الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

نبيل عادل: قانون المالية ومفهوم الدولة الاجتماعية أمام اختبار طاعون التضخم

نبيل عادل: قانون المالية ومفهوم الدولة الاجتماعية أمام اختبار طاعون التضخم نبيل عادل
يراهن المغرب على تعميم الحماية الاجتماعية لتعزيز العدالة الاجتماعية، والمجالية وصيانة كرامة المواطن، إلا أن الواقع المعاش لازال يكشف عن اختلالات كبيرة في العديد من القطاعات وبعدة مجالات ترابية.
"أنفاس بريس"  تفتح النقاش مع خبراء اقتصاد، ومحللين سياسيين حول تجليات مبدأ الدولة الاجتماعية على أرض الواقع، ومدى ترجمة هذا المبدأ في الميزانية المالية لـ2023. اليوم نستضيف، نبيل عادل، أستاذ باحث ومدير مجموعة الدراسات الجيوستراتيجية بالمدرسة العليا للتجارة والأعمال، لتسليط الضوء على مبدأ الدولة الاجتماعية:

ركزت الخطابات الملكية الأخيرة على مبدأ الدولة الاجتماعية أين تظهر تجليات هذا المبدأ على أرض الواقع، في ظل الأوضاع المزرية للتعليم، الصحة...، ضعف المستوى المعيشي للمواطنين؟
مفهوم الدولة الاجتماعية مفهوم محدد أكاديميا، فهو لا يعني أن الدولة هي التي تتحمل المصاريف الاجتماعية عوضاً عن المواطنين. فالدولة ليست ذاتية الموارد، بل يعني أن الدولة تفرض ضرائب، واقتطاعات مرتفعة لتمويل المصاريف الاجتماعية، وهي عكس الدولة الليبرالية التي يتحمل فيها الأفراد مصاريفهم الاجتماعية، ولاتتحمل الدولة إلا مصاريف الشرائح الهشة التي لاتستطيع بعملها تحمل مصاريفها الاجتماعية. 
بالنسبة للضمان الاجتماعي فالدولة الاجتماعية تتبنى مبدأ المعاشات المبنية على نظام التقاسم عكس الدول الليبرالية، والتي يطغى فيها مبدأ المعاشات المبنية على نظام التراكم، اختار المغرب منذ الاستقلال نهج الدولة الاجتماعية من حيث مجانية التعليم، والصحة، ولوج مجاني لعدد كبير من المرافق العمومية. أما بالنسبة للضمان الاجتماعي فإن مبدأ التقاسم هو الأساس الذي بنيت
عليه جميع أنظمة التقاعد والحماية الاجتماعية في المملكة.
وبالنسبة لما وصفتموه بالأوضاع المزرية لقطاع الصحة والتعليم، فهذا يدخل في باب حكامة هذه القطاعات، و حسن تسييرها وهو ما لا علاقة له بالمبدأ، و يظل مشكلاً فعلياً سواءً أكانت اجتماعية أو ليبيرالية.
 
إلى أي حد تعمل الحكومة الحالية على تنزيل هذا المبدأ على أرض الواقع؟
لعلكم تتحدثون عن مشروع تعميم التغطية الصحية، والذي هو أحد تجليات الدولة الاجتماعية ليس إلا، هذا المشروع هو مشروع ملكي أي أنه مشروع دولة يتجاوز الحكومات المتعاقبة، وقد بدأ تنزيله بالفعل على مستوى مؤسسات الضمان الاجتماعي عن طريق إدماج العاملين غير الأجراء (المستقلين) في منظومة التغطية الصحية، والتي كانوا خارجها، و يتحملون مصاريفها من دخلهم. 
الهدف إذن هنا هو إدماجهم في مبدأ التقاسم، والذي يعني ببساطة أن يضع جميع المنخرطين أقساط تأمينهم في صندوق واحد يتم من خلاله دفع التعويضات لمن يتعرض منهم لمرض، أو يحتاج للاستشفاء. 
وإذا عانى هذا الصندوق من عجز، يتم تمويله عن طريق الرفع من الأقساط، أو تخفيض التعويضات، أو في آخر المطاف بواسطة الميزانية العامة.

بمناسبة مشروع قانون المالية، في رأيك، ما الذي يتطلب توفيره في ميزانية المالية لسنة 2023 لترجمة مبدأ الحماية الاجتماعية بشكل يلمسه كل المواطنين؟
مشروع قانون المالية يأتي في ظرفية تتسم باستفحال طاعون التضخم، الذي يضرب في مقتل القدرة الشرائية للمواطنين، و هو ما من شأنه أن يأجج الحركات الاجتماعية و الاحتجاجات. 
وما أحداث الثمانينات عنا ببعيدة، لذا فهامش تحرك الحكومة محكوم بهذا المعطى وكل سياساتها يجب أن تتجه لمحاربة هذه الآفة، وأول التدابير التي يجب عليها القيام بها هو ضبط مصاريفها من اجل التحكم في نسب عجز الموازنة العامة. وكما معروف لدى الاقتصاديين فإن انفلات المصاريف العمومية يرفع من مستوى الطلب العام وهو من شأنه، حسب قانون العرض والطلب، أن يلهب الاسعار ويغذي وحش التضخم. ومصاريف الرعاية الاجتماعية التي تتحمل الدولة جزءاً منها تدخل في خانة المصاريف العمومية التي يجب ضبط ايقاعها والا اتسع الخرق على الراتق. وفي هذه الحالة ستصبح تكلفة كبح جماح التضخم جد مرتفعة اقتصادياً و اجتماعياً.