العرقي الناتج عن رواسب الصراعات القبلية وما خلفته في المنطقة من استغلال واحتلال للعديد من القصور وسكانها على حد سواء، كقصر زاوية القاضي بجماعة ترناتة وتايرسوت بجماعة بني زولي وتاعقيلت بجماعة أولاد يحيى لكراير واللائحة طويلة. وبعدانتهائنا من جمع المعطيات المتعلقة بمظاهر وتجليات التمييز العرقي والتعصب القبلي عبر جولات ميدانية وقفنا على الأشكال الآتية:
1) تمييز عرقي خطير:
من بين أشكال التمييز العرقي والقبلي الأكثر وقعا وتأثيرا وخدشا لنفسية العناصر الملونة «ضراوة» بإقليم زاكورة هي القدف والسب والنعت بكلمات: «سير اضراوي»، «وأنت غير حرطاني». فكلما ذكر هذا النعت إلا واعتبر استفزازا واحتقارا للعناصرالملونة.
2) التمييز المعنوي:
لا أحد بمنطقة زاكورة يجادل بأن الأرستوقراطية العقارية وبعض العناصر ذات البشرة البيضاء (العرب والأمازيغ والأحرار والشرفاء وكافة الأعيان) بالعديد من القصور بالإقليم ما زالت تشعر بنوع من «الدونية» و«الحكرة»، حينما تنادى من طرف فئة العبيد أو الحراطين أو ضراوة بأسمائها الشخصية «فلان» دون ذكر «سيدي فلان». وهذا السلوك ينطبق حتى على بعض النساء بهذه القصور (الدواوير). صحيح أن هذا السلوك في تراجع كبير، خاصة في المراكز الحضرية وبالتحديد بمدينة زاكورة، إلا أن هذا «التقليد» ما زال طاغيا على عقلية العديد من القبائل «المغلقة» خاصة في ترناتة وبني زولي وبجماعة الروحا وتامكروت، حيث يعاني السود من التمييز الرمزي الممارس عليهم من طرف البيض في كل المناسبات. فالعناصر البيضاء هي من تقوم بطقوس «رفع الفاتحة والدعاء للقبيلة...» في كل المناسبات (عرس أو عزاء).
3) تمييز الأسماء بين البيض والسود:
إلى عهد قريب كان اختيار أسماء أبناء العناصر السوداء المولدين حديثا بالقصور أو بالقبائل التي تضم البيض والسود من اختصاص البيض الذين يحرصون بشكل كبير على ألا يخرج هذا الاسم عن نطاق الأسماء المتداولة بين السود (باري، بوجمعة، قدور، علي...). فقد حدث أن تجرأ أحد العناصر السوداء بأحد قصور مدينة زاكورة على تسمية مولوده الجديد الذكر ب «مروان»، ولما علم أحد الأعيان البيض بالأمر (يحمل ابنه الاسم نفسه) سارع إلى تغيير اسم ابن الضراوي إلى اسم «حماد»...
4) التمييز في الزواج:
إن زواج «الحرطاني» أو «الضراوي» بزاكورة من المرأة العربية أو الأمازيغية أو الحرة أو الشريفة، يعتبر من المستحيلات مهما علا شأن الزوج المفترض جاها وعلما وثراء، وكيف ما كان وضع الزوجة المفترضة من فقر وعوز اجتماعي. إذ يمكن القول إن هذه القبائل ما زالت تقيم جدارا حديديا في وجه اختراق هذه الفئات (السوداء) لعصبيتها عبر مؤسسة الزواج. بل أكثر من ذلك فالعديد من القبائل العربية والأمازيغية المتشددة بالمنطقة تعتبر الزواج أو المصاهرة مع السود عموما، سواء كانوا «ضراوى» أو عبيدا، هو بمثابة تهديد لوجودها ونيل من سمعتها وكرامتها بين قبائل الإقليم... وهذا لا ينفي وجود بعض الحالات التي تجاوزت عقدة اللون والعرق، إلا أنها تبقى محدودة في مدن الإقليم وبعض حواضره، وغالبا ما تجر على الأسرة -صاحبة المبادرة- الكثير من الويلات، قد تصل في بعض الأحيان درجة المقاطعة من طرف العشيرة أو من طرف القبيلة ككل كما يحدث ببلدة أيت ساون بدائرة أكدز، إضافة إلى النعوت المشينة داخل القبيلة التي تنعت بها الزوجة «الحرةالبيضاء». بل أكثر من ذلك فهذه الفئات المتزوجة خارج نفس العرق واللون تعاني من تمييز كبير من طرف النساء «الحرطانيات» أو النساء «الضراويات» داخل القصر، حيث ينعتونها بـ «الشايطة». إلى ذلك أصبح كل الباحثين من العناصر السوداء بزاكورة والراغبين في الزواج من «البيضات» يلجؤون في الغالب إلى المدن الكبرى. إن العصبية والعرقية ما زالت حاضرة في المجتمع الدرعي بزاكورة.
وقد أكد لـ «الوطن الآن» أحد المثقففين «السود» «أن التمييز العرقي بزاكورة يوجد في اللاشعور عند البيض بكل أصنافهم (عرب، أمازيغ، شرفاء...) مهما كانوا مثقفين أو أميين حيث يستحيل التجرد من تلك النزعة العرقية. مضيفا «أن سلوك هؤلاء طغى عليه تغليب الولاء للمجموعة القبلية أو الهوية القبلية على أشياء أخرى».. ليتضح بذلك مدى التجذر الاجتماعي للعصبية القبلية والنزعة العرقية بزاكورة... هذه النزعة تشبه ذلك التعصب الذي عرفه محمد عابد الجابري في كتابه «العصبية والدولة» بشعور الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من العصبية التي ينتمي اليها، حيث يمكن القول إن الفرد في بعض القبائل المغلقة بالإقليم يفقد شخصيته ويتقمص شخصية القبيلة أحسن نموذج قبيلة «تازروت» بجماعة تامكروت.
5) حتى الموتى لا يسلمون من التمييز:
مظاهر أخرى تفوح منها رائحة التعصب العرقي، وهو ما تقدم عليه إحدى الجماعات السكانية بترناتة في عدم دفن موتاها بمقبرة الدوار الذي تقطن به (يتوفر على أغلبية من «ضراوة») لتضطر لنقلها ودفنها بجوار أبناء عرقها (العربي)، مبررة الأمر بعادة ورثوها عن أجدادهم. وتبدو مظاهر التعصب العرقي في منع ساكنة «ضراوة» بدوار أيت علي أوحسو بجماعة أيت بوداود بقيادة تازارين من دفن موتاها بمقبرة الأمازيغ، حيث أجبر أحد العناصر السوداء على نقل موتاه إلى جهة أخرى. وبلغ التمييز العرقي أعلى درجاته بهذا الدوار «آيت علي أوحسو» الذي يضم عناصر بيضاء (أمازيغ) وأخرى سوداء (ضراوة،إملوان).. وقد وصلت درجة التعصب العرقي إلى حد حرمان السود خلال فترة ليست بالطويلة من الماء الشروب، وعدم السماح لهم حتى بإقامة الأعمدة الكهربائية بأراضي البيض، ولم تسو هذه الأزمة إلى بعد تدخل مختلف السلطات وجهات أخرى عليا، حيث سمح للسود بالاستفادة من الماء والكهرباء، في حين مازال البيض يؤدون صلاتهم بمسجدهم الخاص بهم والسود ملتزمين بمسجدهم المتواضع.
ويقول أحد سكان الدوار (من السود) في جواب عن سؤال طرحته عليه «الوطن الآن»: هل ما زلتم تعانون من التمييز؟ ليجيب قائلا: رغم التسوية بين الأطراف مازال الاحتقان سيد الموقف «اللي سبق القلب ملاه».
6) حفر السواقي والخماسة:
رغم تراجع دورالخماسة كشكل من أشكال استغلال الأراضي الزراعية بزاكورة، تبقى الخماسة النوع الأكثر انتشارا، خصوصا في القبائل التي تضم البيض والسود، وهي من اختصاص العناصر الملونة وفقراء القبيلة... فهؤلاء يتكلفون بكل أشغال كنس السواقي والمجاري المائية والقيام بأعمال الحرث والحصاد.
7) عدم الاستفادة من الاراضي الجماعية:
وهنا نسوق نمودجين لما أسموه بـ «الإقصاء العنصري» من الأراضي الجماعية:
أ) إقصاء بعض «ضراوة» جماعة أفرا من الاستفادة من الأراضي الفلاحية الموزعة بمنطقة «تفرنت»، حيث نظم العشرات من السكان المنتمين لقبائل «ضراوة» (حوالي 600 نسمة والقاطنين بدواوير أيت خلفون وأيت أدينار وأيت امزدودار وأيت اسحاق بجماعة أفرا بزاكورة)، خلال السنة الماضية، وقفة احتجاجية مصحوبة باعتصام أمام مقر عمالة زاكورة، وذلك احتجاجا على ما أسموه بـ «الإقصاء العنصري» من الاستفادة من الأراضي الجماعية الفلاحية التي توزع بمنطقة «تفرنت». وفي لقاء مع اللجنة المنظمة، صرحت هذه الأخيرة أن الأراضي الفلاحية الجماعية الواقعة بمجال «تفرنت» توزع على العناصر البيضاء دون سواها تحت إشراف رئيس الجماعة وبتواطؤ مع قائد قيادة تامزموط وبأمر بعض وكلاء الجماعات النيابية الممثلة لبعض الدواوير في غياب وكيل أراضي الجموع للعناصر الملونة «ضراوة». علما، تضيف اللجنة، أن العناصر السمراء هي الساكنة الأصلية، كما تثبت ذلك كل القرائن التاريخية.
ب) تخوض قبيلة «ضراوى» زاوية البركة ببلدية زاكورة صراعا مريرا مع الناصريين احتجاجا على ما اعتبروه إقصاء لهم في الاستفادة من الأراضي الجماعية التي يسيطر عليها الناصريون، على حد قولهم، واحتجاجا كذلك على حرمانهم من حق تكوين مجلسهم النيابي وتماطل السلطات الإقليمية والمحلية في التعاطي مع قضيتهم، معتبرين ذلك تمييزا عنصريا ينضاف إلى التمييز الممارس ضدهم من طرف الناصريين البركيين.