الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

الطيب دكار: " الجيش الجزائري مسؤول عن "البروباغندا" الصحافية المناهضة للمغرب" (6)

الطيب دكار: " الجيش الجزائري مسؤول عن "البروباغندا" الصحافية المناهضة للمغرب" (6) الطيب دكار( يسارا) والجنيرال خالد نزار مع مشهد لطوابير الجزائريين للحصول على سلع غذائية
يرى الطيب دكار أن الجزائر ليست مستعدة للقبول بفشلها الهائل في تدبير مسألة الصحراء، نظرا لكثافة التحركات التي قامت بها الديبلوماسية الجزائرية، والأجهزة الاستخباراتية واللوبيات المساندة للجزائر، فضلا عن تحركات الجيش، من أجل كسر الزخم الداعم للمملكة على المستوى الإفريقي، والعربي والدولي، وذلك منذ طرد مرتزقة البوليساريو من المركز الحدودي الكركرات، في نونبر 2020.
ويتساءل المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالحزائر قائلا: "ما هي مصلحة الجزائر في كل هذه القضية؟ لماذا أشركت قواتها، في البداية، في الحرب ضد المملكة؟ لماذا أنفقت ملايير الدولارات من أجل مساندة جمهورية لا توجد إلا في الأراضي الجزائرية، وهي أراض كانت قديما مغربية منحت إلى الجزائر في إطار الاتفاقيات الحدودية بين المملكة والجزائر؟".
يجيب صاحب كتاب "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب": " في الواقع، تندرج قضية الصحراء على رأس انشغالات الديبلوماسية الجزائرية، منذ 1975، وهو التاريخ الذي قرر فيه الديكتاتور الهواري بومدين الوقوف ضد المطالب الترابية للمغرب، فأسس جبهة البوليساريو، متجاهلا جميع التزاماته العمومية والرسمية. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح "تقرير المصير" مدرجا كعقيدة في سياسة الجزائر الخارجية، مثله مثل عدم المساس بالحدود، وذلك من أجل الكبح النهائي لأي مطالب ترابية مغربية محتملة، وربما أيضا أي مطالب تونسية أو ليبية. فنظام بومدين الذي جاء نتيحة انقلاب عسكري سنة 1965 على الرئيس حكم الرئيس أحمد بن بلة، يقدم الجزائر كبلد "تقدمي"، "مناهض للاستعمار"، و"مناهض للامبريالية"، ليضفي على نفسه شرعية شعبية كان يفتقد إليها، ولينسج أواصر إيديولوجية مع جمال عبد الناصر، وفيديل كاسترو، والاتحاد السوفياتي، والصين والفيتنام، وغيرها.. ليكشف بوضوح عداءه لنظام الملكية المغربية، وذلك لأسباب متعددة، أولها أن المغرب ينازعه الزعامة، على المستوى العربي والدولي، باعتباره نظاما عتيدا يمتد وجوده لقرون، عكس الجزائر التي لم تولد كـ"أُمة" إلا في 1962، بعد قرون من الاحتلال الأجنبي. كما أن جزءا واسعا من أراضي هذا البلد "الاشتراكي" كان تابعا، في ما مضى، للحكم المغربي. والدليل على ذلك بعض المباني التاريخية التي نجدها، حتى وقتنا الحاضر، في كل من تلمسان ووهران".
وذهب الطيب دكار، في معرض تشريحه لعقيدة العداء الجزائري لكل ما هو مغربي، إلى أن الجزائر لا تدخر أي جهد لمعاكسة مصالح المغرب، وقال: "اعتمادا على مواردها الطاقية المهمة، لا تضع الجزائر أي سقف ثابت لتمويل ودعم جميع القضايا في العالم، بما فيها ممارسة الضغط على مدريد من أجل تبني أطروحة مناهضة للمغرب". 
وأضاف: "إن الجزائر، وكما لو أرادت أن تجعل الأمر يبدو أن لها امتدادات وارتباطات شعبية في الخارج، شجعت تأسيس حركات إفريقية "شعبية" (شبيبية)، عنوانها بالجزائر 6 زنقة ديدوش مراد. غير أن  هذا العمارة انهارت كقصر من ورق في 5 أكتوبر 1988، حين قام الجيش الجزائري، بقيادة خالد نزار، بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين، مما أدى إلى سقوط 300  قتيل. ليضع بذلك حدا لذلك الشعار "من الشعب ومن أجل الشعب" الذي كان مرفوعا على واجهات تلك العمارة". 
وقال الطيب دكار: "كجميع الأجانب، كان علي أن أكتشف، في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين، بعد 6 أشهر من هذا الزلزال الذي زعزع نظاما كان يجذب تعاطف الجميع في العالم، بمن فيهم داخل اليسار المغربي وبعض المثقفين المغاربة، بدعوى إنجازاته "العظيمة"، كان علي أن أكتشف أن هذه البلاد تعيش انهيارا شاملا. ذلك أن هناك نقصا حادا في الأغذية والمواد الأساسية، وأزمة سكن، وبنيات تحتية سياحية في حالة يرثى لها بشكل مطلق، وأبناك متأخرة عن الركب بعقود مقارنة بالأبناك المغربية، كما أنه ليس هناك طرق سيارة، أو مطارات جديرة بدولة نفطية".
ويستمر رئيس مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء سابقا قائلا: "غير أن الإرث الوبائي الوحيد لهذا النظام، الذي سيرافق إعادة تأهيل الصحافة التي تنعت بالصحافة "المستقلة"، هو البروباغندا. ومن المؤكد أن أقلاما ممتازة وموهوبة، وضعت رهن إشارة بقايا النظام القديم. وإذا كانت أجزاء كاملة من البروباغاندا الاشتراكية انهارت (الحزب الوحيد، التوجيه الاقتصادي)، فإن السياسة الخارجية وقضية الصحراء، فضلا عن العداء للمملكة، ظلت دون تغيير. ويجب القول إن الصحافة "المستقلة" لا تدفع أي إيجار لبيت الصحافة (مقرات وزعت على الصحف التي ولدت بعد إعادة التأهيل)، في إطار عملية إعادة تأهيل أشرف عليها مولود حمروش، ووضعتها جبهة التحرير الوطني، مما يعني بمعنى من المعاني أنها صحافة تحمل إرث "بروباغاندا مناهضة المغرب". ومن ثمة، ينبغي أن ننتظر سنوات من أجل أن يمرر صحافي في مكان ما، وفي الصفحة الرياضية، وخارج السياق، أي إطراء على المغرب من أجل إنجازاته في هذا المجال أو ذاك. فرغم الأزمة المتعددة الأشكال، ورغم الصعوبات التي يواجهها المواطن الجزائري من أجل الحصول على  كسرة خبزه اليومي، أو علبة حليب، ورغم الضيق الذي يمر به كلما مر أمام محل جزارة، يظل الصحافي الجزائري منشغلا أكثر بما يسميه حالة "الاحتقان الاجتماعي" بالمغرب. 
"نحمد الله على أننا في المغرب لا نصطف في طابور أمام المخبزات ومحالات البقالة للحصول على حصتنا اليومية من الخبز  أو الحليب"، رددت بشدة على صحافية جزائرية التي أحالت على تقرير "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" حول المغرب.   وقد ظل تخوف الصحافي الجزائري من المغرب هو نفسه بعد ثلاثين سنة. والحال أن المغرب تفوق في النمو، منذ ذلك التاريخ، عن جاره الجزائري الذي ظل، رغم ذلك، في حالة "احتقان اجتماعي"ـ وظل المواطن الجزائري، مع ذلك، في مواجهة المشاكل نفسها:  نقص في المواد الأساسية (حليب، دقيق، بطاطس)، بينما ظل الحصول على الموز مندرجا في خانة المنتجات الفاخرة بعيد المنال، مثل السردين".
وتابع دكار: "لقد كان على القادة الجزائريين، أمام إفلاس نظامهم السياسي واختياراتهم السياسية والاقتصادية، أن يستغلوا الخبرة المغربية في جميع المجالات من أجل تطوير التعاون الثنائي وبناء اتحاد مغاربي قوي اقتصاديا وسياسيا. بيد أن  الجيش، الذي يحكم فعليا هذا البلد، سيستمر عائقا رئيسيا لانعتاق الجزائر، طالما أنه لا تتمتع بنظام مدني شرعي منتخب من الشعب الجزائري عبر انتخابات نزيهة. فمنذ 1988، أدرك الجميع، في الداخل والخارج، أن النظام الحاكم الحقيقي والفعلي في الجزائر هو الجيش، وبأن لا شيء يمكن القيام به بدون تأشيرة الجيش الذي أعفى بن بلة والشاذلي بن جديد وبوتفليقة، واغتال بوضياف، ودفع لامين زروال إلى الاستقالة، كما أرسل نحو عشرين وزيرا سابقا إلى السجن، في لعبة انتقامية ظاهرها مكافحة الفساد المالي. كما أن الجيش الجزائري يتحمل مسؤولية مقتل 200 ألف جزائري خلال الحرب التي شنها على الإسلاميين لمدة عشر سنوات، واختفاء أكثر من 20 ألف آخرين".
وواصل المؤلف تشريحه بالقول: " يزداد الوضع قتامة لحصيلة هذا الجيش الجزائري الذي ينعت نفسه، ويا للمفارقة !، بوريث جيش التحرير، علما أن انخراطه وتورطه المباشر في نزاع الصحراء سيطيل أمد معاناة الشعب الجزائري،  كما أنه سيبدد الأموال العامة الجزائرية التي تتناقص شيئا فشيئا. وهذا يفرض على الجزائريين أن يتساءلوا حول السبب الذي يجعل الجيش يواصل صرف وبرموجة أموال طائلة لشراء السلاح أو لدعم البوليساريو، كأولوية  في حين تعاني السوق الجزائرية من ضعف الإمدادات بخصوص المواد الأساسية".
وختم الطيب دكار قوله: "على إخواننا الجزائريين أن يعلموا أن التهديدات التي تأتي من حدود بلادهم الشرقية، والتي يتذرع بها قادتهم العسكريين، ما هي إلا تخيلات وأوهام".