السبت 27 إبريل 2024
سياسة

الطيب دكار: "العودة إلى آلة قديمة لا يضمن فرص النجاح الدبلوماسي "لعمامرة" (11)

الطيب دكار: "العودة إلى آلة قديمة لا يضمن فرص النجاح الدبلوماسي "لعمامرة" (11) الطيب دكار وفي الإطار كلا من الرئيس السابق هواري بومدين والوزير رمطان لعمامرة
يستمر الطيب دكار، الصحافي والمدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالجزائر العاصمة، في الكشف عن الآلية العدائية المتحكمة في "العقيدة الديبلوماسية" للعسكر الجزائري تجاه المغرب. فبالنسبة إليه، ان رئيس أركان الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، سيرا على خطى سلفه الجنرال قايد صالح كاسر الحراك ومحبط تطلعات الجزائريين إلى انتقال ديمقراطي حقيقي يضمن لهم العيش بكرامة، احتفظ  بنفس الخطاب السياسي المناهض للمغرب والمعاكس لوحدته الترابية، وذلك في كل المنابر بل حتى خلال زيارته لروسيا الحليف التاريخي للجزائر وممونه بالسلاح، وذلك بعد مناورات مغربية أمريكية بمنطقة المحبس. هل هذا يعني انه حظي بموافقة محاوريه !
وقال مؤلف كتاب "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب": "لقد ترك قايد صالح الثكنة العسكرية لممارسة  السياسة، وإملاء ترتيبات الانتقال على المدنيين، واختيار الرئيس عوضهم، عبر استعراض القوة والسلطة الموضوعتين رهن إشارته في مجموع البلاد، لنشر الذعر والخوف. ذلك أن الجزائريين يحتفظون بذكرى سيئة عن العشرية السوداء". تلك العشرية التي أودت بحياة أزيد من 20000 جزائري، أغلبهم من المدنيين، الذين سقطوا تحت نيران أجهزة الأمن والعسكر. وإذا علمنا أن هذا الرقم رسمي، فلنا أن نتصور أن عدد القتلى يكون أكبر من ذلك بكثير. هذا دون احتساب هجرة مئات الآلاف الذين هاجروا قراهم للاستقرار بجانب الحواضر الكبرى   لأسباب أمنية.
وتابع الخبير في الشؤون الجزائرية: "لقد كان على خليفة قايد صالح، السبعيني الجنرال سعيد شنقريحة، أن يرفض منصب نائب وزير الدفاع ليتجنب الظهور بشكل مبالغ فيه، مثل سلفه. لكن المفارقة أنه  صار يدلي بخطاب سياسي حول ملفات السياسة الداخلية والخارجية، مثل الحراك، القبايل، ليبيا، المغرب، الصحراء المغربية. بل إنه سافر إلى روسيا،  الحليف التاريخي للجزائر وممولتها بالأسلحة، بعد المناورات العسكرية المغربية الأمريكية في منطقة المحبس، حيث أدلى بتصريحات متشنجة ومفرطة في العداء ضد المملكة. وإذا كان ذلك قد تم أنطلاقا من موسكو، فهذا يفترض أنه حصل على "دعم روسيا المطلق".
"إن سفر الجنرال شنقريحة إلى روسيا يذكرنا، يقول الطيب دكار ، بسفر الرئيس هواري بومدين  إلى موسكو في اليوم التالي للعدوان الإسرائيلي على الدول العربية في 1967، وهي زيارة خاطفة لإقناع المسؤوليين السوفيات بالتدخل ضد  إسرائيل. وعلى الأرض، لاحظنا نتائج التحالف مع روسيا في سوريا، وليبيا، والعراق؛ وهي البلدان العربية التي تقدم نفسها كدول "تقدمية" و"مناهضة للإمبريالية"، والتي انهارت تماما.
بهذا الشكل يبدو الجنرال شنقريحة كحاكم حقيقي للجزائر، لا تعمل المؤسسات المدنية والدبلوماسية إلا لترجمة مواقف ونظريات المؤسسة العسكرية على الساحة الدولية، فيما تبدو باقي المؤسسات، يقول الطيب دكار، وكانها تابعة لها بما في ذلك الرئاسة الجزائرية.
‏لقد ولى زمن الحرب الباردة يقول مؤلف الكتاب، وتغير السياق العام الدولي والإفريقي أيضا بعد أن قطع المغرب اليوم مع سياسة الكرسي الفارغ منذ عودته إلى منظمة الاتحاد الإفريقي".
ففي السابق، كانت دول إفريقيا موزعة بين الموالاة  للاتحاد السوفياتي حاملات ألوية المد الاشتراكي المناهض للإمبريالية، وبين دول حليفة للعالم الغربي الحر والديموقراطيات الليبرالية.
‏وبحملها للواء السوفياتي والخطاب الشعبوي كانت الجزائر تستقطب بعض الدول الإفريقية التي انعتقت للتو من الاستعمار لتغري قادتها بأموال البترول في مشروعها المعادي للمغرب.
‏اليوم، وبسبب التحولات الجديدة، يقول الطيب دكار، لم تعد الجزائر تستطيع بيع هذه الشعارات، وفقد النظام شرعيته أمام توسع الحراك وتنامي الوعي الشعبي.
‏ورغم ذلك، مازال قادة الجزائر لم يستوعبوا إفلاس استراتيجيتهم المعادية للمغرب المدافع عن قضيته الأولى، وظلوا حبيسي عقلية تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي، دون أن يتطور وعيهم بقضية الصحراء المغربية، في ظل الحصار المفروض على تندوف والتشبث بفرض خيار تقرير المصير، هذا في الوقت الذي عرف فيه الموقف المغربي تقدما كبيرا  على إثر مبادرة الحكم الذاتي في 2007، وهي المبادرة التي منحت الجزائر فرصة للخروج بشرف من النزاع المفتعل، لكن ظل الرفض هو حالها كما رفضت كل حوار لحل هذه القضية التي يعرف كل الحزائريين أنها مفتعلة من طرف بومدين الذي لم يستسغ الى حد الآن تفوق الجيش المغربي خلال حرب الرمال  واسترجاع المغرب لمناطقه بالشرق، بعد هجوم الجيش الجزائري على حاسي بيضا وتنجوب.
يقول الطيب دكار، في كتابه حول اللاستقرار الجزائري، إن 50 عاما مضت عرف فيها العالم عدة تطورات سقط خلالها جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي والتحقت العديد من دول المعسكر الشرقي بالاتحاد الأوروبي وتخلت عن حلمها الشيوعي، ولكن الموقف الجزائري ظل جامدا. وحتى وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي استنجد به النظام العسكري الذي يقاوم كل أشكال التطور، لا يملك حلا سحريا يعيد للديبلوماسية الجزائرية بكارتها".
ولذلك، يرى الطيب دكار أن لا شيء يبرر قلق  وارتياب بعض المحللين السياسيين، بخصوص قضية الشعب المغربي الحيوية الأولى، بعد إعلان عودة رمطان لعمامرة إلى الشؤون الديبلوماسية الجزائرية. كما يقول المثل :  "التجديد لا يبنى على القديم "! لكن يبقى السؤال: هل هذا يضمن النجاح؟
ويتابع المؤلف: "شخصيا، أعتقد أن لعمامرة انتهى وقته، في سياق كان فيه المغرب غائبا عن الاتحاد الإفريقي، والحرب الباردة وتأثيراتها التي ما زالت مستمرة حتى الآن؛ وهو سياق كانت فيه إفريقيا ودول العالم الثالث منقسمة إلى قسمين، بين "التقدميين"  و"المناهضين للإمبريالية"، بين "الاشتراكيين" و"الشعبويين"، بين حلفاء الاتحاد السوفياتي، أولا، ثم بعد ذلك روسيا، وبين حلفاء العالم الغربي الحر والديمقراطيات الليبرالية الكبرى. 
ففي ذلك الوقت، تمكنت الجزائر من اجتياح قلوب بعض الدول الإفريقية التي حصلت لتوها على الاستقلال، هذا برمي أموالها من النافذة لدعم مناهضة قضية المغرب.  فعبر شعارات هذا البلد الطليعي الذي يزعم أنه "تقدمي" ، والذي كان يستقبل بضجة كبيرة زعامات كاريزماتية مثل تشي غيفارا وفيديل كاسترو، كان بومدين يؤسس هالته وهيبته في العالم الثالث، وخاصة في إفريقيا، للحصول على دعم يكفل له مشروعه الانقسامي في المغرب.
وما دام السياق قد تغير منذ حين، فإن الجزائر لم تعد قادرة على بيع هذه الشعارات، وذلك بفضل نضوب البيترودولار. فالنظام مطعون في شرعيته من طرف الشعب، مثل جهود هذا النظام للحصول على الشرعية ظلت دون جدوى، ما دام معدل المشاركة في جميع الاستحقاقات، بما فيها الانتخابات الرئاسية، ظلت ضعيفة جدا. فلولا القمع كان بإمكان الحراك الذي طالب برحيل كل رموز الدولة المموروثين من النظام السابق، أن يستمر، دون توقف، في حشد ملايين الجزائريين الذين قاوموا عمل النظام على تجديد نفسه. فشرعية النظام ظلت على المحك على المستوى الشعبي والدولي، منذ 1988، وهو التاريخ الذي دقت فيه ساعة الحقيقة بفضح الدعاية الجزائرية".
وأضاف المؤلف الخبير في الشؤون الجزائري قائلا: " إن الديبلوماسي الجزائري مضطر ليجر  وراءه هذا الإرث الثقيل على المستوى الدولي: ديمقراطية  تواجه صعوبات في التنفيذ  منذ 1988، رغم تضحيات الشعب الجزائري. نظام بواجهة مدنية يخدم كغطاء للجيش الذي يحكم البلد بقبضة من حديد منذ 1965. نظام عاجز عن ضمان العيش الكريم للشعب الجزائري، وذلك بتأمين تموين السوق بالمواد الغذائية الأساسية، وضمان الماء الشروب في الصنابير الجزائرية 24 /24 ساعة، مثل المغرب، وخاصة التوقف عن انتقاد المغرب المنشغل بصحة شعبه، والذي تجاوز عدد الملقحين فيه ضد كوفيد- 19 أزيد  10 ملايين مغربي، البلد الذي يتقدم يوميا أكثر".